توقعوا أسواق أصول مضطربة في عام 2026
الأربعاء / 3 / رجب / 1447 هـ - 20:47 - الأربعاء 24 ديسمبر 2025 20:47
لم تكن المفاجأة الأكبر في العام الماضي هي الارتفاع الحاد الذي سجلته أسعار الأصول العالمية، بل القدر الضئيل الذي أبداه المستثمرون إزاء المخاطر، باستثناء حالة من الذعر قصيرة الأمد في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن الرسوم الجمركية في «يوم التحرير» في أبريل. السؤال الآن هو ما إذا كان عام 2026 سيكسر السِحر.
قد يتوقع المرء أن تبدأ الأسواق، بعد ثلاث سنوات من العوائد الاستثنائية، في إبداء القلق بشأن الانهيار الحتمي الذي يتبع فترات النشوة المستمرة. قد يكون الذكاء الاصطناعي حافلا بالوعود والآمال (على الأقل بالنسبة للشركات، إن لم يكن دائما بالنسبة للعمال)، لكن التاريخ الطويل من التكنولوجيات التحويلية -من السكك الحديدية ومحركات الاحتراق الداخلي إلى الإنترنت- اتسم بفترات من الازدهار والركود. تنهار الشركات التي تدخل السوق مبكرا بشكل مذهل غالبا، لتحل محلها لاحقا شركات من الجيل الثاني «تفعل الصواب».
ورغم أن بعض الشركات قد تتمكن من الهيمنة على السوق، كما فعلت IBM ذات يوم في مجال الحوسبة، فإن هذا لا يُسهم إلا قليلا في الحد من حالة انعدام اليقين؛ لأن طول العمر ليس مضمونا أبدا.
في ظل الصعوبات الشديدة التي يواجهها المستثمرون في تقييم الكيفية التي قد يؤثر بها الذكاء الاصطناعي على النمو وأرباح الشركات، تبدو احتمالات حدوث انهيار عالمي في أسواق الأسهم في السنوات القليلة المقبلة مرتفعة إلى حد مقلق.
هل هذا يعني أن وقت البيع قد حان؟ ليس بالضرورة، فمن الممكن أن تستمر أسعار الأسهم في الارتفاع لفترة طويلة بعد ظهور علامات التحذير الحمراء.
هذا ما حدث في عام 1996، عندما حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك آلان جرينسبان ـ مستندا إلى عمل روبرت ج. شيلر الحائز على جائزة نوبل في وقت لاحق ـ من «الوفرة الطائشة» في سوق الأسهم. أثبتت الأحداث صحة رأي جرينسبان وشيلر في النهاية، لكن توقيتهما كان خاطئا: فلم تنفجر فقاعة الدوت كوم حتى مارس من عام 2000، بعد أن ارتفعت أسعار الأسهم بأكثر من الضعف.
قد يحدث الشيء ذاته بسهولة الآن. ومع ذلك، بات من الصعب على نحو متزايد تجاهل الضغوط التي يتحملها النظام مع اقترابنا من عام 2026، بدءا من انعدام اليقين الجيوسياسي الذي يخيم على الاقتصاد العالمي. حتى إذا توصلت أوكرانيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تظل الأوضاع عند حدود أوروبا الشرقية متوترة لسنوات. من ناحية أخرى، تعمل الصين على توسيع أسطولها البحري بوتيرة مذهلة، وبصرف النظر عن عدد الطائرات الـمُـسَيَّرة آليا التي تخطط الولايات المتحدة لشرائها ـ مليون طائرة، إذا صدقنا التقارير الأخيرة ـ فيكاد يكون من المؤكد أن الصين ستنتج طائرات أكثر عددا وأفضل أداء. ثم هناك ترمب، الذي كانت عودته إلى البيت الأبيض هَدَّامة للغاية. إذا سمحت صحته، فمن المرجح أن يكون في عام 2026 على ذات القدر من الطموح ـ أو البلاهة، حسب من تسأل ـ الذي كان عليه في عام 2025. قدم سلف ترمب، جو بايدن، نفسه أيضا كرئيس تحويلي على غرار فرانكلين روزفلت، لكن سياساته الاقتصادية الكلية كانت إلى حد كبير متوقعة، باستثناء نهج الحدود المفتوحة الذي كان مُـربِكا. وأثناء فترة ولايته، تركزت مناقشة السياسات حول ما إذا كانت أجندته لتنجح في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي أو تُفضي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين.
على النقيض من ذلك، مع ترمب، يجلب كل يوم مفاجأة جديدة، بما يمهد الطريق لفترة طويلة من السياسات المتقلبة.
ويضاف إلى انعدام اليقين انتهاء ولاية جيروم باول كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد صَرَّحَ ترمب بوضوح تام أنه يتوقع من خليفة باول خفض أسعار الفائدة، حتى لو كان ذلك على حساب تأجيج التضخم.
لقد تبيّن أن محاولة الاستفادة من التقلبات كانت فكرة خاسرة في عام 2025، حيث عجزت منتجات استثمارية عديدة ادّعت أنها توفر التأمين ضد التقلبات الحادة في الأسواق عن تحقيق الغرض منها. ويبدو أن العام المقبل سيكون أشد خطورة؛ حيث تتعارض المديونية العالمية وتقييمات الأسهم على نحو متزايد مع الأساسيات الاقتصادية. علاوة على ذلك، سوف يكون الأثر السلبي المترتب على سياسات ترمب المرتبطة بالرسوم الجمركية والهجرة أكثر حدة في عام 2026.
تستغرق الإصلاحات البنيوية عادة سنوات قبل أن تؤتي ثمارها، ولهذا السبب يتجنبها السياسيون غالبا على الرغم من عوائدها البعيدة الأمد.
لكن هذه الحقيقة لها وجهان: ذلك أن تفكيك أو تقويض إصلاحات رئيسة قد يجلب ضررا جسيما في الأمد البعيد، حتى لو بدت التأثيرات حميدة في الأمد القريب. عندما تبدأ الأسواق تستشعر تباطؤ النمو، الذي قد يكون مصحوبا بارتفاع التضخم، فقد تتلاشى حالة النشوة الحالية بسرعة. يواجه الاتحاد الأوروبي لحظة الحقيقة في الداخل عام 2026. يتمثل أفضل سيناريو في اتخاذ خطوة حاسمة نحو إقامة اتحاد مالي، على الأقل بين مجموعة من البلدان الأعضاء.
إذا فشل في تحقيق ذلك، فإن أي إصلاح جاد سوف يتطلب تغييرات كبرى في المعاهدة، بدءا بإلغاء قاعدة الإجماع التي تصيب عملية صنع القرار في الاتحاد بالشلل.
تخيل لو أن الولايات المتحدة لا تستطيع إقرار القوانين أو شن حرب إلا بموافقة إجماعية من كاليفورنيا، وميسيسبي، وتكساس. وكما أزعم في كتابي الأخير «دولارنا، مشكلتكم»، إذا تمكنت أوروبا أخيرا من توحيد صفوفها الجيوسياسية، فقد يضطلع اليورو بدور أكبر كثيرا في التمويل العالمي.
تشكل اليابان عاملا آخر قد يكون مُفاجئا. فلا أحد يدري إلى أي مدى قد يذهب بنك اليابان في رفع أسعار الفائدة أو مدى سرعة تراجع تجارة حَـمْل الين، والتي بموجبها يقترض المستثمرون بالين للاستثمار في أصول ذات عائد أعلى، على النحو الذي يغذي ارتفاعا شديدا في الأسعار العالمية. يتمثل أحد عوامل تثبيت الاستقرار المحتملة في الانخفاض المرجح في قيمة الدولار، الذي لا يزال مبالغا في تقييمه بدرجة كبيرة على الرغم من انخفاضات طفيفة مقابل بعض شركاء أميركا التجاريين الرئيسيين في عام 2025.
يميل ضعف الدولار إلى دعم الاستقرار العالمي من خلال جعل الصادرات المقومة بالدولار أرخص مقارنة بالبدائل المحلية. ومع ذلك، يظل من المحتمل بدرجة كبيرة أن يفيق المستثمرون في يوم رأس السنة الجديدة على اقتصاد عالمي أشد تقلبا من كل ما شهدوه في عام 2025. وعندما تتجلى هذه الحقيقة فجأة، فلا تندهش إذا تغذت حالة انعدام الاستقرار على ذاتها.