ثقافة

النادي الثقافي يستعرض حصيلة عام من العمل المؤسسي في ختام موسمه لعام 2025م

من المنصات الثقافية في الولايات إلى تكريم قاسم حداد

 

اختتم النادي الثقافي موسمه الثقافي لعام 2025 مساء اليوم بحفل استعاد فيه مسار عام كامل من العمل الثقافي واضعا منجزه في رؤية تتجاوز الفعالية إلى مفهوم الثقافة وحوارا مفتوحا مع المجتمع، وامتدادا معرفيا داخل سلطنة عمان وخارجها، وجاء الحفل الذي أقيم في مسرح وزارة الإعلام برعاية معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي محافظ مسقط ليشكّل محطة تأمل في حصيلة موسم اتسعت خلاله البرامج والفعاليات والمبادرات، وتنوّعت جغرافيته بحضور نخبة من المثقفين والأدباء والإعلاميين، واستهل برنامج الحفل بعرض مرئي استعرض أبرز محطات الموسم الثقافي للنادي، وما شهده من فعاليات داخل سلطنة عمان وخارجها، عكست حضور النادي كإحدى المنصات الوطنية الداعمة للحراك الثقافي والفكري وفضاء للحوار المعرفي والتواصل مع التجارب الثقافية العربية والعالمية.


كلمة النادي
وفي كلمته قدّم الأستاذ الدكتور محمد بن علي البلوشي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي قراءة تأملية لمسار الموسم الثقافيمنطلقا من رؤية تعتبر الثقافة كائنا حيا لا يُختزل في البرامج، بل يتشكّل كلما أُعيد الإصغاء إلى الأسئلة الكبرى التي تحرّك الوعي الجمعي.

وأشار إلى أن موسم 2025 مثّل امتدادا لرؤية عملٍ منفتحة، كشفت أن الثقافة في سلطنة عمان ليست نشاطا هامشيا، بل عنصرا حيا في نسيج الذاكرة الجمعية.


وأوضح 'البلوشي' أن النادي أنجز خلال الموسم أربعا وتسعين فعالية ثقافية، شارك في تقديمها مئتان واثنان من المثقفين والمبدعين، واحتضنت معارضه ثمانون فنانا من داخل سلطنة عمان وخارجها، فيما انخرط في برامجه التكوينية خمسمائة وثمانية وعشرون متدربا، مؤكدا أن هذه الأرقام لا تمثل غاية بحد ذاتها، بل مدخلا لفهم الأثر الذي تصنعه الثقافة حين تتحول إلى مساحة حوار حي تتقاطع فيها الأصوات وتتعدد الرؤى.


وتوقف رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي عند رهان النادي على لا مركزية الثقافة، مشيرا إلى إطلاق مشروع المنصات الثقافية في الولايات، حيث كانت ولايتا شناص وإبراء أولى محطاته، على أن تتواصل الرحلة خلال الموسم المقبل إلى صلالة ومصيرة وقريات وسمائل، في تأكيد عملي على أن الثقافة ليست حكرا على المراكز الكبرى، بل حق معرفي يتوزع على الجغرافيا والناس. وفي السياق ذاته، أشار إلى تجربة الملتقى الثقافي في مقشن، على أطراف الربع الخالي، مثالا على تحويل الهامش إلى مركز للرؤية، حيث نُفذت حلقات عمل وأمسيات ومحاضرات بالتعاون مع شركة تنمية نفط عمان، بما يؤكد أن الصحراء ليست فراغا، وأن الثقافة قادرة على أن تنبت حتى في أقسى البيئات.


وفي مسار رعاية الكتابة الإبداعية، أعلن رئيس مجلس الإدارة عن تدشين محترف 'حياة كاملة'، أول مختبر روائي من نوعه في سلطنة عمان، والذي رافق النصوص الروائية في مراحل تشكّلها الأولى، وأسفر عن خمس روايات سيُعلن عنها في معرض الكتاب المقبل، كما أشار إلى برنامج طباعة الكتب، الذي شهد خلال هذا العام إصدار أربعة عشر كتابا، كان بعضها الإصدار الأول لمؤلفيه، على أن يشهد الموسم المقبل طباعة ثمانية عشر كتابا.


وفي استشراف الموسم المقبل أعلن الأستاذ الدكتور محمد بن علي البلوشي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي أن القصة القصيرة ستكون ثيمة النادي، لما تمثله من قدرة على الاختزال والتكثيف، إلى جانب استمرار مختبر النقد ببرامج جديدة، وإقامة ملتقى 'سيرة الماء في عمان'، الذي يقرأ حضور الماء في الثقافة والطبيعة العمانية، امتدادا لملتقيات سابقة احتفت بسيرة الصحراء والعطر، كما كشف عن تدشين مسابقة للصناعات الثقافية الإبداعية تحت مسمى 'صيرورة'، إيمانا بدور هذه الصناعات في تحويل الفكرة إلى منتج ثقافي يسهم في التنمية ويعزز القوة الناعمة.


قراءة في التجربة
وشهد الحفل الاحتفاء بالشاعر البحريني الكبير قاسم حداد الشخصية الثقافية العربية لعام 2025، تقديرا لتجربة امتدت لنحو ستة عقود، شكّل خلالها 'حداد' أحد أبرز الأصوات الشعرية العربية التي وسّعت أفق القصيدة، وجعلت منها فضاء مفتوحا للتجريب والتداخل مع الفنون البصرية والموسيقى، وقد قُدّمت قراءة معمّقة في تجربته الشعرية ألقاها الشاعر صالح العامري، توقفت عند تحولات مشروع حداد، وعلاقته باللغة، والحرية، والجرح الإنساني، وقد صاغ 'العامري' سؤاله المركزي كيف يمكن قراءة قاسم حداد، هل عبر روح الباحث الذي يلاحق 'المتن' كله، أم عبر روح العابر الذي يكتفي بالشذرة والسطور اليتيمة، حيث الاقتراب ليس اكتمالا بل 'حوم حول الجمرة'؟ وانتهى إلى تفضيل المسار الثاني، أي الدخول إلى عالم حداد عبر الشذرات كعتبات مكثفة، لا لأنها أيسر، بل لأنها الأقرب إلى طبيعة مشروع حداد الذي لا يطمئن إلى اليقين، ويتغذى على التوتر، ويُبقي المعنى مفتوحا على احتمالاته.

وعلى امتداد كلمته عاد 'العامري' إلى حداد كونه شاعرا يتكوّن من عناصر المكان الأولى، من البحر والنخيل والرياح والطرقات، لكنه لا يكتبها كديكور شعري، بل كجغرافيا للوعي والجرح، تُنتج لغتها الخاصة وتكشف عن موقف أخلاقي من العالم.

واستحضر بعض مقاطع حداد التي تُظهر حضوره الدائم على حافة المخفي، وتلمّسَهُ لمعنى الحرية باعتبارها شرطا للتنفس، لا شعارا في خطاب.

كما توقفت القراءة عند علاقة حداد بالبحر، وفي الجانب الإنساني شدد 'العامري' على أن لغة حداد لا تفصل بين الألم والمعرفة، وأن الجرح عنده ليس حادثة عابرة بل مادة تكوينية للكتابة.. كمن يطارد 'المعنى' لا ليغلقه، بل ليُبقيه حيا ومتجدّدا، ويعيد اختباره في كل نص، وفي كل مشروع يوسّع فيه حدود القصيدة نحو تخوم الفن والصورة والموسيقى.


كلمة قاسم حداد
في كلمة للشاعر البحريني قاسم حداد قال فيها إن للكلمات، مثل الشجرة، لا تُنقذ الأعمال الجميلة بالتقييم، بل بما تمنحه من روح ومعنى.

وأشار إلى أن علاقته بعُمان تشكّلت مبكرا بوصفها تجربة ثقافية وإنسانية مختلفة، فتحت له أفقا جديدا وأعادته إلى مراجعة الكتاب والحياة معًا، بعد مسار طويل في العمل العام، لتصبح خياراته أكثر رهافة وحساسية.

واعتبر 'حداد' أن أي تقدير يأتي من سلطنة عمان يحمل دلالتين متلازمتين، التشريف من جهة، وتحميل المسؤولية الثقافية من جهة أخرى، مؤكدا أن علاقته بالحركة الأدبية العُمانية تمتد منذ السبعينات، وأن مرافقته للأصوات الجديدة على مدى عقود أسهمت في تجديد إحساسه بالشعر وبقيمة الجمال.

وختم كلمته بالتأكيد على أن الجمال، في جوهره، فعل مقاومة ناعم، لا يتخلى عن الحب حتى في الأزمنة القاسية، معربا عن شكره للحضور.


فقرات الحفل
وتخلل الحفل عرض مرئي استعرض محطات المسيرة الثقافية للشاعر المحتفى به وصولا إلى لحظة التكريم التي شارك فيها راعي الحفل بمعية رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي تقديرا لشخصية ثقافية عربية أسهمت في إثراء المشهد الثقافي العربي، واختُتم الحفل بفقرة موسيقية قدّمتها فرقة البلد الموسيقية بقيادة الملحن والباحث الموسيقي مسلم بن أحمد الكثيري، حيث قُدمت مجموعة من الموشحات، إلى جانب قصيدة للشاعر قاسم حداد لُحّنت خصيصا لهذه المناسبة، في تجربة فنية جمعت بين الأصالة والانفتاح على آفاق التعبير الموسيقي.