إشراقات

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

 

ما أهمية الصلاة في حماية الأبناء من الغزو الفكري، ومن التأثر بالأفكار المختلفة، ومن تأسيس مقاومة كافية لكل الأفكار الدخيلة؟

لا يخفى أن الصلاة هي الأساس الذي يبني شخصية المسلم، فهي عمود الدين، وهي الركن العملي الأول، فإذا استقامت الصلاة استقام سائر عمل هذا المُكلَّف، وسعد في دنياه وغنم في آخرته، وربنا تبارك وتعالى يُبيِّن في كتابه الكريم أن هذه الصلاة هي التي تقوّم سلوك هذا المكلف بِنَهْيِهِ عن الفحشاء والمنكر، حينما قال: «إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر»، وهذا يعني أنها تنفي عن هذا المسلم كل خصال السوء، وتبعده عن الرذائل، وتُقوّم له مساره في هذه الحياة الدنيا، وتحمّله على أن يتحرى مواضع قدميه فيها، فيسير على هدى من ربه، ويلتمس الصراط المستقيم، ويحضر في نفسه مراقبة الله تبارك وتعالى، فهو دائم الذكر لله تبارك وتعالى.

فإذا فرغ من الصلاة، فإنه ينتظر الصلاة الآتية، ولهذا فإن قلبه يعمر بتعظيم الله عز وجل وإجلاله، ويجد أن هدفه في هذه الحياة واضح، وأنه يعلم أنه مطلوب منه أن يعبد الله عز وجل وحده، كما أنه محتاج إلى هذه العبادة ليقوي صلته بربه تبارك وتعالى، وليملأ قلبه حبًا ورغبة وهيبة وأجَلًا لله عز وجل، ولأنه يبتغي رضوانه في الآخرة، كل هذه المعاني هي التي يجب أن ينشأ عليها الناشِئَةُ، وأن يُعَوَّدوا على الصلاة بمعانيها، بروحها، بجوهرها، كما يُعَوَّدون على ظاهرها وشكلها، ويُعَرَّفون هذه المعاني قدر ما تستوعبه أفهامهم، ويُشَوَّقون إليها، ويُحَبَّبون فيها، ويُبَيَّن لهم عاقبة أمرهم في الدنيا والآخرة، ويُقْرَن بين هذه الصلاة وبين صلاح أحوالهم واستقامة سلوكهم وتهذيب أخلاقهم وتعزيز صلاتهم بإخوانهم من أترابهم أو ممن هم أكبر منهم سنًا أو أصغر سنًا في المساجد.

ويُبَيَّن لهم أثر الصلاة في إعانتهم على ضبط أوقاتهم، وعلى ضبط دراستهم، فهذه المعاني لا يستغني عنها مُرَبٍّ، كما لا يستغني عنها من هو تحت هذه التربية، فإذا تمكنت هذه المعاني وانغرست هذه المفاهيم فإن سلوك الأفراد سوف تتحقق فيه هذه المعاني المودعة في الصلاة من استقامة السلوك وتهذيب الطباع والأخلاق الحسنة الفاضلة الكريمة، ومن السير على الصراط المستقيم، ومن مراقبة الله تبارك وتعالى، ومن اليقين بأن كل شيء إنما هو بيده سبحانه وتعالى، ومن التعرف على حقيقة هذه الدنيا وأنها إلى زوال، وأن الذي ينفع المسلم فيها إنما هو عبادته لله تبارك وتعالى، وأن بنيان هذه العبادة يقوم على أُسٍّ متين من أداء هذه الصلوات في أوقاتها، في الجماعة، في المساجد. وكذلك الحال للإناث؛ فلا يقتصر الأمر على تنشئة الذكور فقط على الصلاة ومواقيتها وإتيانها في المساجد، بل لابد أيضًا أن تُنَشَّأ الفتيات على هذه المعاني بإقامة الصلاة، وبتدريبهن على الصلوات في جماعة ولو في البيوت، وبأن تقوم الأمهات والآباء بإعطاء القدوة الحسنة من أنفسهم، وبتفهيمهم لمعاني الصلاة وما تحمله الصلاة من عظات ودروس ومواعظ، بهذا فقط يمكن أن تُحَصَّن الناشئة من هذه الشبهات والشهوات المُلِمَّة.

بواقعنا المعاصر، فإن غُلَوَاءَ هذه الفتن عبر ما يتناوله الأطفال اليوم في وسائل التقنية الحديثة ليس بالشيء الهين السهل، فإن صادف خواءً روحيًا وفراغًا فكريًا فإنه يسهل أن يصير هؤلاء الأطفال ضحايا لمن يَتَصَيَّدُ في هذا العالم المفتوح، يقعون ضحايا لِغَبَشٍ فكري أو لابتزاز مالي أو لانحراف سلوكي، بل لا مبالغة إذا قلنا كما تشهد الأيام اليوم لأسوأ أنواع الابتزاز الجنسي، ولتعرضهم للشبهات التي لا يجدون منها مخرجًا، فيصبحون ضائعين في هذه الحياة لا يعرفون لهم هدفًا ولا يقيمون للأخلاق وزنًا، ولا يوقرون الصراط المستقيم ولا دين الله تبارك وتعالى، وينقلبون على آبائهم وأمهاتهم وأسرهم، وينقلبون على قيم المجتمع وثوابته ومبادئه، وكل ذلك إنما ينشأ بسبب التفريط في غرس هذه المعاني الروحية، وفي ملء ذلك الفراغ الذي يمكن أن يمروا به، وفي عدم تغذيتهم بالغذاء الفكري الصحيح المناسب.

فالمسؤولية عظيمة، وإذا تُرِكَ الأطفال دون مُبَالاةٍ والتفاتة بجد وحزم قدر ما تستوعبه عقولهم ـ وهم يستوعبون الشيء الكثيرـ فإنهم حينما يتعرضون لما يضاد هذه الدعوة الصحيحة المستقيمة من دعوات الباطل والفساد والغي والضلال فإنهم يستوعبون ويفهمون ويتأثرون، فكيف لو كان ما يُدعون إليه قائمًا على أسس صحيحة، وعلى مراشد كتاب الله عز وجل وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين في هذه الأمة، ونُصِبَتْ لهم القدوات الحسنة، وُعُرِّفُوا بمشكلات هذا الواقع وكيفية الخلاص منها، وحُمِلُوا على أداء الصلوات في أوقاتها، وعلى تلاوة كتاب الله عز وجل، وعلى المعاني الحسنة الجميلة في هذا الدين الحنيف؟ لا شك أنهم سيستوعبون الكثير، وتستجيب نفوسهم وعقولهم وفطرهم لهذه المعاني، لاسيما بِتَضافُرِ الجهود وتعاون الجميع من المربين والمشرفين وصناع القرار والقائمين على بيوت الله عز وجل والقائمين على المؤسسات التعليمية بمختلف درجاتها ومن كل غيور في هذا المجتمع.

لكن لابد من الجد والاجتهاد والتعاون وترك التكاسل والتفريط، لأنه أفضى ويفضي إلى كثير من البلايا والرزايا التي يقع فيها الأطفال مما لا يخفى اليوم على أحد، بكل أنواع البلايا التي أشرت إليها وبأكثر من ذلك، فهذه القضية لها صدارة اليوم، وإنما البحث فيما يتعلق بالصلاة لأنها عمود الدين، ولكن هذا لا ينفي ولا يبعد التذكير بسائر أركان هذا الدين وبأخلاقه وقيمه، وَبِوَصْلِ هؤلاء الناشئة بربهم تبارك وتعالى، مرة أخرى نقول: قدر ما تستوعب عقولهم وتحتمله نفوسهم، وبكل أساليب الترغيب والترهيب والتذكير والتحبيب، وإعطاء القدوة الحسنة، ومعرفة هذه الوسائل المعاصرة والتنبه لها وضبط استعمالهم لها، كل ذلك مما يعين بإذن الله تبارك وتعالى.

الأبناء يرجعون من المدارس قرب الساعة الخامسة، هل يصوغ لهم أن يجمعوا الصلاتين أربعًا أربعًا؟

هذا طبعًا بعد رسالتكم إلى المدارس، هذه معالجة فقط، الواجب أن تحرص المدرسة، والقائمون على المدرسة، على أن يؤدي الطلاب الصلاة في وقتها، فالخامسة الآن ـ يعني في الشتاء ـ وقت متأخر جدًا، وما جدوى أن ندعو إلى الصلاة والمحافظة عليها، ثم نجد أن بعض مؤسساتنا التعليمية، أو حتى أيًّا كانت هذه المؤسسات، لا تخصص وقتًا للصلاة، كيف يُرجى أن ينشأ هذا الجيل.

فالواجب أن يُخصص وقت للصلاة، وأن تُغتنم بعض الدقائق التي يمكن أن تتاح بين الحصص على سبيل المثال أو في الاستراحة، فيُضبط الجدول بحيث يكون هناك وقت مخصص للصلاة، ولو بالتنظيم الداخلي في المدارس نفسها، أمّا أن يعود الأطفال على التماس الرخص، وعلى الاعتياد على الرخص، فهذا مما لا ينبغي، والله تعالى المستعان.

هل الجنّة انعكاس كامل لحقيقة الدنيا؟ بمعنى: هل فيها الغني والفقير، وفيها المشكلات كما تقع للبشر الآن؟ أم أنها مختلفة؟

لا، الجنّةُ دارُ سعادةٍ لا شقاء فيها، ونعيمٌ لا تعاسة معه، وفيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، هي دارُ رضا لا يكدره حزن، وسرور لا ينغصه شيء، أمّا التزاور واللقاء والتعارف فهذا ثابتٌ ممّا يفهم من كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن من غير كدر ولا منغصّات.

وحتى من كان في أقل درجات الجنة منزلة، فإن له فيها نعيمًا مقيمًا، وسرورًا أبديًا، وسعادةً لا تنقطع، وصحّةً لا مرض معها، وقوّةً لا ضعف معها، وهكذا أعدَّ الله عز وجل لعباده المتقين هذه المنازل العالية، جزاءً لما وُجِدوه في الدنيا وما صبروا عليه، ولما قصدوه ابتغاء رضوان الله تبارك وتعالى، فلا يَدْخُلَنَّ على النفس شيء من توهّم أن في الجنة ما يوجد في الدنيا من كدرٍ، أو أحزان، أو أمراض، أو فقر، أو تعاسة؛ فليس في الجنة شيء من ذلك، والله تعالى أعلم.