الخبرات الأجنبية المعلوماتية والاستعانة بها في المؤسسات العامة
الجمعة / 27 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 19:21 - الجمعة 19 ديسمبر 2025 19:21
يُعد قطاع تقنية المعلومات باختصاصاته المتعددة والمختلفة في عصرنا الحالي من أهم القطاعات التي تحتاجها جميع المؤسسات العامة، نظرًا للطفرة التكنولوجية التي يعيشها عالمنا بأشكالها المختلفة، وتطوراتها التي تسابق الزمن والأحداث بوتيرة متسارعة، والحاجة إلى استخدامها لمواكبة هذه التغيرات، وبداية عصر التحولات الرقمية التي شهدتها كافة القطاعات الحكومية.
لذلك، فهناك حاجة دائمة وثابتة متوقعة لتوظيف كوادر وطنية متخصصة في هذه المجالات الرقمية بمختلف تخصصاتها، وتأهيلها وتدريبها بشكل دوري تزامنًا وتناسبًا وتكافؤًا واستعدادًا لكل تغيير وكل تطور وكل نقلة جديدة وتحديثاتها من أنظمة البرامج والشبكات والتطبيقات والتصاميم وأمن وسلامة المعلومات وغيرها من التخصصات الأخرى ذات العلاقة بهذا المجال.
بلا شك أن من يشغلون الوظائف الفنية والإشرافية في الوحدات الداخلية المختصة بأنظمة وتقنية المعلومات في جميع الوحدات والأجهزة الحكومية المختلفة، أغلبهم أو جميعهم من الكوادر الوطنية، والذين يشغلون جميعًا النوع الأول من النوعين الرئيسيين من تلك الكوادر، وهم الفنيون متوسّطوا الخبرة الذين يقومون بأداء مهام روتينية مختلفة. ولا أقصد هنا التقليل من خبراتهم ومهاراتهم وأهميتهم في العمل، بل استثناؤهم والتركيز على النوع الآخر، وهو موضوعنا، والذي سأسلّط الضوء عليه في هذا المقال.
وبالنسبة للنوع الآخر، فهم طبعا القلة القليلة من ذوي الخبرات والمهارات الفنية العالية جدًا، والذين تستعين بهم بعض الوحدات لشغل مراكز وظيفية مهمة وحيوية وحساسة للغاية.
ويقومون بمهام مركزية وإشرافية شاملة للأنظمة الأساسية المعمول بها في الوحدة، منها الكوادر المتخصصة في برمجيات أنظمة الوحدة وتعديلها وتحديثها ومتابعتها وإدارتها، أو المتخصصة في إدارة ومتابعة وحماية الشبكة المركزية الخاصة والمتصلة بتلك الأنظمة ومراكز وقواعد بياناتها، وكذلك المتخصصة بأمن وحماية المعلومات والبيانات الخاصة بأنظمة الوحدة وشبكاتها وقواعد بياناتها، من خلال إجراء الاختبارات الدورية لفحص تلك الأنظمة والشبكات وتحليلها ومراقبتها والبحث المستمر عن أي ثغرات وسدها منعًا لتعرضها لأية هجمات وتهديدات أمنية سيبرانية خارجية محتملة تهدد أمنها وسلامتها وتنتهك خصوصياتها. وكذلك من يقومون بتشفير بيانات ومعلومات الأنظمة الخاصة بالوحدة لحمايتها.
ومن أكثر التحديات التي نواجهها حاليًا في أغلب الوحدات والأجهزة الحكومية — باستثناء بعض الوحدات — استعانتها بكوادر أجنبية أو بمؤسسات خاصة تُدار من قبل أجانب. وما نلاحظه دائمًا، مع الأسف، في كثير من الوحدات والأجهزة الحكومية المختلفة، هو استمرارية الاعتماد عليهم وتجديد التعاقد معهم، سواء بتعيينهم أو التعاقد معهم مقابل أجور عالية. والسبب، برأيي الشخصي، هو قيام الكثير من هؤلاء بمحاولة إخفاء طرقهم وأساليبهم عن زملائهم في العمل من المواطنين في التعامل مع الأنظمة والشبكات واحتكارها لضمان عدم الاستغناء عنهم لاحقًا.
والتحدي الثاني، للأسف، هو قلة الكوادر الوطنية ذات المهنية والخبرات والمهارات العالية التي تضاهي خبرات تلك الكوادر الأجنبية. ولو سلّمنا بوجود كوادر وطنية متخصصة بخبرات عالية لشغل تلك المناصب، فسوف يواجهون التحدّي الأخير، وهو قلة الحوافز المخصصة لتلك المراكز الوظيفية في المؤسسات العامة، والذي يتسبب بهجرة تلك الكوادر الوطنية إلى العمل في القطاع الخاص أو العمل الحر، نظرًا لوجود حوافز أكبر بكثير فيها مقارنة بالحكومية.
وعند التمعّن بالتحديات المذكورة آنفًا، فقبل القيام برحلة البحث عن أسبابها ومحاولة إيجاد طرق علاجها، علينا أولًا فهم ومعرفة قاعدة الطلب والعرض الثابتة التي تفرض نفسها على جميع أشكال المهام والأنشطة والأعمال بشتى أنواعها، وهي: كل ما زاد الطلب زاد العرض، والعكس صحيح.
لذلك يجب أن نتيقن بأن القاعدة ستفرض علينا نتائجها المنطقية بشكل حتمي ومتوقع وثابت، والتي تتمثل في العدد والنسب المتفاوتة بين طلبات المؤسسات الحكومية لتلك الكوادر (المتوفرة بقلة)، والعروض المقابلة لتلك الطلبات المتمثلة في الحوافز القليلة المتوفرة مع باقي العروض المنافسة (الحوافز الكبيرة والكثيرة) من قبل القطاع الخاص وفرص العمل الحر.
فخلاصة القاعدة أن هناك عروضًا كبيرة وكثيرة تتنافس على طلبات متوفرة بصورة نادرة وقليلة، لذا فالأجدر للمؤسسات العامة توفير عروض تنافس بقية العروض لاستقطاب تلك الكوادر الوطنية بحسب الحاجة والأهمية وبحسب نوع الوظيفة وأهمية توطينها.
بشكل عام، ولعدة أسباب أخرى، فنحن بحاجة لوضع وتفعيل خطط وبرامج استراتيجية شاملة تتعلق بالجانب التربوي والتعليمي، والذي أصبح من الضرورة بمكان وبهذا الزمان إعداد وتنشئة أجيالنا المستقبلية وتغذيتها بمتطلبات الطفرة الصناعية والتكنولوجيا الرقمية منذ الصغر، من خلال توفير وتفعيل حزمة جديدة من البرامج والمناهج التعليمية والورش التدريبية الخاصة بمجالات تقنية المعلومات المختلفة، أهمها البرمجة والشبكات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات، وإقامة فعاليات وأنشطة ومسابقات لهذه التخصصات، واكتشاف المواهب الواعدة والعقول التي تسطع بلمعانها في هذه المجالات، وتوجيهها وتهيئتها للمستقبل ودعمها وتبنيها من قبل القطاع التعليمي الحكومي، بالإضافة إلى دعم وتشجيع أولياء أمورهم، والعمل معًا على تطوير مهاراتهم وتأهيلهم للدراسات الجامعية العليا وتدريبهم في سوق العمل الحكومي أو الخاص لاكتساب خبرات إضافية، ومن ثم تحديد مسارهم الوظيفي أخيرًا، إما كأساتذة ومدربين وخبراء وأكاديميين، أو لشغل مناصب ومراكز وظيفية حكومية تناسب مؤهلاتهم وخبراتهم، خصوصًا في الوظائف التي تشغلها كوادر أجنبية والتي بحاجة ماسة لتوطينها بنسب محددة بحسب خطط حكومية مدروسة مسبقًا.