عمان اليوم

الثقافة الشعبية.. أثر ممتد في تشكيل الهوية

 

تشكل الهوية نسيجا معقدا يربط بين الأجيال، وهي ليست مجرد سمات ثابتة بل كيان يتطور مع كل جيل، وتتأثر بعوامل داخلية مثل الوعي الذاتي، وعوامل خارجية تُشكلها الثقافة والبيئة المحيطة.
يقول الدكتور يونس بن جميل النعماني - مدير دائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم: ' الهوية هي مجموعة من السمات، مثل المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد، التي تميز الفرد أو المجموعة عن غيرها، وتمنح إحساسًا عميقًا بالذات والانتماء، وهذه الهوية ليست ثابتة، بل تتجدد وتتطور مع الزمن، تأثرًا بعوامل داخلية، مثل الوعي الذاتي، وأخرى خارجية، كالثقافة والبيئة المحيطة' موضحا أن الهوية في جوهرها تتداخل فيها جوانب فردية وجماعية، مثل اللغة والدين والعرق والثقافة، بالإضافة إلى الانتماءات الاجتماعية والسياسية، لذا يمكننا أن نستنتج أن الهوية في سلطنة عُمان تتجلى في الدين الإسلامي واللغة العربية، وتتأسس على العادات العمانية الأصيلة والتقاليد المتوارثة.
وأضاف النعماني: 'عندما يتماهى الإنسان مع جماعته تتكون هويته، فطبيعة الإنسان الاجتماعية، كما قال ابن خلدون، تجعل هذه الوسائط تعمل كمرآة تعكس واقع المجتمع'. تُستخدم هذه الوسائط كأداة للتواصل والتعبير عن المشاعر والهموم، وتساهم في ترسيخ الرموز الوطنية وتاريخها المشترك' مشيرا إلى أن إحدى أبرز مظاهر الهوية هي الموسيقى، التي تُعتبر جسرًا يربط الإنسان بمحيطه الاجتماعي، كما تساهم الأفلام والكتب الشعبية في نقل أفكار هذا الإنسان الذي يعيش ضمن جماعته، حيث يمارس طقوسًا معينة ويتناغم مع الطبيعة، التي تمثّل جزءًا من ذاته، إلى جانب كل ما يحيط به من عناصر.
وفي سياق الحديث حول دور الثقافة الشعبية في تعزيز أو إضعاف القيم التقليدية للهوية الوطنية، يعبّر يونس عن رأيه بأن الثقافة الشعبية تسهم بالتأكيد في تعزيز هذه القيم، ويشير إلى أن الثقافة الشعبية تمثل الأصل، إذ تعكس نسقًا اجتماعيًا وثقافيًا نشأ فيه الفرد، ويدعو إلى ضرورة الانتباه إلى كيفية استخدام هذه الثقافة.
ويبرز النعماني أهمية ربط الماضي بالحاضر كوسيلة لتعزيز الهوية الوطنية، حيث تُعتبر الثقافة الشعبية رابطًا قويًا يجمع بين التجارب التاريخية والتطلعات المستقبلية، مما يُعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية، لا سيما لدى الشباب، ويؤكد على ضرورة إشراك الأجيال الجديدة في تراثهم وفهم جذورهم الثقافية، كخطوة أساسية لتعزيز هذه القيم. وشدد على أهمية تنمية القيم الإيجابية والتماسك الاجتماعي.
وفيما يتعلق بتفاعل الأجيال المختلفة مع الثقافة الشعبية وتأثيرها على فهمهم للهوية الوطنية، يقول يونس: 'نستطيع القول إنه نعم تتفاعل الأجيال مع ثقافتها، فالفرد يتوق بطبعه إلى استكشاف ماضيه، سواء كان ذلك عبر التاريخ أو الأساطير' مؤكدا على أهمية تحسين التعامل مع هذه العناصر الثقافية، عبر استغلال الذاكرة الجمعية والفردية كمصدر قوي من التأثير.
وأفاد أن المناهج الدراسية والمدارس تلعب دورا حيويا إلى جانب الأسرة في تربية النشء على قيم وطنية سليمة، فالأجيال التي ترث ثقافة معينة تسعى دائمًا إلى نقلها وتوسيع فهمها عبر قنوات متعددة، مما يعزز تجاوبهم مع هويتهم الوطنية ويضمن استمرارية التراث الثقافي.
وفي ختام الحديث أفاد النعماني بأن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا مهما في نشر الثقافة الشعبية، وتؤثر بشكل لافت على الهوية الوطنية، فقد برز عدد من الشباب النشطين في هذا المجال، مما ساهم بشكل كبير في تعزيز التعريف بالثقافة الشعبية العمانية عبر منصات التواصل المختلفة، ولا يمكن إنكار التأثير العميق لهذه الوسائل في نشر الوعي بالتراث الثقافي، حيث تعمل على إبراز أهميته وتأثيره الإيجابي في المجتمع، وتساهم هذه المنصات من خلال المحتوى الذي تقدمه في تعزيز الفهم ورفع الوعي بأهمية الحفاظ على الثقافة الشعبية، وتستهدف بشكل خاص الشريحة الشبابية التي تمثل المستقبل، وبالتالي يصبح لهذه الوسائل دور محوري في الربط بين الأجيال والتقاليد، مما يعزز الهوية الثقافية الوطنية ويضمن استمرارها.