روضة الصائم

أدب قضاء - فيما للقاضي وما عليه (3)

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا بمسقط - وقال الخطابي: في معالم السنن إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعًا لآلة الاجتهاد، فهو الذي نعذره بالخطأ، بخلاف المتكلف فيخاف عليه، ثم إنما يؤجر العالم لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة، هذا إذا أصاب، وأما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط كذا قال: وكأنه يرى أن قوله «فله أجر واحد» مجاز عن وضع الإثم. وقيل: من أفضل المعروف إغاثة الملهوف، وإنصاف الضعيف من الظالم الشريف. وقيل: إن أصحاب الجنة أربعة: ذو سلطان عادل، ومؤمن ضعيف متعفف، وغني متصدق، ورحيم القلب لكل قريب ومسلم. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المقسطون على منابر من نور يوم القيامة» والمقسطون هم أهل العدل الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم. وقال بعض المسلمين: لأن أقضي بحق وعدل أحب إلي من أن أغزو في سبيل الله سنة. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: «إن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويجسم به الذخر، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، والله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً له، والله المطلع على العباد وأعمالهم ونياتهم. وإذا أراد الدخول في الأحكام نظر أهل زمانه ومن كان في عصره من إخوانه، فإن كان يرى أن غيره أوسع منه علما وأحد فهما وأضبط حزما في الأمور منه فالأولى أن يعتذر ويستعفي ممن أراد منه الدخول في الأحكام نظرا منه لله ولعباده فيما يراه أقرب للحق وأعز. وإن كان يرى أنه في زمانه وعصره المقدم في إخوانه من أهل مصره، ويفوقهم علما وفهما وضبطا في الأمور، فالأولى أن لا يعتذر من الدخول ويترك الأحكام ضائعة، وأمور الإسلام غير جامعة، وسبيل الحق دارسة، وشوارع الدين طامسة رغبة في الراحة العاجلة عوضا من الحياة الباقية الآجلة. وليكن دخوله في الأحكام احتسابا لله وابتغاء مرضاته، لا رغبة في الدنيا، ولا طلبا للرياسة، ولا لاستخدام الناس، وصرف وجوهم إليه، واستجلاب نفعهم له، ويكون اعتقاده أنه متى ما وجد من هو أعلى منه منزلة في العلم أن يعتذر إليه ويستعفيه، ويطلب منه المعذرة بسلامة صدر وطيب نفس. فإن دخل على هذه الصفة ولم يقض إلا بحق وعلم فنرجو له من الله السلامة ولا يضيع عند الله إحسان محسن؛ نصح لله، واتقى الله، وتورع عن محارم الله، واجتنب ما يسخط الله فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، والسلام على من اتبع الهدى والله أعلم وبه التوفيق. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: «لأن أقضي يومًا بالحق أحب إلي من عبادة سبعين عامًا». ومراده أنه إذ قضى يومًا بالحق كان أفضل من عبادة سبعين سنةً فلذلك كان العدل بين الناس من أفضل أعمال البر وأعلى درجات الأجر. قال الله تعالى: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) فأي شرف أشرف من محبة الله تعالى.