الاقتصادية

ما هي المكاسب الاقتصادية لسلطنة عُمان من اتفاقية الشراكة الشاملة مع الهند؟

 


يعد توجه سلطنة عُمان نحو اتفاقيات التجارة الحرة عنصرا أساسيا لحماية الصناعات العُمانية من تقلبات الأسواق العالمية وتنفيذ أهداف 'رؤية عُمان 2040' ، حيث تهدف هذه الاتفاقيات إلى دعم التنويع الاقتصادي، وتعزيز سلاسل الإمداد، وجذب الاستثمار، وتوسيع الصادرات غير النفطية، وخلق فرص عمل للمواطنين، ومع توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند، تتيح الاتفاقية فرصًا واسعة لتعزيز نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
ويعتبر تطوير القدرات المحلية وحده لم يعد كافيًا بالنظر إلى صغر حجم السوق المحلي، الذي يقتصر على نحو خمسة ملايين نسمة واقتصاد يقارب 40 مليار ريال عُماني، وهو ما يحد من قدرة الصناعات على المنافسة العالمية، إذ تأتي أهمية الاتفاقيات التجارية أنها تفتح للمنتجات العُمانية أسواقا واسعة تصل إلى ما يقارب ملياري مستهلك، مع تسهيل التبادل التجاري والاستثماري وربط الاقتصاد العُماني بالاقتصادات الكبرى، ما يعزز قدرة القطاع الخاص على التوسع .
وتنعكس هذه الاستراتيجية مباشرة على الاستثمار المحلي، حيث بدأت شركات هندية كبرى دراسة نقل صناعاتها إلى سلطنة عُمان، مثل مصنع جندال للصلب الأخضر في الدقم، ومصنع GFCL للكيماويات الفلورية في صلالة، ومصنع Waree لإنتاج البوليسيليكون في صحار، وهو ما يسهم في تعميق الصناعات الوطنية وخلق فرص عمل متنوعة للمواطنين.
وقد نجحت بعض الشركات الأجنبية مثل الشركة العُمانية الهندية للسماد 'أوميفكو'، التي بلغت نسبة التعمين فيها 81% ، وشركة جندال شديد التي وصلت نسبة التعمين بها إلى 53%، مع خطة ملزمة للوصول إلى 70 % خلال خمس سنوات، ما يعكس التزام هذه الاستثمارات بدعم الكفاءات الوطنية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان.
وتتمتع سلطنة عُمان بميزة تنافسية مهمة تتمثل في قربها الجغرافي من الهند وسهولة الوصول إلى موانئها، إضافة إلى الطلب المتنامي من الطبقة المتوسطة الهندية على منتجات البناء والمعادن والمنتجات الصناعية القابلة للتصدير، بما في ذلك الألمنيوم والحديد والبوليمرات والبسلاتيك والجبس والرخام والأسمنت.
وتأتي هذه الاتفاقية ضمن سلسلة تحركات واسعة تشمل باكستان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، إلى جانب مفاوضات جارية مع الصين وتركيا وبريطانيا، لتجعل من التجارة الحرة أداة استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص وضمان موقع بارز لسلطنة عُمان في خارطة التجارة الإقليمية والدولية .
الصناعات المحلية
تضمن الاتفاقية حماية السلع الحساسة عبر قوائم وفترات تحرير تمتد لسنوات، مع الاحتفاظ بحق سلطنة عُمان في تطبيق إجراءات مكافحة الإغراق والوقاية والدعم وفقا للقانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 39/2006 .
كما شملت الاتفاقية حماية للقطاعات ذات الطابع الحساس من خلال جداول السلع الحساسة، وفترات تحرير تمتد لـ10 سنوات لبعض القطاعات، وقوائم مهن محصورة للعُمانيين، وقوائم الأنشطة المحصورة على العُمانيين، والإبقاء على الحق في تطبيق الإجراءات الحمائية.
وتلزم الاتفاقية الطرفين بالشفافية وعدم التمييز، وتتيح لسلطنة عُمان الحق في اتخاذ إجراءات مقابلة عند حدوث أي ممارسات غير عادلة، في حين تفتح الاتفاقية فرصا جديدة للصادرات العُمانية مثل: التمور والرخام واللبان عبر تخفيض أو إلغاء الرسوم الهندية، ما يعزز دخول المنتجين المحليين إلى أسواق واسعة وزيادة العائد الاقتصادي.
التعمين
لا تتضمن الاتفاقية أي بند يلزم سلطنة عُمان بتعديل نسب التعمين، حيث تبقى القوانين الوطنية هي المرجع الوحيد لسوق العمل. وتفرض الأنظمة الحالية نسب تعمين ثابتة حسب القطاع والنشاط، فيما تبقى النسبة غير المعمّنة متاحة لجميع الجنسيات وفق احتياجات سوق العمل، دون إلزام أصحاب العمل بتعيين جنسية معينة.
كما لا تفتح الاتفاقية المجال تلقائيًا لزيادة دخول الأيدي العاملة الهندية أو أي أيد عاملة أجنبية أخرى، إذ تبقى جميع إجراءات الدخول والتأشيرات وتصاريح العمل ونظام الإقامة خاضعة للجهات المختصة، ووفق الأنظمة واللوائح المعتمدة، دون أي استثناءات ناتجة عن الاتفاقية.
كما لا تؤثر الاتفاقية على فرص توظيف العُمانيين في القطاعات الخدمية، حيث تضمنت جداول الالتزامات الضوابط اللازمة للحفاظ على أولوية التوظيف للمواطنين، دون أي استثناءات تسمح بتجاوز هذه السياسة.
وتحتفظ سلطنة عُمان بحقها الكامل في تعديل القوائم السلبية أو الإيجابية للوظائف المخصصة للعُمانيين فقط، وكذلك إضافة أو حذف أي مهن أو أنشطة اقتصادية من القوائم الخاصة بالأنشطة المحصورة على المواطنين.
الأمن القومي
تتضمن الاتفاقية بندًا خاصًا بالأمن القومي يمنح سلطنة عُمان الحق في تعليق أو إيقاف العمل بالاتفاقية في أي وقت تراه مناسبًا، سواء في حالات الطوارئ المحلية أو الدولية، أو عند تعرض الأمن القومي أو البنية التحتية الوطنية لأي مخاطر.
الرسوم
وسيكون تأثير خفض الرسوم الهندية على الإيرادات الحكومية ضعيفًا جدًا، إذ أن معظم الواردات الغذائية والطبية والتعليمية معفاة من الرسوم، فيما يبلغ متوسط التعرفة الجمركية في سلطنة عُمان نحو 5% فقط.
وقد استبعدت الاتفاقية بشكل كامل المنتجات الحساسة مثل: التبغ والمشروبات الكحولية، وفي المقابل، سيستفيد المستهلك العُماني مباشرة من انخفاض الأسعار على العديد من السلع نتيجة لخفض الرسوم من قبل الجانب الهندي .
الصحة والأمن الغذائي
تحتفظ سلطنة عُمان بكامل صلاحياتها في الرقابة على الأدوية، حيث تبقى وزارة الصحة مسؤولة عن اعتماد أو رفض أي دواء، دون الاعتراف التلقائي بالشهادات الهندية.
وتسهم الاتفاقية في خفض أسعار الأدوية، إذ تُعد الهند 'صيدلية العالم' وتنتج أدوية عالية الجودة بأسعار منخفضة مقارنة بالمصادر التي تستورد سلطنة عُمان منها حاليا .
كما ستساهم الاتفاقية في استقرار الإمدادات الغذائية من خلال توسيع الوصول إلى أحد أكبر منتجي الغذاء عالميًا، ما يزيد من تنوع المصادر ويقوي مرونة الإمدادات، وخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الغذائية الهندية، سيقلل من تكلفة الاستيراد، ما سينعكس إيجابًا على أسعار السلع في السوق المحلي.
وتبقى الجهات العُمانية مسؤولة عن جميع فحوصات وسلامة الأغذية، دون الاعتراف التلقائي بالشهادات الهندية، حفاظًا على معايير الصحة العامة والأمن الغذائي.
الجوانب السيادية والقانونية
أكدت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن الاتفاقية لا تُقيد قدرة سلطنة عُمان على سن القوانين، حيث تبقى السيادة التشريعية كاملة، مع تضمين الاتفاقية استثناءات واضحة لحماية الأمن القومي والصحة العامة والبيئة والصناعة المحلية.
فيما يخص المستثمرين، فإن أي نزاعات تتعلق بالاستثمار تخضع للمحاكم الوطنية فقط، دون السماح بأي تدخل خارجي في القرارات السيادية.
كما لا تمنح الاتفاقية الهند نفاذًا إلى المناقصات الحكومية، حيث تم إلغاء فصل المشتريات الحكومية من الاتفاقية .
ولا تُلزم سلطنة عُمان بتقديم أي التزامات مالية ضخمة مثل تلك التي قدمتها جمهورية الهند في اتفاقياتها الأخرى، كما لا تُمنح الشركات الهندية أي امتيازات خاصة داخل سلطنة عُمان، حيث يظل الإطار القانوني العُماني هو المرجع، ويطبق مبدأ المعاملة بالمثل مع جميع المستثمرين.
وأما القطاعات الاستراتيجية، فإن السيطرة عليها من قبل الشركات الهندية أو أي مستثمر أجنبي محظورة بموجب قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 67/2014 ، وقانون استثمار رأس المال الأجنبي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 50/2019، مما يضمن الحفاظ على التوازن الاقتصادي وعدم تمكين أي جهة من احتكار السوق أو التأثير على القطاعات الحيوية.
تصريحات وزير التجارة الهندي وسياقها الإعلامي
في الآونة الأخيرة، جرى تداول تصريحات منسوبة لمعالي وزير التجارة والصناعة في جمهورية الهند حول اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين سلطنة عُمان والهند، وترافقت مع ذلك تفسيرات وتأويلات إعلامية تتعلق بالتوظيف والتعمين والتأشيرات والضمان الاجتماعي والاستثمار، وجاءت هذه التصريحات في إطار خطاب إعلامي موجه للرأي العام الهندي، بهدف إبراز فرص اقتصادية محتملة للشركات الهندية، في سياق الترويج السياسي والإعلامي الداخلي للاتفاقية.
نظام التعمين في سلطنة عُمان
جرى تفسير تصريحات الوزير الهندي التي أوردت إمكانية توظيف نسبة كبيرة من الأيدي العاملة الهندية '100% من الموظفين غير العُمانيين'، بشكل خاطئ لدى بعض وسائل الإعلام، ما أوحى بوجود امتيازات خاصة للأيدي العاملة الهندية. في الواقع، يطبق في سلطنة عُمان نظام تعمين ثابت لكل قطاع ونشاط، ولا يتم تخصيص أو توزيع الوظائف غير المعمّنة على أي جنسية غير عُمانية، وتظل النسبة غير المعمّنة متاحة لجميع الجنسيات وفق احتياجات سوق العمل والقوانين المعتمدة، عليه لا تمنح الاتفاقية أي استثناءات أو التزامات جديدة فيما يتعلق بالتوظيف.
التأشيرات
إشارات الوزير الهندي إلى منح تأشيرات طويلة لمقدمي الخدمات التعاقدية لا تعكس أي تعديل جديد، إذ أن نظام التأشيرات الطويلة متاح منذ فترة لجميع الوافدين، وفق نوع التأشيرة وطبيعة النشاط، دون أي استثناءات بسبب الاتفاقية.
الضمان الاجتماعي
ما ورد عن الضمان الاجتماعي يقتصر على دراسة مستقبلية للتعاون بين البلدين، ولا يُعد اتفاقية قائمة بذاتها، ولا يترتب عليها أي التزامات مباشرة أو حقوق مكتسبة، وإنما يفتح المجال لدراسة إمكانية التعاون مستقبليًا وفق الأطر القانونية المعمول بها.
الاستثمار الأجنبي
وفيما يتعلق بالتصريحات حول السماح للشركات الهندية بملكية 100% في القطاعات الخدمية لا تمثل ميزة جديدة، إذ أن نظام الاستثمار الأجنبي المباشر في سلطنة عُمان متاح لجميع الجنسيات بموجب المرسوم السلطاني رقم 50/2019 بشأن استثمار رأس المال الأجنبي والذي يتيح للمستثمرين الأجانب تملك مشاريع بنسبة تصل إلى 100 %، دون أي تمييز بين الجنسيات.
تبقى الاتفاقية أداة لتسهيل نفاذ الشركات العُمانية إلى السوق الهندية، ولا تمنح أي امتيازات خاصة للشركات الهندية في سلطنة عُمان، مع تأكيد سلطنة عُمان على الترحيب بجميع الاستثمارات الأجنبية الجادة التي تسهم في خلق
فرص عمل ونقل المعرفة
والتقنية.