معجم الدوحة التاريخي للغة العربية".. مشروع لغوي يرصد تاريخ الكلمة ومنعطفاتها
الاثنين / 1 / رجب / 1447 هـ - 19:29 - الاثنين 22 ديسمبر 2025 19:29
(عمان): يُمثّل اكتمال 'معجم الدوحة التاريخي للغة العربية' محطة فارقة في مسار البحث اللغوي العربي كأول معجم تاريخي شامل يتتبع حياة الكلمة العربية وتحولات دلالاتها عبر ما يزيد على عشرين قرنًا، اعتمادًا على منهج علمي صارم يقوم على الترتيب الزمني للشواهد، ورصد تطور الاستعمال اللغوي من أقدم النصوص الموثقة وصولًا إلى السياقات المعاصرة، وقد استغرق العمل على هذا المشروع المعجمي الكبير نحو 13 عامًا منذ انطلاقته عام 2013، بمشاركة أكثر من 500 خبير وباحث ومحرر من مختلف الدول العربية، وأسفر عن بناء مدونة لغوية رقمية تضم قرابة مليار كلمة، وتكوين ما يقارب 300 ألف مدخل معجمي خضع للتحرير والتدقيق والاعتماد وفق آليات علمية متعددة المراحل.
وفي هذا السياق شهد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر صباح اليوم حفل اكتمال 'معجم الدوحة التاريخي للغة العربية'، الذي أُقيم في قاعة كتارا بفندقي فيرمونت ورافلز الدوحة، إيذانًا باكتمال أحد أضخم المشروعات اللغوية العربية في العصر الحديث.
واعتمد المعجم في منهجيته على تقسيم تاريخ اللغة العربية إلى مراحل زمنية متتابعة، تبدأ من أقدم نص عربي موثق، ثم تتبع تطور الألفاظ ودلالاتها الصرفية والاستعمالية عبر العصور، مع إيراد الشواهد النصية الدقيقة لكل معنى، سواء من القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو الشعر، أو النثر، بما يتيح للباحث تتبع 'حياة الكلمة' في سياقها الزمني والمعرفي.
وشهد الحفل عرض البوابة الإلكترونية الجديدة للمعجم، التي تتيح الوصول المفتوح إلى مادته المعجمية، وتوفر أدوات بحث متقدمة تمكّن المستخدمين من استكشاف تطور الألفاظ العربية تاريخيًا، في خطوة تعزز حضور اللغة العربية في الفضاء الرقمي، وتدعم البحث العلمي، وتفتح آفاقًا لاستخدام المادة المعجمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات اللغوية الحديثة.
وقام أمير قطر خلال الحفل بتكريم الخبراء والباحثين والمحررين الذين أسهموا في إنجاز المشروع، تقديرًا لجهودهم العلمية المتواصلة، وحضر الحفل عدد من الوزراء، ورؤساء مجامع اللغة العربية، وممثلي منظمات إقليمية ودولية، إلى جانب نخبة من الأكاديميين والمثقفين.
وأكد أمير قطر عبر حسابه الرسمي في منصة 'إكس'، أن اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يعزز تمسك الشعوب العربية بهويتها، ويواكب انفتاحها على العصر ووسائله الحديثة، ويمثل نموذجًا للتكامل العربي المثمر في المشاريع المعرفية الكبرى.
من جانبه، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، إن المعجم يشكّل إضافة نوعية للمكتبة العربية، ويجسد رؤية دولة قطر في الاستثمار في المعرفة وبناء مراجع علمية تخدم الأجيال القادمة.
وأكدت لولوة بنت راشد الخاطر، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي بقطر، أن المعجم يشكّل ركيزة أساسية لدعم تعليم اللغة العربية، ويعكس الجدية والاستمرارية في العمل المعرفي العربي، مشيرة إلى أنه يمهّد لمشروعات نهضوية أوسع في المجال اللغوي والثقافي.
بدوره، شدد الدكتور عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، على أن المعجم ثمرة عمل مؤسسي تراكمي طويل، يهدف إلى حفظ الهوية اللغوية للعربية، وتوثيق تاريخ ألفاظها ودلالاتها بدقة علمية عالية.
وأكد الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن مدونة المعجم تمثل موردًا معرفيًا لا يخدم البحث اللغوي فحسب، بل يسهم في تطوير التطبيقات العربية للذكاء الاصطناعي، ويعزز حضور العربية في العصر الرقمي.
من جهته، أشار الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة 'إيسيسكو'، إلى أن المعجم يمثل إضافة علمية رفيعة للمشهد الثقافي واللغوي عربيًا ودوليًا، مثمنًا احتضان دولة قطر لهذا المشروع.
ويُنظر إلى اكتمال المعجم باعتباره محطة مفصلية في مسار البحث اللغوي العربي، ومشروعًا معرفيًا مؤسسيًا يعيد بناء الوعي بتاريخ اللغة العربية، ويؤكد قدرتها على التجدد، والمشاركة الفاعلة في المشهد العلمي والمعرفي العالمي.