إبداع يصب في صالح النساء
الاثنين / 1 / رجب / 1447 هـ - 19:59 - الاثنين 22 ديسمبر 2025 19:59
أليكس فريدمان / تريش سترومان -
في مختلف أنحاء العالم، تدير النساء ما يقدر بنحو 32 تريليون دولار من الإنفاق السنوي، ومن المتوقع أن يتحكمن في 75% من الإنفاق الاختياري في غضون السنوات الخمس المقبلة.
ومع ذلك، في كل صناعة تقريبا، لا تلبي معظم المنتجات احتياجاتهن، بما يعكس افتراضا ضمنيا مفاده أن النساء يمثلن سوقا متخصصة إلى حد ما.
لعقود من الزمن، اعتمدت الشركات على إشارات سطحية: التغليف باللون الوردي، وحملات رمزية «رفيقة بالمرأة»، وحتى ما يسمى الضريبة الوردية، التي بموجبها تُفرَض على النساء رسوم أعلى مقابل المنتَج ذاته.
وكثير من هذه العروض «المخصصة» لا تعدو كونها مجرد تسويق مُقَـنَّـع، والنتيجة فجوة مستمرة بين ما تحتاجه النساء وما تقدمه الشركات. ويتطلب سد هذه الفجوة تصميم منتجات وخدمات تعكس أولويات النساء، وقراراتهن، ومهنهن، وتجاربهن الحياتية. تاريخيا، كان من المتوقع من النساء التكيف مع أنظمة وخدمات لم تُصمم خصيصا لهن. والدليل على ذلك واضح في كل مكان: معدات الحماية الشخصية نادرا ما تكون مصنوعة لتلائمهن، والهواتف الذكية أكبر حجما من أن تناسب الأيدي الصغيرة غالبا، والمساعدات الصوتية تفشل على نحو مستمر في التعرف على الأصوات النسائية.
عندما تُستخدم بيانات الرجال كمعيار لما يعتبر «طبيعيا»، فإن النساء لا يحصلن على الخدمات الكافية، وتبقى أسواق بأكملها ناقصة النمو.
يمثل هذا الإغفال واحدة من أكبر فرص النمو غير المستغلة اليوم. لنتأمل هنا الخدمات المالية على سبيل المثال: تضيف النساء 5 تريليونات دولار إلى مُـجَمَّع الثروة العالمية كل عام، لكن المنتجات لا تزال تلبي أنماط كسب الرجال وأولوياتهم.
على الرغم من إدارتهن لحصة أكبر من ميزانيات الأسر، نجد أن احتمال شعور النساء بأنهن ماهرات ماليا أقل مقارنة بالرجال بما يصل إلى ثماني نقاط مئوية.
الواقع أن المنتجات التي تأخذ في الاعتبار فترات الراحة لرعاية الأطفال، وفجوات الأجور، والعمر الأطول من الممكن أن تولد مليارات من القيمة مع تحسين أمان النساء ماليا. حتى في الصناعات التي تركز تقليديا على النساء مثل التجميل، والعناية الشخصية، والبقالة، نجد أن ثلثي النساء فقط يشعرن بتلبية احتياجاتهن. في حين تواصل علامات تجارية عديدة إعطاء الأولوية للتسويق على حساب الجوهر، فإن أغلب النساء يبدين استعدادهن لدفع ما يصل إلى 15% زيادة مقابل خيارات أكثر أمانا أو جودة أو ملاءمة. لاغتنام هذه الفرصة، ينبغي للشركات أن تركز على ما تقدره النساء بالفعل بدلا من «تأنيث» منتجات قائمة.
تبلغ المخاطر أعلى مستوياتها في مجال الرعاية الصحية، حيث من الممكن أن يؤدي تجاهل تجارب النساء إلى عواقب تغير حياتهن. في حين أن النساء يتخذن 83% من قرارات الرعاية الصحية لأفراد أسرهن، فإن 41% فقط منهن يقلن إن مخاوفهن تُـعالَج على النحو المناسب. ويمثل نقص التشخيص والعلاج ـ خاصة فيما يتعلق بانقطاع الطمث، وصحة العظام، والقدرات الإدراكية، والقلب والأوعية الدموية ـ فرصة سوقية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها.
تتجلى هذه المشكلة بوضوح عندما نتحدث عن أمراض القلب والأوعية الدموية، وهي السبب الرئيسي للوفاة بين النساء. فلا يزال تشخيصها منقوصا على نحو مزمن لأن بروتوكولات الفحص تستند إلى ملامح الأعراض بين الرجال. وقد يؤدي تصحيح هذه التحيزات إلى توسيع سوق أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 74% لتصل إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2030.
تتكرر الديناميكية ذاتها في كل الصناعات تقريبا: عندما تُسـتَبعَد المرأة، يأتي أداء الأسواق أقل من إمكاناتها؛ وعندما تُعالَج هذه المشكلة، يتحسن مستوى الرفاهة وترتفع الأرباح. لكن هذا يتطلب تغييرا جذريًٍا. إن حياة النساء لا تسير على خط واحد؛ بل تتطور صحتهن، ومهنهن، وأسرهن، وهوياتهن، على نحو مستمر، وكذلك تتطور أهدافهن وقيمهن. وتصميم ذلك التغيير مع وضع هذا التطور في الاعتبار هو أساس الإبداع الحقيقي. لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تتجاوز الأبحاث الجوانب الديموغرافية. ينبغي للشركات أن تستثمر في أبحاث خاصة بالمرأة، أبحاث تتناول مراحل حياتها بما يعبر عن عمق تجاربها الحياتية بالكامل. ومن الممكن أن يساعد التعاون مع الجامعات، ومقدمي الخدمات الصحية، وعلماء البيانات في توليد رؤى جديدة ودفع عجلة الإبداع الشامل.
على ذات القدر من الأهمية يأتي تطبيع الموضوعات التي كانت تعتبر في السابق من المحرمات، مثل انقطاع الطمث، والخصوبة، والاستقلال المالي. إن تناول هذه القضايا بصراحة يجعل الشركات قادرة على تمكين النساء وفتح فرص جديدة.
الواقع أن ضمان تعبير المنتجات عن تجارب النساء الفعلية وليس مجرد افتراضات يتطلب إعادة النظر في البحث والتطوير.
يتعين على الشركات أن تتبنى ممارسات البحث والتطوير المرنة مثل النماذج الأولية السريعة، والتعاون المتعدد الوظائف، والتغذية الراجعة اللحظية. على نحو مماثل، من الممكن أن يُـفضي إشراك النساء في مرحلة مبكرة من اختبار المنتجات إلى زيادة المبيعات وتحسين التسويق.
لعل الملاحظة الأكثر أهمية هنا هي أن الإبداع يزدهر عندما يفهم صناع القرار الأشخاص الذين يخدمونهم. عندما تشارك النساء في صياغة الاستراتيجيات، والاستثمارات، وتصميم المنتجات، تصبح الحلول بطبيعة الحال أكثر ملاءمة وفعالية. وقد أظهرت الدراسات على نحو ثابت أن التنوع يمنح المنظمات ميزة استراتيجية واضحة.
أخيرا، بعد عقود من الإهمال، بدأ الإبداع والاستثمار يلحق بالركب. وبرغم أن أقل من 4% من تمويل الأبحاث في الولايات المتحدة يذهب إلى صحة النساء، فإن شركات بادئة مثل Midi Health و Allara Health تضفي طابعا شخصيا على تقديم الرعاية الهرمونية للنساء في منتصف العمر، كما أنشأت مؤسسات كبرى تقدم هذه الخدمة مراكز مخصصة تركز على صحة القلب والأوعية الدموية وصحة المرأة في عموم الأمر.
من ناحية أخرى، تعمل منصات استثمارية جديدة على سد الفجوات التي خلفتها المؤسسات المالية التقليدية. على سبيل المثال، تصمم شركة Ellevest محافظ استثمارية تأخذ في الاعتبار الفجوات في الأجور بين الجنسين، ومتوسط العمر الأعلى، والطلاق، بينما تستخدم شركة Alinea أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمساعدة نساء الجيل Z على الاستثمار بثقة.
ويزداد هذا التحول وضوحا في مجال السلع الاستهلاكية أيضا. فقد سجلت شركة Stanley المصنعة لأدوات الشراب، التي كانت معروفة في السابق بمتانة منتجاتها، نموا هائلا بفضل نساء حولن زجاجاتها إلى أيقونات لأنماط الحياة.
الدرس واضح: بإشراك النساء في عملية الإبداع والابتكار، يصبح بوسع الشركات الاستفادة من أسواق كانت غائبة عن مخيلتها على الرغم من وضوحها الشديد. إن تقديم خدمة أفضل للنساء ليس مجرد ممارسة عادلة: فهو قد يؤدي إلى إطلاق العنان لموجة من النمو الاقتصادي العالمي.
أليكس فريدمان - المديرة الإدارية والشريكة في مجموعة بوسطن الاستشارية
تريش سترومان - العضو المنتدب والشريك الأول في مجموعة بوسطن الاستشارية.
خدمة بروجيكت سنديكيت