رأي عُمان

وسائل الإعلام ودورها في بناء وعي المجتمع

 

هذه ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على أهمية الإعلام ودوره في بناء وعي المجتمع و«إيصال الرسائل الصحيحة المناسبة بشأن القضايا العامة المطروحة».. لكنه، أعزه الله، أكد هذه المرة بشكل واضح على «أهمية التفاعل مع قضايا المجتمع والتحديات القائمة»، وذلك خلال لقائه برئيس وأعضاء مكتب مجلس الدولة. وفي الحديث عن التفاعل مع قضايا المجتمع إحالة صريحة إلى حرية التعبير ومساحتها التي كفلها النظام الأساسي للدولة والقوانين وأن دور الإعلام هو التفاعل مع المجتمع ومحاولة البحث عن أجوبة دقيقة تجيب على أسئلته وما يدور حوله من تحولات وسيولة معلوماتية ومعرفية كثيفة.

لكن ربط «التفاعل مع قضايا المجتمع» بـ«إيصال الرسائل الصحيحة والمناسبة» يحيل مباشرة إلى المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الصحافة وعلى عاتق كُتّابها وهي مسؤولية «تحري الدقة» واستشعار «أمانة الكلمة» و«الحقيقة» ودور كل ذلك في بناء المجتمع وأمنه الاجتماعي والدفع بالجهود التي تقوم بها الدولة والتعريف بها وكشف التحديات التي تواجه المجتمع دون مبالغة أو تهويل يبعدها عن الحقيقة إلى مسار آخر تماما. فلا صحافة دون مصداقية ولا كتابة ذات قيمة إن لم تكن مبنية على الحقائق وتحري الدقة والمسؤولية.

أما التهويل والإثارة التي تتكاثر اليوم وبشكل خاص في أطروحات وسائل التواصل الاجتماعي، فهي بعيدة كل البعد عن الحقيقة وعن مهمة بناء الوعي، وهي تُشعل الغضب وتستدعي سوء الظن. وعلاوة على أنها تخفض مستوى الوعي، فإنها تخلق عادة اجتماعية غريبة وهي أن يثق الناس بما يثيرهم لا بما تثبته الحقائق مهما كانت واضحة. وهذه العادة الخطيرة، إذا استقرت في أي مكان لا سمح الله، تجعل المجتمع أقل قدرة على فهم قضاياه الحقيقية، وأقل استعدادا لقبول الحلول الواقعية.

والفارق واضح بين النقد المهني وبين التضليل والتحريض بوعي أو بدونه. يبدأ النقد بسؤال الوقائع وتحليلها وقراءتها أما التحريض فيقفز فوق كل هذه الأسئلة ويستبدلها بالاتهامات والسخرية واللغة الشعبوية التي تخاطب العاطفة وتبتعد عن العقل ومنطقه.

وأمانة الكلمة في الصحافة أو ما سواها هي قاعدة عمل عليها أن تفرق بين المعلومة والانطباع وبين الخبر والتعليق وبين المصدر والنقل. وكما تُطالب الحكومة بالشفافية فإنه من باب أولى أن تكون الكتابة أكثر التزاما بالشفافية وفي ذلك قوة وثقة لها وبها.

وتثبت التجارب أن مؤسسات الدولة تتجاوب بشكل إيجابي مع ما يطرح في الصحافة وفي وسائل الإعلام من قضايا يتم إضاءتها بشكل جدي ومن مختلف الزوايا بمصداقية وأمانة وهذا التجاوب يأتي من قمة هرم الدولة، وفي هذا مسؤولية مضاعفة لبذل المزيد من الدقة؛ حيث إن ما يكتب قد يصبح جزءا من صناعة القرار. ولا شيء أخطر من أن يصل القرار إلى طاولة الدولة محمولا على شائعة، أو على ضغط شعبي صُنع من معلومات مغلوطة.

هذه المسؤولية الكبيرة تستشعرها وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وتضعها نصب أعينها ولا بد أن يستشعرها الجميع، كل من يمسك بالقلم ليكتب كلمة في صحيفة أو في منصة تواصل اجتماعي.

وصاحب الرأي الذي ينشد بناء الوعي لا يُجامل المجتمع ولا يستفزه. يثق به ويعامله كشريك في فهم الواقع، لا ككتلة تُدار بالانفعال.