أعمدة

«يا صابر زمان اصبر ثمان»

أخيرًا، وبعد انتظار دام حوالي ٥ ساعات، دخلت إلى مكتبه، ساعة الحائط تشير إلى الواحدة و٣٧ دقيقة ظهرًا، رجل أربعيني مُكتئب ، يفتح -كما يبدو- على صفحة الرياضة بجريدة «عُمان» عمامته ترتفع إلى أعلى جبهته، نظارة القراءة ساقطة على مؤخرة أنفه، بحيث تتيح له رؤية من أمامه دون أن يعمد إلى رفعها. 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، رفع رأسه بحركة بطيئة، رماني بنظرة المُنزعِج الذي قُطع حبل أفكاره رد: «وعليكم السلام، نعم، قول، آمر»، وضعت الملف على الطاولة أمامه، أعدتُ دون أن يطلب الجُملة التي مللتُ: «موضوع تقسيم الأرض السكنية الواقعة في المربع رقم ... طال عمرك»، فتح الملف، قلّب الأوراق بمِزاج متعكر، ودون تردد: «موه المطلوب تو مني؟»، رددت: توقيعك، التوقيع سيُمكِن المكتب الاستشاري من إجراء التعديل المطلوب على «الكروكي». 

في تلك اللحظة رنّ هاتفه النقال، انزاحت بقدرة قادر عن وجهه، سيماء العبوس والانزعاج، هبّ واقفًا من كرسييه: «أهلييييييين، هلا، هلا وغلا، وين يالغايب عن ولوفك»، تحرك بخِفة تجاه الباب، أخذه بيده واختفى، ابتعد صوته شيئا فشيئا. انتظرت وحيدًا في المكتب، إلى أن تجاوزت الساعة الثانية و٤٥ دقيقة، قلت في نفسي: لا ينبغي لي الجلوس هُنا وحيدًا، هذا مكتب حكومي، وتوقيت الدوام قد أزِف والموظفون غادروا المكان. 

خرجت مُحبطًا، كانت الممرات والمكاتب خالية، وأنا أهمُ بركوب سيارتي، أوقفتُ سيارة أحدهم، لربما أجد عنده إجابة لأسئلتي، كان مُراجِعًا مثلي، نزل الرجل مُرحبًا، حدثته عن الموقف، ابتسم، علق: «هينك هين بعدك ما شف شيء». سألني الرجل: كم شهر وأنت تلاحق موضوع تقسيم الأرض هذا؟ أجبته: ستة أشهر تقريبًا، رد: أي أنها ليست 6 سنوات! عقّب بعامية: «يا رجال، انته واجد مستعجل، أنا أراكض لحل موضوع كماه من سنة، وبعدنا نهيس ونقرز»، فاحتججتُ: «لكني لا أرغب في تقسيم صحراء الربع الخالي، إنها قطعة أرض يتيمة لا أملك غيرها». 

ربت على كتفي وقبل أن يفتح باب سيارته، خاطبني: «تعرف حد ممكن يخلّص لك الموضوع بالتلفون؟»، قلت: «لا والله، أنا إنسان بسيط ما أعرف حد مهم»، رد وهو يؤشر إلى أعلى كتف يده اليسرى: «عب إذا خلّص موضوع أرضك قبل سنتين ونص، قُص يدي من هنا، لكن سوِي كما يقول المثل: «يا صابر زمان، اصبر ثمان». 

النقطة الأخيرة.. 

ماذا تفعل يا سيدي من الصباح إلى المساء؟ 

أتحمل نفسي! إميل سيوران 

عُمر العبري كاتب عُماني