ترجمة

خطة ترامب للشرق الأوسط

راي تقية - ترجمة: نهى مصطفى

 

الشرق الأوسط منطقةٌ يتجنبها معظم الرؤساء الأمريكيين، لكنهم يجدون أنفسهم، في نهاية المطاف، غارقين في نزاعاتها، ورغم الدعوات المتكررة للتحول نحو تحديات جيوسياسية أخرى، فمصالح الولايات المتحدة الأساسية في المنطقة حال دون انسحابها. فمستودعات النفط في الخليج العربي لا تزال حيوية للاقتصاد العالمي، وإيران تقترب من عتبة امتلاك السلاح النووي، وأدى الخلل السياسي في العالم العربي إلى ظهور أجيال من المتشددين والإرهابيين، الذين هاجمت مجموعة منهم الولايات المتحدة عام 2001، ما أسفر عن أسوأ كارثة بشرية جماعية شهدتها البلاد منذ بيرل هاربر.

منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، سعى رؤساء الولايات المتحدة لحل معضلات الشرق الأوسط عبر الغزوات المسلحة والدبلوماسية والتدخلات الإنسانية المحدودة، لكن جميعها باءت بالفشل. بل إن بعض هذه الجهود أدت إلى ظواهر أشد فتكًا. فغزو العراق عام 2003، على سبيل المثال، أدى إلى ظهور جيل جديد من الإرهابيين. أما التوغل العسكري المحدود في ليبيا عام 2011 فقد أسفر عن فوضى عارمة في رقعة واسعة من شمال أفريقيا. ومع ذلك، ظلت الإدارات المتعاقبة، بطريقة أو بأخرى، مفتونة بفكرة فرض رؤية إقليمية.

تعامل ترامب مع الشرق الأوسط ببراغماتية قائمة على القوة، مفضّلًا دعم إسرائيل، بينما أهمل الفلسطينيين الذين اعتُبروا «خاسرين» في المنطقة. لا شك أن هذا النهج غير دقيق، لكن نتائجه إيجابية. فخلال سنوات رئاسته الخمس، نجح ترامب في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. وفي أكتوبر، أوقف القتال بين إسرائيل وحماس، الذي اندلع إثر هجوم 7 أكتوبر 2023. كما ضمن حصول الشركات الأمريكية على امتيازات في الوصول إلى نفط الخليج وأسواقه. ونجح أيضًا في مهاجمة الجماعات والحكومات التي تُهدد المصالح الأمريكية، بما في ذلك إيران. لم تُسهم قرارات ترامب في جعل الشرق الأوسط أكثر ديمقراطية، ولم تُخفف بالتأكيد من مظالم المنطقة التاريخية. لكنها حافظت على استقراره النسبي، وعززت في الوقت نفسه مواقف واشنطن.

لفهم سبب نجاح ترامب حيث فشل رؤساء آخرون، لننظر إلى نهج الولايات المتحدة تجاه الدول العربية، التي تشكل معظم منطقة الشرق الأوسط. فعلى مدى عقود، حاول رؤساء سابقون، مثل جورج دبليو بوش، فرض الاستقرار في الشرق الأوسط بالقوة، بما في ذلك غزو العراق، إلا أن هذه السياسات فشلت وزادت الانقسامات الطائفية وعززت نفوذ إيران، تاركة المنطقة أكثر اضطرابًا عند انتهاء ولايته.

فشل أوباما وبايدن، رغم سعيهما لتجنب الانخراط العسكري المباشر في الشرق الأوسط، في تحقيق استقرار المنطقة؛ إذ أسفرت تدخلات أوباما عن انهيار نظم مثل مصر وليبيا، بينما قوّضت مواقف بايدن مصالح الولايات المتحدة الإقليمية مع العائلات المالكة. على النقيض من ذلك، يمارس ترامب السياسة دون إصدار أحكام.

تعاملت الإدارات الأمريكية مع إيران منذ 1979 باعتبارها كيانًا متنافسًا داخليًا، مع التركيز على دعم المعتدلين، وبلغ هذا ذروته خلال أوباما الذي أفضى إلى الاتفاق النووي لعام 2015 للحد من التسلح مقابل تخفيف العقوبات. النهج الأمريكي القائم على دعم المعتدلين في إيران فشل، لأن معاداة أمريكا تجمع النظام كله. الاتفاق النووي تحقق بشروط محدودة، واستُغلت المكاسب الاقتصادية لتمويل الإرهاب. تاريخيًا، أثبت استخدام القوة والتهديدات فعاليتها في تغيير سلوك إيران، لكن الولايات المتحدة لم تستفد من هذه الدروس.

باستثناء ترامب، مرة أخرى. ففي ولايته الأولى، ألغى الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران. أدرك أن الاتفاق لم يكن حاجزًا قويًا أمام انتشار الأسلحة الإيرانية، وأن الاتفاق أفاد طهران أكثر من واشنطن. ثم أمر ترامب باغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد الأسطوري لفيلق القدس الإيراني. وبدلًا من أن يُشعل اغتيال سليماني حربًا أوسع، كما خشي بعض المحللين، فقد أدى إلى تراجع دائم لوكلاء إيران.

لكن ربما كان إنجاز ترامب هو الضربات التي شنها في يونيو 2025 على المنشآت النووية الإيرانية. فعلى مدى عقدين من الزمن، أصرّ العديد من صانعي السياسات والمحللين على أن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني ستؤدي إلى حرب إقليمية. ونتيجة لذلك، لم يكتفوا برفض الهجمات الأمريكية فحسب، بل رفضوا أيضاً الهجمات الإسرائيلية. أرادت إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية خلال فترة رئاسة أوباما، لكنها قوبلت بالرفض. إلا أن ترامب أعطى الإسرائيليين الضوء الأخضر، ثم انضم إليهم عندما بدت الأمور تسير على ما يرام. وتفاخر لاحقاً قائلاً: «لم يكن أي رئيس مستعدًا لفعل ذلك، وكنت أنا مستعداً لفعله».

لعقود، سعى المسؤولون الأمريكيون جاهدين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأعلنوا أن حل الدولتين ضروري لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ودمج إسرائيل في المنطقة. وكان بوش أول رئيس يدعو رسميًا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، في يونيو 2002، قبيل حرب العراق. وواصل أوباما هذه الجهود، ودافع بايدن عن هذا المقترح، حتى بعد هجمات 7 أكتوبر.

لكن هذه المحاولات باءت بالفشل. أسفرت مساعي بوش عن قمة، ولم تسفر عن شيء يذكر. ولم يتمكن أوباما من تحقيق أكثر من تجميد جزئي ومؤقت للمستوطنات. أما جهود بايدن فكانت خطابية في معظمها، ويبدو أنها صممت لحمايته من ردود الفعل الليبرالية العنيفة، بينما كان يبيع لإسرائيل كل سلاح ممكن، ويعزل البلاد عن الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية.

كان قيام دولة فلسطينية مستقلة أمرًا مستبعدًا. فقد سعى القادة الفلسطينيون على طاولة المفاوضات لاستعادة ما خسروه في الحروب. ورغم ذلك، تمكن الفلسطينيون من إقناع إسرائيل، في مناسباتٍ مختلفة، بالتنازل عن غزة واجزاء من الضفة الغربية التي احتلتها عام 1967 مقابل الاعتراف بها وتقديم بعض التنازلات الإقليمية. إلا أن هذه التنازلات لم تكن كافيةً، وتصلب موقف إسرائيل مع مرور الوقت واستمرار الهجمات التي يشنها مسلحون فلسطينيون. تكمن مأساة الشعب الفلسطيني في أن قادته متشبثون بروايتهم المؤلمة عن الفقدان والحزن لدرجة تمنعهم من قبول أي حل وسط إلا بعد أن تتقلص خياراتهم أكثر.

لا يزال حل الدولتين، الذي يبدو ضربًا من الخيال، يحظى بتأييد واسع النطاق داخل المؤسسة السياسية الخارجية التقليدية في واشنطن. لكن ليس من جانب ترامب. فهذا الرئيس لا يكترث كثيرًا بالجهات الفاعلة دون الوطنية. وهو يدرك أن إسرائيل لا ترغب في التنازل عن أي أرض، ولا ينبغي مطالبتها بذلك. كما أدرك أن العديد من الحكومات العربية تدرك هذه الحقيقة أيضًا. ولذلك تمكن من التوسط في اتفاقات إبراهام، الأمر الذي أثار دهشة العديد من المحللين. والتزمت الدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقيات، حتى خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.

مع ذلك، يدرك ترامب جيدًا خطورة منح إسرائيل شيكًا على بياض. فقد راعى مخاوف الزعماء العرب بشأن العلاقات العامة، وحذّر الإسرائيليين من ضم الضفة الغربية، رغم سماحه لهم بتوسيع مستوطناتهم تدريجيًا. كما نجح في الضغط على إسرائيل لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في أكتوبر. لكن ترامب استطاع استغلال هذه النفوذ لكونه أحد أكثر السياسيين شعبية في إسرائيل، ولعلاقاته الوطيدة مع الحكام العرب، الذين بدورهم يستطيعون الضغط على حماس. وكان ترامب أيضًا على استعداد لخرق القاعدة غير المكتوبة لواشنطن بعدم التعامل المباشر مع حماس، الأمر الذي ساعده في تأمين وقف إطلاق النار.

نجح ترامب في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، لكنه لم يحل المشكلة جذريًا. فرغم تصريحاته، لم يتحقق السلام في الأراضي المقدسة، ولم يتم القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ولا يزال العالم العربي يعاني من اضطرابات سياسية. لنأخذ على سبيل المثال وقف إطلاق النار الأخير. دائمًا ما تكون اتفاقيات الهدنة في الشرق الأوسط هشة، ولن يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين رون ديرمر، مساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي متعدد المهام، وصهره جاريد كوشنر، استثناءً من ذلك. فكل من حماس وإسرائيل لا تزالان تميلان إلى ممارسة الضغط العسكري على بعضهما البعض عند الحاجة. ولا يتناول الاتفاق مسألة توسيع المستوطنات الإسرائيلية. ولذلك، من المرجح أن تبقى الخطة المكونة من 20 بندًا لنزع سلاح حماس، وإعادة إعمار غزة، وتمهيد الطريق لإقامة دولة فلسطينية، معلقة. ومن الصعب، على سبيل المثال، تصور دخول قوة متعددة الجنسيات من القوات العربية إلى غزة والقضاء على فلول حماس العنيفة، كما تنص الخطة. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تبقى غزة جرحًا غائرًا، ومخيمًا للاجئين، مكتظًا بالسكان، يعتمد على المساعدات الغذائية من منظمات الإغاثة الإنسانية. وسيتحمل جيش الدفاع الإسرائيلي العبء الأكبر من المسؤوليات الأمنية، حيث سيقوم بدوريات في المناطق منزوعة السلاح، وقصف التهديدات الناشئة بين الحين والآخر.

خلال ذلك، قد يعود التحدي النووي الإيراني ليطل برأسه مجددًا. فالأوليغاركيون في إيران يشعرون بالاهتزاز، ولا يزالون يحاولون فهم كيفية اختراق دفاعاتهم وجهاز استخباراتهم. ورغم أن النظام سيلتزم الصمت، إلا أنه ينتظر اللحظة التي تنشغل فيها الولايات المتحدة بأزمات أخرى، وتفقد إسرائيل تركيزها. حينها، سيستأنف برنامجه النووي.

يبدو أن إسرائيل تدرك أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد. فهي تعلم أن لا نصر دائم في الشرق الأوسط؛ ولذا يُطلق على عقيدتها في التعامل مع الخصوم اسم «جز العشب». لكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب يدرك الحقائق بنفس القدر. فبدلاً من مواصلة تهديد طهران، أعلن ترامب النصر ودعا الإيرانيين إلى الحوار. قد ينجح ترامب في هذا النهج. لكنه بالتأكيد قد حمّل خلفاءه تحديًا إيرانيًا شائكًا. وقد لا يجدون أمامهم خيارًا سوى قصف البلاد مجددًا.

يأمل بعض المحللين أن يتلاشى البرنامج النووي الإيراني تلقائيًا عند انهيار النظام. لكن حرب إيران مع إسرائيل والولايات المتحدة تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية، رغم إخفاقاتها الداخلية، أكثر صلابة مما يُعتقد. فقد تمكنت إسرائيل من إضعاف حلفاء إيران بسرعة، بمن فيهم حزب الله في لبنان. ومع ذلك، عندما دعا نتنياهو الإيرانيين إلى الانتفاض والإطاحة بنظامهم في لحظة ضعف شديد، لم يحدث الكثير. اجتمعت النخبة الإيرانية، وبقي الشعب خاملاً.

لا يعني هذا أن الشرق الأوسط لا يمكن تحسينه. فسوء الإدارة، والتدهور المؤسسي، والتدهور البيئي لا تزال مشاكل متأصلة في المنطقة. وتدرك النخب الحاكمة العربية أنها تشرف على منطقة تعاني من الفساد والخلل الوظيفي. وغالبًا ما يُعميها تعطشها للسلطة عن السخط الشعبي. لا تستطيع الولايات المتحدة إقناع هؤلاء القادة أو إجبارهم على الحكم بأسلوب أكثر استنارة، لكن لا يزال بإمكانها تشجيعهم على توسيع المشاركة السياسية وإصلاح اقتصاداتهم.

لكن أي حوارات أو جهود من هذا القبيل يجب أن تكون حذرة ومحدودة. فالشرق الأوسط ليس في نهاية المطاف مكانًا للمثالية والطموحات العالية، بل هو مكان للقوة والواقعية. في الوقت الراهن، يستمر تدفق النفط، وهدأت حدة القتال في غزة، ولا توجد اضطرابات كبيرة. في منطقة تُعرف في الغالب بالفوضى، تُعد هذه إنجازات بالغة الأهمية.