أفكار وآراء

خبر سار: أهداف المناخ أصبحت أكثر واقعية

ديفيد جي فكتور 

ترجمة: أحمد شافعي 

في ظاهر أمره يبدو 2025 عام انتكاس مستمر في مكافحة تغير المناخ. 

فقد وقَّع الرئيس دونالد ترامب مشروع قانون سوف يقضي على أغلب التمويل الفيدرالي للطاقة النظيفة، كما أنه يقف في وجه مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية ويهاجم مؤسسات علم المناخ. 

وخفَّضت خمس ولايات هي الأكثر التزاما بالعمل في تغير المناخ، منها ولايتا كونكتيكت ومساتشوستس، تعهداتها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو أنها تدرس سبل تقليصها. 

وتخفِّف أوروبا -وهي الرائدة العريقة للعمل العالمي- كثيرا من التزاماتها، ومن بينها خطتها لإحلال سيارات كهربائية بدلا من جميع السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي. وانصرف الكثير للغاية من البنوك عن وعود بجعل ممارساتها الإقراضية صديقة للبيئة حتى أن تحالفا للمصرفيين الملتزمين بتقليص الانبعاثات الكربونية قد انهار في الخريف من هذا العام. 

تبدو هذه التحولات جميعا نذر وهن مستشر يحيق بالعزيمة واستسلام لجماعات الضغط التي تقاوم العمل على تغير المناخ. ولكن ثمة اتجاها آخر، وأكثر أهمية، ظهر هذا العام أيضا: وهو أن صناع السياسات والمستثمرين يسعون إلى تحقيق الممكن بدلا من السعي وراء المستحيل. 

فطالما تركزت النقاشات المتعلقة بتغير المناخ على أفكار مجردة؛ ولذلك صعب على المستثمرين أن يعلموا أين يضعون رؤوس أموالهم في ظل الهوس بالأهداف الجريئة غير القابلة للتحقق. 

علينا أن ندرك أن كثيرا من أهدافنا المناخية القديمة، من قبيل خفض الانبعاثات العالمية إلى الصفر في وقت قريب للغاية أو حظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين، لم تكن قابلة للتحقيق. والاعتراف هو الخطوة الأولى للتقدم نحو طور جديد في العمل المناخي يتسم بالمزيد من النضج، فهذا الطور أكثر ارتكازا على الواقع ومن ثم أفضل عدَّة لتركيز النقاش على مقايضات واقعية. 

وانظروا إلى ولاية بنسلفانيا على سبيل المثال. فقد أعلن حاكمها جوش شابيرو في نوفمبر تخليه عن نظام مبادلة الانبعاثات الذي كان يربط ولاية بنسلفانيا بإحدى عشرة ولاية أخرى، ويفرض قيودا متواضعة على تلوث المناخ. وقد دق أغلب ناشطي المناخ -اليقظين لأي بادرة انتكاس- نواقيس الخطر. لكن النظام في واقع الأمر كان غارقا في عوائق تشريعية، وقد أقنع الجمهوريون كثيرا من الناخبين بأنه بمنزلة ضريبة على الطاقة باهظة الثمن أصلا. ولم تكن له من فرصة تذكر في النجاح سياسيا في ولاية بنسلفانيا على المدى البعيد. 

ويضغط الحاكم جوش شابيرو من أجل خطة أشد ذكاء من الناحية السياسية من شأنها أن تركز على إنتاج مزيد من الطاقة في الولاية، وتخفيض التكاليف واستخدام عائدات الضرائب من أجل جذب الصناعات النظيفة. 

وتواصل بنسلفانيا الابتعاد عن الفحم التقليدي، وهو وسيلة مضرة بالبيئة لإنتاج الكهرباء، مع تشجيع التنافس بين موردي الطاقة الأكثر نظافة ـ من قبيل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وأيضا الطاقة النووية ومحطات الغاز الطبيعي المزودة بمعدات التحكم في التلوث. وبوسع المزيد من التنافس بين هؤلاء أن يقلل التكاليف على المستهلكين ويفيد البيئة في الوقت نفسه. والحق أن إرغام الفحم على مواجهة منافسين أنظف منه هو السبب الرئيسي الذي سيجعل انبعاثات قطاع الطاقة في الولايات المتحدة تنخفض. 

وخففت كل من ولايتي كوكنكتيكت وكارولينا الشمالية أيضا من تفويضاتهما لشراء الطاقة النظيفة بسبب تحول في السياسات. 

وفي كلتا الحالتين، رأى الناخبون (والخبراء) روابط بين الخطط الطموحة لإضافة مزيد من الطاقة المتجددة في الشبكة وارتفاع تكاليف الطاقة. وينضج أيضا العمل المناخي في قطاع التكنولوجيا؛ فبحلول عام 2020، كانت الشركات الأربع الكبرى، ومنها أمازون وجوجول، قد قدمت تعهدات جريئة بتخفيض انبعاثاتها الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2030 (و2040 في حالة أمازون). ثم جاءت ثورة الذكاء الاصطناعي بمراكز بياناتها الشرهة إلى الطاقة. فلم تنصرف اليوم أي من هذه الشركات بعيدا عن أهدافها القديمة رسميا، لكنها لا تبدو ماضية في مسار تحقيق هذه الأهداف أيضا. 

بدلا من التخلي عن الالتزامات المناخية، تصب شركات التكنولوجيا الكبرى الأموال في أنظمة طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالتوازي مع البطاريات الهائلة لتشغيل مراكز البيانات لديها. وتساعد أيضا في دفع الولايات المتحدة إلى تبني الطاقة النظيفة من جديد. فشركة ميكروسوفت على سبيل المثال، بعون من وزارة الطاقة، تموِّل مشروعا سوف يعيد افتتاح وحدة في محطة ثري مايل آيلاند للطاقة النووية بولاية بنسلفانيا. 

وبالنظر إلى ما هو أبعد من الطاقة النووية، تتعهد شركة جوجول بشراء الكهرباء من محطات الغاز الطبيعي المزودة بمعدات لالتقاط انبعاثات الكربون قبل وصولها إلى الغلاف الجوي. أما عن مراكز البيانات، فتوفر الطاقة النووية والغاز الطبيعي مع تقنية التقاط الكربون إمكانية الحصول على طاقة رخيصة ومضمونة تعمل على مدار الساعة. 

فنحن نرى عمليا أن شركات التكنولوجيا هذه لا تزال ملتزمة بتقليص انبعاثاتها لكنها غير متأكدة بعد من الطريقة المثلى لتشغيل مراكز البيانات لديها، وهي تجري تجارب ضخمة لتحديد أنواع الطاقة النظيفة التي يمكنها تلبية متطلباتها. 

وهذا نبأ عظيم للصناعة؛ لأن هذه التجارب تموّل المشاريع التي عند تبنيها على نطاق أوسع سوف تجعل الطاقة النظيفة أرخص وأرجى للاعتماد عليها. وهذا المنطق نفسه يفسر السبب في أن الاستثمار في الكهرباء النظيفة -في أرجاء العالم- يرتفع بشدة على الرغم من الاضطراب السياسي. 

في صناعات كثيرة أخرى، تضاعف شركات من استثماراتها في الطاقة النظيفة حتى وإن أصبح هذا الأمر مرهقا من الناحية السياسية. والواقع أن مجلة هارفرد بيزنس رفيو قد انتهت إلى أن اتجاه الشركات إلى الابتعاد عن الأهداف المناخية القديمة ليس انتكاسًا في الأغلب؛ إنما هو إدراك لأن التغييرات في الأنظمة الصناعية الكبيرة باهظة الأثمان يستغرق وقتا، وأن التعهدات القديمة كانت عظيمة الأمل قليلة الواقعية. 

من المؤكد أن بعض الحكومات والشركات قد توقفت فعليا عن التعامل مع تغير المناخ على نحو جدي، ومن أهم مهام نشطاء المناخ الآن الفصل بين أولئك المنتكسين وبين الواقعيين. 

لقد كان العمل المناخي ولا يزال بطيئا، بما يعني أن العالم مقبل على ارتفاع غير قليل في درجات الحرارة، ومزيد من التطرف المناخي، ومزيد من البشر الذين باتوا يفتقرون فعليا إلى الموارد اللازمة ليكونوا أقدر على الصمود. 

وهذه العواقب سوف تؤثر علينا وقد تتسبب بمرور الوقت في مزيد من الضغط من أجل العمل لصالح المناخ. 

في الوقت نفسه، لا بد أن تركز الحكومات والشركات الآن على الأفعال القادرة على أن تعود على المناخ بمنافع سريعة. 

والأهم أننا ينبغي أن نرحب بالحديث عما هو عملي؛ فالأوهام ليست بقادرة على الحد من ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب. 

 ديفيد جي فكتور أستاذ الابتكار والسياسة العامة في جامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب «إصلاح المناخ: استراتيجيات لعالم غير مستقر». 

 الترجمة عن ذي نيويورك تايمز