القهوة والمايسترو والشباب !
الاثنين / 8 / رجب / 1447 هـ - 20:42 - الاثنين 29 ديسمبر 2025 20:42
فـي مدونة للمراسل سمير النمري على منصة «إكس» في نوفمبر 2025: «سلطنة عمان استوردت قهوة من الخارج بقيمة 27.7 مليون دولار خلال 7 أشهر فقط».
يعني تقريبا حوالي 4 ملايين ريال عماني في الشهر. ترى كم سلعة زراعية ضرورية أو استهلاكية نستوردها مثل: القهوة، والشاي، والزعفران، والقمح، والشوفان، والحبوب التي تدخل في صناعة أعلاف الحيوانات، والأعشاب، والفواكه، والأعناب، والورد، والزهور، وتكلفنا كثيرا، ونستطيع زراعتها في أراضي سلطنة عمان متنوعة التضاريس.
عندما نبحث عن فرص عمل للشباب في ريادة الأعمال نقف عند هذا الرقم وأرقام أخرى لحاصلات زراعية نستوردها.
لماذا لا تنطلق ريادة الأعمال للشباب في القطاع الزراعي بقوة رغم أننا بلد زراعي، وكما يروي معظم الشيبان أن عمان، وخاصة سهل الباطنة، كان لها دور كبير إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية في توفير الغذاء لأغلب دول الخليج؟
ليس تغنيا بالأمجاد، قدر ما هو بحث عن كيف نحرك المياه الراكدة، واستيعاب واقع قيمة الأرض العمانية في الإنتاج، فلا تطول قائمة انتظار الوظيفة بينما تبدأ أسعار برميل النفط تتهاوى ببطء أمام أعيننا، وشعور العجز يتآكلنا كل خمس سنوات.
ليس من الضروري أن ننتظر صاحب مشروع زراعي كبير يزرع 200 أو 300 فدان حتى تنشئ وزارة الزراعة بجواره قطعا زراعية بـ 10 أفدنة لـ 10 من الشباب أو أكثر قليلا !
إن الزراعة تعني الصناعة أيضا، فصناعات الأغذية عالم كبير وواسع، ويتسع كل يوم، ولو حسبنا قيمة ما نستورده من منتجات زراعية محفوظة أو مجمدة أو مصنَعة تصنيعا خفيفا أو كاملا، سنلاحظ أن الأرقام تتضاعف. فلا يستطيع أي منزل أن يستغني عن هذا البند في قائمة الشراء الأسبوعية، سواء معجنات محفوظة أو فواكه وخضراوات مجمدة أو محفوظة، بالإضافة إلى صناعات غذائية أكثر تطورا لا نستغني عنها في مطابخنا.
لماذا لا تنشأ قرى زراعية شبابية في مناطق وبيئات زراعية متنوعة، وتتخصص كل قرية بمحصول أو محصولين، فتحوي القرية 1000 أو 2000 قطعة مثلا، كل قطعة 10 أفدنة؟
يتم تهيئة القرية بأهم الخدمات التي يحتاجها الشاب المزارع مثل تمديدات الكهرباء والماء والإنترنت، وغيره من التسهيلات التي تستطيع وزارة التجارة أن توفرها للشباب في حزمة واحدة.
ثم إنشاء مجموعة شركات ريادة شبابية للتسويق الزراعي الداخلي والخارجي، ودعمهم بحزمة من الخدمات الداعمة لينطلقوا في مجال التسويق والمنافسة فيه. فلا يمكن أن تنطلق الزراعة بدون قنوات تسويق داخلي وخارجي واضحة ومحددة، فمن يزرع لا يجد الوقت للتسويق، فهي مهمة أخرى وتحتاج إلى مهارات أخرى تماما.
ومن يسوّق لا يمكن أن يجد وقتا لممارسة الزراعة أو الصناعة الغذائية، لذا تدعم الجهات المعنية إنشاء مجموعة ثالثة من الشركات الشبابية للصناعات الزراعية المنتجة في هذه القرى وغيرها، لتتخصص في الصناعات الغذائية، ثم تقوم شركات التسويق إياها بتسويقها للسوق الداخلي والخارجي.
إن ريادة الأعمال مجال لا يحبه أغلب الشباب، ليس لأنه سيئ، بل لأنه عالي المخاطر، وسط بيئة حرة 100% لكنها قاتلة إلى حد كبير بسبب بعض اللوبيات التي تشكلت؛ غير مرئية لكنها ملموسة الأثر، مع وجود شبح التركيز التجاري الذي يحوم، لكن لا نستطيع أن نجد عليه مستمسكا قانونيا مباشرا؛ إلا أنه موجود ويشعر به كل من يعمل في ريادة الأعمال.
إذا أضفنا إلى ذلك أن الشاب يقترض من بنك التنمية أو من بنك تجاري لإقامة مشروعه، فإن شبكة المخاطر تؤرقه ليل نهار ولا يستطيع التركيز، ويفضل الوظيفة للخلاص من كل هذا الصداع اليومي الذي لا ينتهي ما بقي مشروعه حيا.
لا مناص من الدعم، ولا مناص من الحماية إلى حد كاف، ولا مناص من التسهيلات، ولا مناص من مايسترو يمسك الإشراف على هذا المقترح الثلاثي الجوانب كي يخطط وينفذ ويقيم ويطور، ثم يقيم فتريا ثم يطور، فتدور العجلة بقوة وثبات وتقدم إلى الأمام.
وهنا يأتي دور هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كي تكون المايسترو، فلم تعد الأدوار الإرشادية كافية بعد تجارب لـ50 عاما لم تستطع أن تجعل قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة قطاعا قويا يقول: «أنا هنا».