النفط والمفارقة الاقتصادية!!
الاثنين / 1 / رجب / 1447 هـ - 20:19 - الاثنين 22 ديسمبر 2025 20:19
لماذا ترتفع كل الأصول ماعدا النفط؟ هذا السؤال يشغل الجميع وسط دراما انخفاض أسعار النفط بين فترة وأخرى ليلامس حدودا دنيا جدا.
يشهد العالم اليوم مفارقة اقتصادية غير مسبوقة في التاريخ الحديث؛ فوول ستريت تسجل أحد أفضل أعوامها بوصول سوق الداو إلى حوالي 50 ألف نقطة، ويصل الذهب عند قمم تاريخية بينما الفضة تحقق اختراقات غير معهودة، أما البيتكوين فينتقل من سنتات إلى أكثر من مائة ألف دولار خلال أقل من عقدين.
وتستعد دول الخليج والدول المنتجة للنفط لربط الحزام وشده، وقد تسجل عجوزات تقديرية في موازنة العام القادم 2026 ، فالنفط السلعة الأهم في الاقتصاد العالمي يقف اليوم عند مستويات سعرية تعود إلى عام 2000، وكأن الزمن توقف.
منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 أغرق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسواق بسيولة هائلة تجاوزت 9 تريليونات دولار عبر التيسير الكمي وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية. هذه السيولة تدفقت نحو الأصول المالية كالأسهم، والسندات، والذهب، والأصول الرقمية. كل ما يمكن تسعيره ماليا أو المضاربة عليه ارتفع بغض النظر عن قيمته الجوهرية، أما ما يتطلب إنتاجا حقيقيا وتكلفة فعلية واستثمارا طويل الأجل مثل النفط، فقد بقي خارج هذه المعادلة.
يقول المختصون: بقي النفط خارج المعادلة؛ فارتفاع أسعاره يعني تضخما حقيقيا غير مصنوع ولا يمكن إخفاؤه بالأرقام أو الخطاب الإعلامي، وهذا يعني ضغطا مباشرا على العملات وعلى رأسها الدولار؛ لذا يستمر حصار النفط.
ويكملون: إن أسعار النفط اليوم لا تعكس بالضرورة واقع العرض والطلب الحقيقي، بل تخضع لهيمنة السوق الورقية: عقود آجلة، وتحوطات مالية، وضغوط سياسية، وتشريعات تستخدم كأدوات غير مباشرة لضبط السعر. بينما المنتجون رغم امتلاكهم المورد يتعاملون بمنطق دفاعي؛ حيث يخشون فقدان الحصة السوقية أكثر مما يسعون لحماية القيمة العادلة للإنتاج. وهذا يعد الخطأ الفادح الذي تقع فيه الدول المنتجة للنفط باستسلامها للضغوط والخوف من فقدان الحصة السوقية؛ فالأسواق لا تكافئ من يخاف فقدان الحصة أكثر مما يخاف تآكل القيمة.
ويضيف المختصون: إن ما يحدث لأسعار النفط يتنافى مع أي واقع اقتصادي ومخالف لكل النماذج الاقتصادية؛ إذ فقد الدولار أكثر من نصف قوته الشرائية منذ عام 2000، وتكلفة إنتاج النفط زادت خلال ٢٠ سنة على الأقل ٢٠٠٪، والاستثمارات في الطاقة تراجعت، والطلب العالمي لم ينخفض كما يروج له، ومع ذلك يسعر النفط وكأن كل هذه المتغيرات لم تحدث. وهذا يعكس تسعيرا مشوها يخدم استقرار النظام النقدي المتهالك على حساب المنتجين؛ فما يحدث لأسعار النفط ليس خللا عابرا في السوق، بل قمع واع لأهم سلعة في الاقتصاد العالمي، فالنفط لا يسعر بأدوات السوق، بل يدار كملف سياسي لحماية نظام نقدي قائم على الدين وطباعة المال. والتفسير الوحيد لما يحدث لأسعار النفط أنها حرب تجاه النفط ومنتجيه؛ فكل الأصول تُسعَّر اليوم بالسيولة المطبوعة إلا النفط، والذي هو أهم سلعة استراتيجية فهو يُسعَّر بالسياسة.
جيميناي لا يزال يردد: «بما أن النفط يُسعّر عالميا بالدولار فإن ارتفاع قيمة الدولار يجعل النفط أغلى بالنسبة للدول التي تستخدم عملات أخرى، مما يضعف الطلب العالمي، ويجبر الأسعار مقومة بالدولار على الانخفاض لتصحيح المسار».
بعد الحرب العالمية الثانية ثبتت قيمة الذهب عند 35 دولارًا للأونصة. صحيح أنه فُك ارتباطه بالذهب لاحقا، لكن اليوم أصبحت قيمة أونصة الذهب حوالي 4417 دولارا. مع انخفاض أسعار النفط تتكشف ميزانيات الدول المنتجة، وتعاني العجز ولا تستطيع استكمال استثماراتها ومشاريعها الكبرى، ويُضغط القطاع الخاص، وتفرض نصائح بزيادة وتوسعة الوعاء الضريبي وإرهاق الناس، أو الاستدانة والقروض، أو بيع أصول الدولة من الشركات والمشاريع، أو تقليص اليد العاملة في القطاع الحكومي وإحالتها للتقاعد المبكر، وكلها خيارات تقود إلى أزمات ومشكلات كبرى في الدول المنتجة في ظل التهديد اليومي بفرض ضريبة الكربون عليها.
ويأتي السؤال البديهي: هل تمتد سياسة تسعير النفط آثارها لتدمير النمو الاقتصادي والرخاء البشري في دول الخليج ؟ كل شيء جائز ما دمنا نعيش الحقبة الصهيونية.
د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة