افتتاحية.. ماذا نريد من الملحق الثقافي
الأربعاء / 3 / رجب / 1447 هـ - 12:39 - الأربعاء 24 ديسمبر 2025 12:39
هذا هو العدد الأخير من ملحق جريدة عُمان الثقافي لهذا العام، وبذلك يكمل الملحق أربع سنوات من عمره في صورته الجديدة التي تأتي امتدادا للملاحق والصفحات الثقافية في جريدة عُمان منذ لحظة تأسيسها مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ويأمل الملحق، الذي يحاول أن ينقش في قضايا الثقافة والفكر في عُمان والعالم العربي ويقرأ في سبيل ذلك تجارب الشعوب والأمم الأخرى التي تشكل في مجملها تجربة الإنسانية، يأمل أن يكون له تأثير عميق في التغيير وفي بناء الوعي وطريقة رؤيتنا للعالم.
وهذه الأمنية تضعنا أمام سؤال لا نستطيع التهرب منه في العالم العربي بأسره وهو ما الذي تغيّره الثقافة فعلا في مجتمعات عربية تزدحم بالفعاليات والإصدارات وتتكاثر فيه المبادرات، ثم يعود كثير من الناس إلى حياتهم كما هي؟ هل يكتب الكتاب والمفكرون من أجل أن يملأوا الصفحات، أم كي يحركوا في القارئ شيئا أعمق، قدرة على الفهم، وجرأة على السؤال، واستعدادا لمراجعة المسلّمات؟
هنا يختبر الملحق نفسه فهو لا يراهن على الحدث وحده. الحدث قد يلمع ثم ينطفئ ولذلك فإن الرهان الحقيقي هو على العادة؛ أي أن تصبح القراءة جزءا من يومنا، وأن يصبح النقاش الثقافي ممارسة عامة لا حديث نخبة.
من هنا، فإن مهمة ملحق ثقافي متخصص هي أن يضع الثقافة في موضعها الصحيح، في قلب الأسئلة الكبرى. أن يطرح أسئلة الهوية، ومصير اللغة حين تتعرض للتسليع والتفكيك؟ ويبحث آليات قراءة التاريخ دون أن نتحول إلى أسرى له؟
نكتب هذه الافتتاحية في نهاية عام، لنؤكد ما نريده للعام القادم، أن يكون الملحق مساحة أرحب للمعرفة الصارمة واللغة الحية، وأن يظلّ وفيا لفكرة أن الثقافة هي متن الحياة وليست هامشه. وأن يُقدّم للقارئ ما لا تمنحه له سرعة منصات وسائل التواصل الاجتماعي، عبر تقديم السياق العميق وليس الشذرات العابرة والجرأة الفكرية التي تُحسن احترام القارئ بدل أن تسترضيه.
وفي النهاية، قد لا نستطيع أن نزعم أن الثقافة تغيّر المجتمع بضربة واحدة. التغيير الحقيقي بطيء، ويحتاج وقتا، ويحتاج مؤسسات، ويحتاج تراكما. لكننا نستطيع أن نضمن شيئا واحدا: أن نكتب كما لو أن الكلمات مسؤولة، وأن ننظر إلى الثقافة بوصفها مشروعا أخلاقيا ومعرفيا طويل النفس. فإذا كانت الأمة العربية تبحث عن نهوضها، فإن بدايته في استعادة القدرة على التفكير، وعلى التخيل، وعلى بناء معنى مشترك. وهذا، في جوهره، هو عمل الثقافة وهذا ما يعمل عليه هذا الملحق منذ عدده الأول.