"المرسى" تجربة درامية تركز على التحولات النفسية لا على تصاعد الأحداث
كتبت- شذى البلوشية
الأربعاء / 3 / رجب / 1447 هـ - 19:31 - الأربعاء 24 ديسمبر 2025 19:31
الاعتماد على الإيقاع المتأني واللغة البصرية -
تدخل الأعمال الدرامية في بعض المواسم منافسة شرسة، لا سيما في السباق الرمضاني، فيما تجد الأعمال الدرامية المعروضة باقي أوقات السنة مساحة أكثر للمشاهدة الجماهيرية، لا سيما إن كان الاشتغال على التسويق لها في منصات التواصل الاجتماعي التي أسهمت مؤخرا في انتشار العمل الدرامي عن غيره.
من هذه الأعمال المسلسل الخليجي 'المرسى'، الذي يحكي قصة القبطان سلطان الناهل، العامل في البحر والمسافر لفترات طويلة، ليكون بعيدا عن حياته الأسرية وعن زوجته وأولاده، يعيشون جميعا في غربة، ولا يلتقون إلا مرة كل عدة شهور، وهو ما يخلق فجوة كبيرة في علاقة الأب بأبنائه وزوجته. وخلال إحدى رحلاته، يلتقي القبطان سلطان بامرأة تُدعى نوال يدخل معها في علاقة عاطفية، فتُثار صراعات كبيرة بين حبه لها وبين التزامه تجاه زوجته خولة، تحاول نوال فصل القبطان عن عائلته وتطلب منه التخلي عن ماضيه وعن أسرته، وحين يعود إلى عائلته تبدأ الأحداث تنفجر بصدامات بين الواجب العائلي والرغبة العاطفية.
يعد مسلسل 'المرسى' النسخة العربية للمسلسل التركي الشهير 'على مر الزمان' الذي عُرض قبل 15 عامًا، يعرض القصة ذاتها مع التعديلات التي تتماشى مع المجتمع الخليجي، كتبه علاء حمزة، وأشرفت على متابعته الدرامية لبنى مشلح، وأخرجه فكرت قاضي أوغلو تحت الإشراف العام من سارة دبوس، ويشارك في العمل نخبة من نجوم الدراما السعودية والعربية، على رأسهم عبد المحسن النمر وميلا الزهراني، إلى جانب عائشة كاي، أسمهان توفيق، أحمد شعيب، أصايل، عزام النمري، وخالد البريكي.
ومع الإقبال الجماهيري الواسع في شبكات التواصل الاجتماعي على مشاهدة المسلسل، وما كتب عبر المواقع الإخبارية عنه، كان الجذب للمشاهدة كبيرا، والقصة الشهيرة للعمل التركي هي عنصر آخر للجذب، ورغم تكييف الأحداث لتكون متناسبة مع المجتمع الخليجي، فإن أحداثا كثيرة قد تبدو مبالغة مع العمل الخليجي، وتخرج عن الواقعية، ربما هي معتادة ومتناسبة مع الأعمال التركية ومتقبلة من قبل الجمهور، إلا أنها بالقالب الخليجي هي تثير الاستغراب وتتنافى مع الواقع، لا سيما مشاهد التهديد واستخدام الأسلحة، والانتقام بالقتل.
هناك مبالغة في كثير من الأشياء وغير قابلة للتصديق؛ كمشهد أن تقدم الأم العجوز على رفع مسدس والتصويب من مسافة بعيدة لتقتل ابنها، ومشهد محاولة سلطان قتل صديقه فهد في أكثر من موضع وطريقة إلا أن أكثرها مبالغة هو محاولته دهسه بإدخال السيارة عبر الواجهة الزجاجية للمطعم وبرفقته زوجتاه.
يستطيع المسلسل من بداية الحلقات أن يجذب المشاهد لمتابعة الحلقات واحدة تلو الأخرى، وترقب للأحداث التالية، ورغم أن الأحداث المبالغ فيها كثيرة، فإن هناك مشاهد أخرى تثير عاطفة المشاهد، لا سيما تلك التي تهان فيها 'خولة'، وما يكون مرتبطا بمشاعر الأمومة وعلاقتها بأبنائها.
الأداء المثالي الذي تقدمه الممثلة عائشة كاي في دور خولة له جذبه الكبير للمشاهدين، إذ إنها تجسد دور الأم والزوجة المهملة التي تتعرض للطلاق والإهانة من قبل الرجل الوحيد الذي كانت تراه كل الدنيا في عينيها، بعد أداء مهامه في غيابه كرب للأسرة، وتثار غيرتها وانتقامها مما يؤدي لمحاولتها قتل المرأة التي سلبتها زوجها، لتواجه مصير السجن، وتترك أبناءها وحيدين، ومصائر أخرى تواجهها خولة مرغمة مع الهجوم المستمر من طليقها سلطان، وتثبت صلابتها وتحمّلها وصبرها في سبيل أن توفر الحياة الكريمة لأبنائها بعد أن تخلى عنهم والدهم.
التسلسل في المشاهد أعطى قوة للعمل، كما أن التناسق الإخراجي مع أداء الشخصيات أسهم أيضا في إبراز القصة بصورة مثيرة، وعلى الرغم أن الكثير من الشخصيات تعيش صراعاتها النفسية الداخلية فإنها ظهرت للمشاهد من خلال لغة الصمت كما فعل الحوار أحيانا، وتظهر قوة الأداء التمثيلي في مواضع كثيرة من خلال انسجام الأداء الجماعي، مدعوما بوجود أسماء كبيرة لها خبرتها مما عادل كفة الأداء للممثلين.
واعتمد الإخراج على اللقطات الواسعة والإضاءات الخافتة، والطبيعية في مشاهد كثيرة، وعدم المبالغة في اختيار الألوان سواء في الديكور أو الأزياء، بل الألوان الباردة، وكذلك فيما يخص المكياج والموسيقى والمؤثرات الصوتية كلها جاءت متوائمة مع الدراما.
الحوارات تمتعت بلغة واضحة ومفهومة بعيدا عن الفلسفة والغموض، بأسلوب سلس واقعي، فيه تفسير للأحداث؛ اللغة الانفعالية التي كانت واضحة في لحظات الانتقام، أو الغضب الذي ينتاب بعض الشخصيات، كما تحضر لغة الجسد أحيانا.
المسلسل يتيح للمشاهد فرصة تأويل الأحداث، وتوقع ما سيحدث، وعلى الرغم من كونه في مواضع كثيرة يخرج عن مستوى وقدرة المشاهد على التوقع، رغم أن الدراما الاجتماعية عادة تكون أسهل على المشاهد من سواها، فإن القضايا المتعددة والرسائل المبطنة التي يطرحها المسلسل تفتح أبوابا للتأمل.
يعتمد المسلسل على الأسلوب التراكمي، فنجد التوتر البطيء حاضرا، فالصمت في بعض الحوارات، التردد والنظرات التي تكتب حوارا آخر هي صورة للتوتر الذي ما يلبث أن يظهر في تصرف ما.
مسلسل 'المرسى' عمل يراهن على الشعور بالإحساس ويحرك العاطفة، أكثر من كونه معتمدا على الإثارة الدرامية، وتكمن قوته في البناء النفسي واللغة البصرية، ويحتاج للتأمل والهدوء، وقراءة المضمون أكثر من المتعة الظاهرة، يفتح أبوابا كثيرة من خلال الترقب لمشاهدة الأحداث في كل حلقة قادمة.