عمان اليوم

المياه في محافظة مسندم .. تحديات الحاضر وحلول الاستدامة

 


تواجه الموارد المائية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية تحديات متزايدة، ما يجعل ترشيد استخدام المياه وتعزيز استدامتها أحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة. وانطلاقًا من هذا الواقع، عُقدت بمحافظة مسندم ندوة بعنوان: 'استدامة الموارد المائية المتاحة في محافظة مسندم: الواقع والحلول'، بتنظيم من الجمعية العمانية للمياه وبالتنسيق مع وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، بهدف تسليط الضوء على قضايا المياه المختلفة، ومناقشة سبل المحافظة عليها، واستعراض الحلول العلمية والعملية لمواجهة شح المياه وتحسين كفاءة إدارتها.


وأوضح ثائر ياسين، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة 'الفاو'، لـ 'عُمان': أن جمع بيانات المياه في سلطنة عُمان يعتمد على عدد محدود من المحطات المناخية، مقترحًا زيادة هذه المحطات، وتعزيز الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستخدام المسح الجوي وطبقات المعلومات لبناء منظومة متكاملة لدعم اتخاذ القرار. مشيرًا إلى أن امتلاك المعلومة يمثل الأساس لصياغة السياسات والاستراتيجيات المستقبلية، مع الحاجة إلى منصة معلومات شاملة تغطي سلطنة عمان بالكامل، وتوفر بيانات تفصيلية عن المناخ وطبيعة الأرض والمحاصيل المناسبة، بدءًا من محافظة مسندم نظرًا لأهميتها الاستراتيجية.
مدارس المزارعين
وتطرق ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى موضوع البرك المائية وحصاد المياه، مؤكدًا أهمية تطوير هذه الأنظمة وإضفاء الطابع العلمي عليها، وتقليل الهدر، إلى جانب تحسين استخدام مياه الأفلاج وتطبيق أساليب الري الحديث والمنظم بالميكروني، ما يتطلب نقل هذه التقنيات وتوطينها لدى المزارعين. وأشار إلى تجربة 'مدارس المزارعين الحقلية' التي طُبقت منذ أكثر من 35 سنة وحققت نجاحًا عالميًا، معربًا عن الأمل في إدخالها وتطبيقها في سلطنة عُمان، خصوصًا في مجالات الزراعات الذكية مناخيًا، وتوزيع المياه بدقة عبر أنظمة إلكترونية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
استخدام الري الحديث
وأوضح أن استخدام تقنيات الري الحديث يمكن أن يوفر نحو 60 في المائة من المياه، ويسهم في الحد من الهدر الناتج عن الطرق التقليدية، وتقليل الاعتماد على تحلية المياه، والحد من الآثار البيئية السلبية وتملح التربة، مشيرًا إلى أن الزراعة تستهلك عالميًا نحو 70 في المائة من المياه.


تحديات وحلول
كما التقت 'عُمان' بالمهندس عبدالله بن محمد بن حسن الشحي، عضو الجمعية العمانية للمياه، الذي أشار إلى وجود مساحات واسعة في محافظة مسندم يمكن استثمارها بطرق ابتكارية، مثل الزراعة العائمة في الخلجان، وحصاد بخار مياه البحار، وإنشاء المدرجات الزراعية في الأودية التي تصب في البحر، بما يسهم في تغذية المياه الجوفية، مؤكدًا أهمية تكامل الأدوار بين الجهات المختلفة لجمع البيانات المائية والبيئية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
تفعيل مركز الابتكار
وأوصى المهندس عبدالله بن محمد بن حسن الشحي في ختام حديثه بأن يتم إضافة الابتكار ضمن أهداف الجمعية، وتخصيص هاكثون عالمي سنوي تشرف عليه الجمعية العمانية للمياه، متخصص في قطاع المياه، تتظافر فيه جهود جميع الجهات ذات العلاقة، على أن يتم إقامته بمحافظة مسندم ضمن فعاليات وأنشطة برامج 'الشتاء مسندم'، يتبعها 'مسرعة أعمال' للمشاريع المبتكرة في مركز الابتكار بمحافظة مسندم. مشيرًا إلى أهمية المياه بوصفها مورداً حيوياً لا غنى عنه، وضرورة تكاتف الجهود المؤسسية والمجتمعية لإدارتها إدارة مستدامة تضمن حقوق الأجيال الحاضرة والقادمة.
ووثّقت 'عُمان' محاور الندوة وأبرز ما طُرح فيها من أفكار وتوصيات، إضافة إلى أهم النتائج التي تسهم في رفع الوعي بأهمية المياه ودورها الحيوي في حياة الإنسان والبيئة، حيث شارك في الجلسة الختامية للندوة معالي السيد إبراهيم بن سعيد البوسعيدي، محافظ مسندم، وممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ثائر ياسين، وأكثر من تسعة باحثين ومتخصصين وخبراء، وممثلين لبعض الجهات الحكومية والخاصة في سلطنة عُمان.
وتم خلال الندوة استعراض عدد 18 بحثًا، إلى جانب دراسات وتجارب من الباحثين والمتخصصين تناولت القضايا المرتبطة بالموارد المائية في محافظة مسندم.
وناقش الحضور أربع مختبرات علمية، حيث تناول المختبر الأول محور الموارد المائية في محافظة مسندم وأثر الخصائص الجيولوجية والهيدروجيولوجية والطبيعية عليها، فيما ناقش المختبر الثاني محور تحديات الموارد المائية وسبل تنمية هذه الموارد واستدامتها. أما المختبر الثالث فناقش محور أنماط استخدام موارد المياه الطبيعية، واستعرض أوجه تعزيز القطاعات الزراعية والحيوانية والصناعية، وتدارس الأولويات وفق المقومات الطبيعية، بينما ركز المختبر الرابع على محور البدائل والحلول وأهمية الابتكار في تنمية الموارد المائية بمحافظة مسندم.
توصيات الندوة
خلصت الندوة في نهاية أعمالها إلى عدد من التوصيات، من بينها ضرورة توجيه جزء من مخصصات البحث العلمي عبر الجهات الأكاديمية والبحثية المتخصصة لدراسة الجوانب المتعلقة بالموارد المائية والمقومات البيئية الفريدة لكل محافظة، وفق إطار منهجي متكامل يضم كافة الجهات المعنية، وبما ينسجم مع توجه الحكومة لتعظيم أدوار المحافظات، والاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتجارب وأبحاث المنظمات الدولية والدول الأخرى ذات الطبيعة المشابهة. كما أوصت بتشجيع هذه المنظمات على تمويل وإجراء المزيد من البحوث والدراسات بما يكفل الحفاظ على الموارد المائية والنظام البيئي والإحيائي، إلى جانب الدراسات المرتبطة بالتغير المناخي.
كما أوصت الندوة بتشجيع جمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأهلي على التوسع في إنشاء البرك المائية والسدود السطحية واستخداماتها وفق دراسات فنية متعمقة تتعلق بمواقع السدود ومعدلات سقوط الأمطار والتأثيرات المرتبطة بإنشائها، وبما يتناسب مع النواحي الجيولوجية والعمرانية في المحافظة. كما حثت التوصيات على التوسع في استخدام طرق حصاد الأمطار المختلفة، وتضمين مشاريع البنية الأساسية لهذه الأساليب بما يكفل تعظيم الاستفادة من المياه، سواء عبر تخزينها في منشآت مائية أو حقنها في الخزانات الجوفية، مع ضرورة تضمين بيانات الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية في قاعدة البيانات الوطنية.
وأكدت التوصيات أهمية مواصلة إنشاء شبكات المياه والصرف الصحي، وزيادة الوعي بالتوسع في استخدام المياه المجددة 'منهل نماء' بوصفها أحد مصادر المياه البديلة لمقابلة الطلب المتزايد، خاصة في القطاعات الزراعية والسياحية والإنشائية، لما لها من دور في توازن الخزانات الجوفية وتحقيق الاستدامة البيئية، إضافة إلى تطوير أنظمة الأفلاج وتصنيف أنظمة الري وفق ذلك.
كما دعت الندوة إلى إنشاء محطات للرصد الإشعاعي لضمان سلامة البيئة البحرية، وتقييم وتعزيز محطات الرصد الجوي والتأثيرات المناخية، إلى جانب المحطات الهيدرومترية والنباتية، أسوة بتقييم محطات الاستمطار الصناعي والتوسع في إنشائها، بما يساهم في تعزيز منظومة إدارة المياه والموارد الطبيعية على مستوى المحافظة بشكل مستدام وفعال.