الاقتصادية

سلطنة عُمان ترتقي للجدارة الاستثمارية وتخفض كلفة التمويل وتعزز النمو المستدام

 

في خطوة تعكس تحولا نوعيا في متانة الاقتصاد الوطني، جاء رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى BBB- مع نظرة مستقرة ليؤكد نجاح السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الماضية، ويضع السلطنة رسميا ضمن فئة الجدارة الاستثمارية.
هذا التطور لا يحمل دلالات فنية فحسب، بل يبعث برسائل ثقة قوية إلى المستثمرين والأسواق العالمية حول استدامة المالية العامة وقدرة الاقتصاد العُماني على مواجهة التحديات. وفي هذا السياق يسلط مصطفى بن أحمد سلمان عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان ورئيس لجنة المال والتأمين بالغرفة والرئيس التنفيذي لـ«المتحدة للأوراق المالية»، الضوء على الأبعاد الاقتصادية والتمويلية لهذا التصنيف وانعكاساته على تكلفة الاقتراض وجاذبية الاستثمار ومسار النمو الاقتصادي، وكذلك أبرز الفرص والمخاطر التي أشار إليها تقرير وكالة «فيتش»، ودور الانضباط المالي والقطاع غير النفطي في ترسيخ الاستقرار وتعزيز النمو المستدام.
وقال مصطفى بن أحمد سلمان عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان ورئيس لجنة المال والتأمين بالغرفة والرئيس التنفيذي لـلمتحدة للأوراق المالية ان رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى BBB- يعني انتقال سلطنة عُمان إلى فئة الجدارة الاستثمارية (Investment Grade)، بينما BB+ يقع ضمن الفئة المضاربية (Speculative Grade)؛ حيث إن الفرق الجوهري أن الجدارة الاستثمارية تعكس قدرة 'كافية' على الوفاء بالالتزامات المالية مع درجة مخاطر أقل، مما يعني أن الاستثمار في سلطنة عمان يعتبر آمنا، وهذا يسهل من قدرتنا على جذب الاستثمارات الأجنبية ذات الجودة العالية وليس الاستثمارات المخاطرة التي تدخل بسرعة وتخرج بسرعة.
وأشار سلمان إلى أن وصول الدولة إلى مستوى الجدارة الاستثمارية يؤدي إلى خفض تكلفة الاقتراض الحكومي بشكل ملحوظ؛ إذ ينعكس رفع التصنيف إلى الجدارة الاستثمارية عبر انخفاض علاوة المخاطر المطلوبة من المستثمرين والتي تضاف على العائد الأساسي المتوقع كما أنها توسع قاعدة المستثمرين، لأن بعض المؤسسات (صناديق- تأمين- تقاعد) لا تستثمر إلا في الديون المصنفة استثماريا، علاوة على أن شروط الإصدار تتحسن تلقائيا مثل: أجل السداد، وتسعير أفضل، وطلب أعلى.
وأوضح سلمان أن النظرة المستقرة تعني أن فيتش ترى أن عوامل التصنيف الحالية من المرجح أن تبقى مستقرة خلال المستقبل القريب من سنة إلى سنتين، أي أن احتمالات تغيير التصنيف ليست مرتفعة ما لم تظهر صدمات كبيرة، هذا يمنح المستثمرين والممولين وضوحا وتوقعا أفضل للمخاطر ويعزز الاستقرار في تكلفة التمويل.
وبين سلمان أن التقرير يشير إلى أن رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان مستقبلا يرتبط بعدة عوامل رئيسية، تتمثل بالأسباب التي أدت إلى رفع التصنيف بحسب تقرير فيتش مثل: استمرار خفض الدين/الناتج أو الحفاظ عليه منخفضا، وترسيخ خطة مالية متوسطة المدى تزيد الشفافية والانضباط، 'فيتش توقعت نشر خطة مالية متوسطة المدى في 2026 لتعميق الحصافة المالية'، ووضع طرق لمواجهة تقلبات النفط عبر أدوات مالية واحتياطيات وتنويع مصادر الدخل.
وقال سلمان: إن نجاح سلطنة عُمان في خفض الدين العام من نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020م إلى قرابة 36% في عام 2025م بفضل مزيج من الانضباط المالي، وتبني سياسات ميزانية متحفظة، من خلال خطة التوازن المالي التي أعلن عنها سابقا لمدة خمس سنوات بالإضافة إلى إدارة أفضل للالتزامات والتمويل، ولا ننسى تعافي سعر النفط كان لها دور إيجابي في سرعة التعافي.
كما أن الانضباط المالي يعني عمليا التحكم في المصروفات بشكل كبير من خلال السيطرة على بنودها، وتجنب قدر المستطاع الإنفاق الطارئ أو غير المدروس وبالمقابل تحسين كفاءة التحصيل والإيرادات، فالالتزام بسقوف الإنفاق وإدارة الدين بحذر، وتوجيه الفوائض لتقوية الميزانية هو أساس أي سياسة منضبطة وفي حالة عُمان فإن هذا الانضباط انعكس في خفض كبير للدين، وتحسن الميزانية، والذي انعكس على انخفاض سعر تعادل النفط المالي.
كما أكد سلمان أن تسجيل عجز في الميزانية عند مستوى يقارب 1% من الناتج المحلي الإجمالي يُعد مستوى آمنا إلى حد كبير، خاصة في السياق المالي الحالي لسلطنة عُمان؛ حيث إن فيتش توقعت عجزا قريبا من 1% من الناتج في 2026–2027 (وفق افتراضات أسعار النفط لديها)، واعتبرته ضمن مستويات مسيطر عليها، ولكن عادة يعد هذا المستوى منخفضا مقارنة بالعديد من الاقتصادات الاخرى، وخاصة عندما تكون مستويات الدين عند مستويات معتدلة وسلطنة عُمان عند 36% في 2025، وأن يكون التمويل متاح بتكلفة معقولة.
كما أن التقرير يحذر من أن انخفاض أسعار النفط عن سعر التعادل المالي المقدر بنحو 67 دولارا للبرميل خلال عامي 2026–2027 قد يفرض عددا من المخاطر على المالية العامة لسلطنة عُمان، إذا انخفض النفط دون هذا المستوى بشكل واضح/مستمر، فالمخاطر تشمل: ارتفاع العجز المالي واتساع فجوة التمويل، وزيادة الاقتراض أو السحب من الاحتياطيات، وضغط على وتيرة خفض الدين أو الحفاظ عليه منخفضا، واحتمال تأثير سلبي على ثقة المستثمرين إذا ترافق مع تراجع الانضباط المالي.
كما أوضح سلمان أن تسارع النمو الاقتصادي المتوقع في سلطنة عُمان إلى نحو 4% في عام 2025م، مقارنة بنحو 1.6% في عام 2024م، يعزى إلى مجموعة من العوامل الداعمة للنشاط الاقتصادي، أهمها توقعات بنمو في القطاعات غير النفطية، وحسب تقريرها أيضا أضافت نمو الاستهلاك المحلي والاستثمار الأجنبي والسياحة ستكون من ركائز هذا النمو.
كذلك نمو الإيرادات في عام 2025 يُتوقَّع أن يستمدّ زخمه بدرجة كبيرة من الأنشطة غير النفطية، لما لها من دور محوري في الحدّ من الاعتماد على تقلبات أسواق النفط، وتعزيز فرص العمل، وتوليد قيمة مضافة في قطاعات حيوية مثل الصناعة، والخدمات، واللوجستيات، والسياحة، والاستثمار. كما أنّ استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة الاقتصاد على تحقيق تطوير متواصل في الأنشطة غير النفطية.