فائض الصين التجاري مشكلة لاقتصادها وليس للعالم
الأربعاء / 25 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 22:07 - الأربعاء 17 ديسمبر 2025 22:07
الإيكونومست - ترجمة: قاسم مكي
في العام الماضي كانت هنالك 19 دولة فقط تعدَّى ناتجُها المحلي الإجمالي تريليون دولار. هذا يضع آخر الأخبار الواردة من إدارة الجمارك الصينية في سياق بالغ الوضوح.
ففي 8 ديسمبر ذكرت هذه الإدارة أن صافي صادرات سلع الصين في الفترة من الأول من يناير وحتى آخر نوفمبر من هذا العام تجاوز تريليون دولار، وهو ما يزيد عن أي فائض سابق. إذ على الرغم من ضربات الرسوم الجمركية التي وجهتها الولايات المتحدة لصادرات الصين تمكن مُصنِّعوها المبتكرون من التوسع في أسواق بديلة، واكتشفوا طُرُقا التفافية تجتاز الحواجز التجارية الأمريكية.
يثير حجمُ الفائض التجاري الصيني القلقَ حول العالم. ففي زيارة الى بكين هذا الشهر قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «الاختلالات التي نراها تتراكم اليوم غير قابلة للاستدامة.» وصدر تقرير حديث عن قوة صادرات الصين بواسطة بنك جولدن ساكس تحت عنوان « إفقار الجار».
وفي يوم 10 ديسمبر دعا صندوق النقد الدولي الصين الى إصلاح اختلالاتها. (حسب موسوعة انفستوبيديا إفقار الجار مصطلح اقتصادي يُقصد به السياسات التي يتبعها بلد ما لخدمة اقتصاده وتقود حتما الى الإضرار بشركائه التجاريين- المترجم.)
لكن، وكما هي الحال مع أشياء عديدة تتعلق باقتصاد الصين، فَهْمُ سببِ هذا الفائض الكبير بنفس أهمية الانبهار به. ففائضها التجاري الضخم ليس مخيفا كما يبدو. الى ذلك، يسبب هذا الفائض مشاكلا ليس لباقي العالم ولكن للصين نفسها.
بدايةً، فائض التريليون دولار يتضمن فقط السلع المادية التي تمر عبر الجمارك. فهو لا يشمل الخدمات والتي عند حسابها ستقتطع حوالي 180 بليون دولار من الإجمالي. كما يخفق الفائض أيضا في تضمين بعض المعاملات بين الشركات متعددة الجنسية والشركات الصناعية المتعاقدة محليا في مناطق التجارة الحرة على أراضي الصين ولكن خارج حدودها الجمركية.
هنالك مقياس أوسع نطاقا لمعاملات الصين مع باقي العالم وهو فائض الحساب الجاري. بلغ هذا الحساب 650 بليون دولار خلال فترة الأثني عشر شهرا الماضية (على الرغم من أن بعض المحللين لديهم شكوك حول كيفية قياسه.)
مع ذلك هذا رقم كبير. لكن الصين اقتصادُها كبير حقا. ففائضها يبلغ حوالي 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي. ووفقا لصندوق النقد الدولي هنالك 45 اقتصادات بفوائض أكبر في العام الماضي (أكبر كنسبة من نواتجها المحلية الإجمالية وليس من فائض الصين- المترجم). وثماني من هذه الاقتصادات في اتحاد ماكرون (الاتحاد الأوروبي.)
التركيز على الاختلالات أيضا يخطئ في تشخيص سبب مخاوف أوروبا الحقيقية والذي هو تآكل صناعتها المحلية.
المشكلة الفعلية هي أن الشركات الصناعية الأوروبية تصارع الآن لكي تنافس مُصَنِّعِي السيارات والأجهزة الإلكترونية الصينية. ستكون تلك هي الحال حتى إذا أنفقت الصين المزيد على السلع والواردات الأخرى وهبط فائضها التجاري الى الصفر.
إلى ذلك، إحجامُ الصين عن شراء الأشياء الأجنبية لا يشمل الأصول الأجنبية. فمقابل صادراتها اشترت سنداتٍ وقدمت قروضا واستحوذت على أسهم وشيدت مصانع في الخارج، تمثل هذه الأصول حقوق مالية (عوائد) مستقبلية.
وهكذا تبيع الصين أشياء اليوم مقابل أشياء في المستقبل؛ فالتجارة تبادل، لكن لا يلزم أن يكون التبادل متزامنا.
لقد كان من الصعب على العالم في وقت ما قبول لهفة الصين على الادخار. فبعد الأزمة المالية العالمية في 2007-2009 أراد كل بلد التقهقر إلى قوقعته وإنفاق أموال أقل من إيراداته، وخفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة باتجاه الصفر.
لكن لم يكن هنالك طلب كاف. وفي مثل ذلك العالم يمكن اتهام فوائض الصين بإفقار جيرانها. فصافي صادراتها «استنزف» الطلب من البلدان التي كانت تعاني من النقص في الإنفاق.
لكن الأمور مختلفة الآن. فالتضخم في بلدان الاقتصادات الكبيرة عند المعدل المستهدف بواسطة البنوك المركزية أو أعلى منه. والإنفاق قوي بما يكفي للحفاظ على البطالة عند معدل منخفض في الداخل مع بقاء شيء لشراء الإنتاج الصيني الفائض أيضا. وإذا شعرت البنوك المركزية بالقلق من انعدام الطلب فلديها مجال لخفض أسعار الفائدة، على نحو ما فعل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة يوم 10 ديسمبر.
في الواقع الفائض التجاري الضخم مشكلة للصين نفسها أكثر من أن يكون مشكلة لباقي العالم. إنها البلد الكبير الوحيد الذي يبدو فيه التضخم منخفضا بشكل خطر.
فالتوظيف ضعيف، والمستهلكون يفتقرون إلى الثقة (لا ينفقون أو يقل انفاقهم)، وتدهور سوق العقارات الذي يبدو مستعصيًا على الحل دخل عامه الخامس.
والبنك المركزي يخشى من أن يؤذي خفض أسعار الفائدة الهوامش الربحية للبنوك، كما أن الحكومة مترددة في القيام بكل ما يلزم لتصحيح الأوضاع.
بدلا من ذلك، اعتمد واضعو السياسات في الصين على صادرات قوية على نحو غير متوقع للحفاظ على مسار النمو، وقد يتضح أن هذا خطأ.
فإذا تمددت الحرب التجارية إلى أوروبا، أو عانى اقتصاد العالم من انفجار فقاعة ذكاء اصطناعي يمكن أن يتعثر الطلب الأجنبي (على السلع الصينية) بسهولة؛ حينها ستضطر الصين إلى اتباع سياسة مالية سخية لإنعاش الإنفاق المحلي.
وقد تكون مهمتها أشد صعوبة لتأخرها في ذلك؛ فكلما طال أمد التشاؤم الاقتصادي كلما صار التخلص منه أصعب.
وقد تجد الصين فيما هي تحاول إحياء ثقة المستهلكين والراغبين في شراء المساكن أن اقتصاد العالم يضمحل ويذبل.
الصين تعتمد على إنفاق الأجانب لتثبيت اقتصادها، وهي لا تعادي الآخرين ولا تقصد إيذاءهم، لكنها لا تتصرف بحكمة.