شاعر جاهل وشاعر فاهم
الاثنين / 8 / رجب / 1447 هـ - 20:43 - الاثنين 29 ديسمبر 2025 20:43
المنتديات الشعرية هي آفة الشعراء، حيث يعتقد كل من يكتب أنه شاعر لا يشق له غبار، تشجّعه على ذلك تلك المجاملات الفجّة التي تنهال عليه ذات اليمين وذات الشمال، من أصدقائه، ومجامليه، حتى يتساوى في ذلك الشاعر الجيد، وكاتب الخواطر التي يعتقد صاحبها أنها شعر، وبين ذاك وذاك يضيع النقد الحقيقي، ويختلط الحابل بالنابل، والشعر بالنثر البسيط، والأدهى من ذلك أن بعض المنتديات المنتشرة على وسائل التواصل تقيم أمسيات لـ(شعرائها)، مما يولّد لديهم ذاتا متضخمة لا تقبل المواجهة، ولا النقد الحقيقي.
وقد تصادف الكثير من هؤلاء الذين أصبحوا شعراء دون أن يملكوا من الشعر شيئا، ودون أن يحاولوا أن يطوروا أدواتهم، ويبحثوا عن الحقيقة الغائبة عن أذهانهم، ولذلك تماهوا مع الصورة التي ألبسها لهم مجاملوهم، وأصدقائهم، وتوهموا بأنهم شعراء كبار، واعتقدوا أنهم فوق مستوى النقد، وهذه هي الكارثة الحقيقية التي تختلط فيها المسميات، وتكبر فيها (الأنا)، وتموت في مقبرتها الموهبة قبل أن تتفتح زهورها، ولذلك يجب على كل شاعر ينشر في هذه المنتديات أن يقيّم ذاته، وعليه أن يفهم بأن هناك ضوابط، وقواعد للشعر، لا يملكها إلا من يملك هذه الموهبة بالفطرة، أو بالتعلّم أحيانا، ولكنها لا تأتي هكذا، كـ(نبت شيطاني)، يمتلكها كل واحد دون معرفة أو دراية، ودون أن يعرض موهبته على ناقد، أو شاعر متحقق، ليعطيه رأيه في شعره بحياد، ودون مجاملة، ليتعرف على أخطائه، ويتفادى هفواته، ويسير على الطريق الصحيح، بهدى، وخطوات واثقة، وواضحة.
إن البذرة الشعرية موجودة في كل واحد، ولكن هناك من ينميها، ويتعاطى معها بنضج، ووعي، وهناك من يهملها، ولا يتقبل رأيا ينير له معالم الدرب، فيتوه في ظلمات الجهل، ويسيء في النهاية إلى نفسه، وإلى الشعر الحقيقي، فكل شاعر في كل زمان ومكان، مهما بلغ حجمه وصيته، كان مثقفا شعريا، وكان له من (المعلمين) من أخذوا بيده، وأرشدوه إلى الطريق الصحيح في عالم الشعر، ولذلك على كل شاعر مبتدئ أن يتواضع قبل كل شيء، وأن يتقبّل النقد مهما كان حادا، لكي يعدل مساره، واتجاهه، ويكتب ما يفتخر به، وأن يفهم أن المجاملين، ومن لا يفقه ألف باء الشعر، لا يجب أن يكون المعيار الذي يبني عليه، نجاحه، ومساره، فالشعر موهبة قبل أن تكون وسيلة للظهور دون ضوابط، وكما يقال: (الشعراء أربعة: شاعر يجري، ولا يُجرى معه، وشاعر يخوض وسط المعمعة، وشاعر لا تشتهي أن تسمعه، وشاعر لا تستحي أن تصفعه)..فلا تكن الأخير.