لماذا تنقل واشنطن طائرات" التزود بالوقود الجوي" إلى منطقة الكاريبي؟
تحليل
الثلاثاء / 9 / رجب / 1447 هـ - 19:16 - الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 19:16
واشنطن 'د. ب. أ': يثير قيام وزارة الدفاع الأمريكية بنقل طائرات التزود بالوقود الجوي 'كيه سي 135 ستراتوتانكر' إلى منطقة الكاريبي تساؤلات واسعة حول أهداف هذه الخطوة ودلالاتها الاستراتيجية. فهذه الطائرات لا تستخدم عادة إلا لدعم عمليات جوية ممتدة وعالية الكثافة، ما يوحي بأن واشنطن تستعد لمرحلة جديدة من النشاط العسكري في محيط فنزويلا وأمريكا اللاتينية.
ويأتي هذا التحرك في سياق تصاعد الضغوط الأمريكية، وسط جدل متزايد بشأن كلفة استمرار الاعتماد على أسطول جوي متقادم وتداعيات ذلك على الاستقرار الإقليمي.
هذا ما أكده المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت، الذي يقدم استشارات دورية لمؤسسات حكومية ومنظمات خاصة في قضايا الجغرافيا السياسية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكي.
ويقول وايكيرت إنه لا تزال نوايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه فنزويلا غير واضحة، لكن نشر طائرات 'كي سي - 135' قد يكون تمهيدا لعمليات جوية ممتدة فوق أمريكا الجنوبية.
ولا أحد يستطيع على وجه الدقة فهم ما الذي يخطط له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بسياسته تجاه فنزويلا. فمن جهة، ينسجم التركيز على الدفاع في نصف الكرة الغربي مع الأهداف المعلنة في مذكرة استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب. ومن جهة أخرى، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل كلفة حرب لتغيير النظام، كما أن مثل هذا الصراع يتناقض تماما مع الأفكار التي خاض ترامب حملته الانتخابية على أساسها العام الماضي.
ويرى وايكيرت أنه مع تمركز نحو 16 ألف جندي من مشاة البحرية (المارينز) وحوالي 25 % من القوة القتالية للبحرية الأمريكية قبالة السواحل الفنزويلية، تعيش المنطقة حالة من الترقب والقلق. والآن، أضيف مزيد من الوقود إلى نار التوتر، إذ قامت إدارة ترامب بنقل طائرات التزود بالوقود جوا من طراز 'كي سي - 135 ستراتوتانكر' التابعة لسلاح الجو الأمريكي إلى منطقة الكاريبي، حيث تعمل هذه الوحدات انطلاقا من جمهورية الدومينيكان.
وتعزز واشنطن بذلك قدرات الدعم الجوي الأساسية للعمليات العسكرية الجارية والمتوسعة في منطقة الكاريبي، ولا سيما تلك المرتبطة بمهام مكافحة المخدرات والمراقبة والضغط الإقليمي.
ويأتي نشر هذه الطائرات بالتوازي مع الوجود العسكري الأمريكي الأوسع في المنطقة، والذي يشمل إدخال مروحيات وطائرات حربية وطائرات حرب إلكترونية، إضافة إلى طائرات البحث والإنقاذ القتالي.
وخلال الأسابيع القلائل الماضية، أعلنت إدارة ترامب إغلاق المجال الجوي الفنزويلي. كما أشرف البيت الأبيض على تدمير قوارب يشتبه في استخدامها لتهريب المخدرات في منطقة الكاريبي، وصادر ناقلات نفط قال إنها كانت تنقل نفطا فنزويليا خاضعا للعقوبات إلى كوبا.
ويقول وايكيرت إن هذا النشاط المتزايد في المنطقة أدى إلى مستويات هائلة من الجدل، مع اتهامات بالقرصنة وارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى تسجيل حوادث اقتراب خطيرة بين طائرات ركاب مدنية مقرها الولايات المتحدة، وتحديدا طائرات جيت بلو، وطائرات أمريكية للتزود بالوقود جوا في أجواء الكاريبي. وحتى منتصف ديسمبر 2025، كان سلاح الجو الأمريكي قد نشر ما لا يقل عن 10 طائرات 'كي سي - 135'، ستعمل على دعم طائرات التزود بالوقود من طراز 'كي سي - 46' العاملة في جزر فيرجن الأمريكية. وعمليا، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) خلال الأشهر الستة الماضية مركزا رئيسيا للتزود الجوي بالوقود للطيران، وذلك في إطار عملية الحشد العسكري المتصاعدة.
في المحصلة، فإن مهمة إدارة ترامب الرامية إلى زعزعة استقرار نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا ليست مسألة قصيرة الأمد، بل تبدو عملية طويلة ومكلفة على المستويين العسكري والمالي.
ولفهم الدور المحوري الذي تؤديه طائرة التزود بالوقود الجوي كيه سي 135 ستراتوتانكر في هذه الاستراتيجية، تجدر الإشارة إلى خصائصها التقنية والعملياتية. فقد دخلت هذه الطائرة الخدمة عام 1957، وتم تصنيع 396 طائرة منها. ويبلغ طولها نحو 53ر41 مترا، فيما يصل باع جناحيها إلى 39.88متر، مع وزن إجمالي يصل إلى 146 ألفا و285 كيلوجرام.
وتعمل الطائرة بأربعة محركات نفاثة توربينية من إنتاج شركة سي إف إم إنترناشونال (سي إف إم 56)، وتصل سرعتها القصوى إلى نحو 966 كيلومترا في الساعة. أما مداها العملياتي فيبلغ 2419 كيلومترا، في حين يصل سقف تحليقها إلى 15 ألفا و240 مترا.
وتتمتع الطائرة بقدرة كبيرة على حمل الوقود، إذ تستطيع نقل ما يصل إلى 200 ألف رطل من الوقود، أي ما يعادل نحو 30 ألف جالون إضافة إلى منصة شحن قادرة على استيعاب 37 راكبا أو حمولة تصل إلى 83 ألف رطل. ويتكون طاقمها الجوي من ثلاثة أفراد هم الطيار، ومساعد الطيار، ومشغل ذراع التزود بالوقود جوا.
تعود طائرات 'كيه سي 135' إلى أكثر من ستين عاما. وكلما تقدم عمر الطائرة، ارتفعت تكاليف الصيانة وطالت فترات خروجها من الخدمة. كما أن التحليق لفترات طويلة فوق المياه المالحة يفاقم من معدلات التآكل والإجهاد الهيكلي لهذه الطائرات المتقدمة في العمر.
وحاليا، تبلغ كلفة صيانة كامل أسطول كيه سي 135 نحو ثلاثة مليارات و700 مليون دولار سنويا. ومن شأن تكليف هذه الطائرات بمهام طويلة الأمد في بحر الكاريبي أن يزيد من حدة التآكل، ليس فقط بسبب الملوحة، بل أيضا بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في المنطقة.
وفوق ذلك، فإن طائرات كيه سي 135 تجاوزت ذروة عمرها التشغيلي، ويجري الإبقاء عليها في الخدمة لأن الطائرات البديلة من طراز كيه سي 46 بيجاسوس لم تصبح جاهزة بالكامل بعد. فقد شهد برنامج تطوير هذه الطائرات تأخيرات كبيرة بسبب مشكلات تقنية وتعقيدات أخرى، ما أدى إلى تجاوز الميزانية والجدول الزمني، وأجبر سلاح الجو الأمريكي على الاعتماد على طائرات تزود بالوقود أقدم آخذة في التراجع، مثل كيه سي.135 ومنذ تسليمها الأول إلى سلاح الجو عام1957، شاركت طائرات كيه سي 135 في معظم العمليات القتالية الكبرى التي خاضتها الولايات المتحدة، بما في ذلك حرب فيتنام وعمليات بنما وغزو جرينادا وحرب الخليج والحروب الجوية فوق البلقان في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى أفغانستان والعراق وعدد كبير من المهام الأخرى.
وتعد هذه الطائرات حاسمة للمهام بالنسبة للجيش الأمريكي كي يتمكن من العمل بفعالية كقوة انتشار عالمي.
ولهذا السبب، يعبر العديد من الخبراء عن قلقهم من أن الاستمرار في تشغيل هذه الطائرات بصورة دائمة، حتى في أجواء قريبة من الولايات المتحدة مثل الكاريبي، لن يكون في مصلحة أسطول كيه سي.135 ويخلص وايكيرت إلى أنه في نهاية المطاف، كان من المفترض أن تبدأ هذه الطائرات الخروج من الخدمة، لكن ذلك لم يحدث بسبب الإخفاقات المستمرة في برنامج تطوير كيه سي.46 ومع مرور الوقت، قد تصبح الحوادث أكثر شيوعا، وقد تتعرض قدرة الولايات المتحدة على إسقاط قوتها الجوية، سواء في سلاح الجو أو البحرية أو مشاة البحرية، إلى تهديد حقيقي.