«مسرحية التسريح».. لا يزال العرض مستمرا
الأربعاء / 25 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 19:38 - الأربعاء 17 ديسمبر 2025 19:38
مسلسل التسريحات ما زال مستمرا، شركات كبرى دخلت هذه اللعبة الخطرة، مستغلة ثغرات قانون العمل، وتداعيات كورونا الطارئة، التي أصبحت الشماعة التي تعلِّق عليها الشركات إخفاقاتها، وبطء أدائها، وبدأت في مسرحية التسريح التي لن تنتهي إلا بمعالجة جذور المشكلة، وبتر يد الاستغلال من منبتها، وفي كل مرة نسمع فيها عن عملية تسريح لمواطنين نشعر بأن هناك بيوتا أغلقت أبوابها، وأن هناك أسرا جديدة دخلت على خط العوز، وبأن مستقبلا غير واضح ينتظر هؤلاء المسرحين وأفراد عائلاتهم، وأنّ قضايا جديدة ستفتح ملفاتها، وأنّ تداعيات اجتماعية وأخلاقية وأمنية كثيرة لا حصر لها ستتبع هذا التسريح مهما كانت مبرراته.
إن التشريع يسمح للشركات بالتسريح في حالات حددها (قانون العمل)، من بينها: انتهاء العقد في (حالة تحديده بمدة معينة)، على ألا تزيد عن خمس سنوات، قابلة للتجديد باتفاق الطرفين، وأجاز القانون إنهاء العقد من أحد طرفي العمل في أي وقت في حالة العقد المفتوح، أي (غير محدد المدة)، كذلك أجاز القانون إنهاء عقد العامل في (حالة توفر السبب الاقتصادي لدى المنشأة)، وطرح المشرّع بدائل لهذه الفئة من الشركات لإنهاء العقد، من بينها: (تقليص ساعات أو أيام العمل، مقابل تخفيض الأجور، أو تخفيض أجور جميع عمال المنشأة بنسب معينة، على أن يكون ذلك لفترة محددة، قابلة للتمديد، إذا استدعى الأمر)، طبعا هناك حالات أخرى أوردها قانون العمل يحق فيها لصاحب العمل إنهاء خدمات العمال.
ولعل بعض الشركات رأت في المسوّغ القانوني الأخير، وهو (الحالة الاقتصادية) حبلا مرنا للتسريح، فقامت بالضغط على العاملين العمانيين بتخييرهم بين أمرين: إما التسريح ومواجهة المجهول، وإما بتخفيض الأجور وإبرام عقود (إذعان) جديدة، تستطيع من خلاله تحقيق أرباح أعلى، والعمل دون أي ضغوط أو التزامات مرهقة تجاه موظفيها، ورغم أن هذا الإجراء يمر عبر ضوابط معينة، فإنها تتم بالتوافق مع وزارة العمل، إذا اقتنعت (اللجنة المشكلة) لمراقبة أوضاع المنشأة بمبررات الوضع الاقتصادي، وهي عملية لا تشكل عائقا كبيرا للشركات بإثباتها دفتريّا، وبذلك المسوّغ القانوني تبدأ أولى خطوات التسريح.
ولكن من هو الخاسر الأكبر في هذه العملية؟.. لا شك أنه المواطن الذي يتحمّل العبء الأكبر من هذه العملية الممنهجة، والخاسر الآخر هو الوطن؛ من خلال التداعيات والآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي تترتّب على هذا التسريح، وهي كثيرة ومعروفة، ولكن ماذا لو أُجبرت هذه المؤسسات الكبرى على مشاركة المسرّح أعباءه المالية على الأقل؟.. ماذا لو تحوّل القرض الشخصي الذي اقترضه الموظف لبناء منزله، أو شراء سيارة، أو لأداء التزامات معينة إلى ذمة المؤسسة؟!.. وماذا لو كان عليها دفع رواتب هؤلاء العمال المسرّحين لمدة سنة واحدة على الأقل، مساهمةً منها في التخفيف من وطأة قرارها؟.. أعتقد لو تم ذلك، فإن عجلة التسريح ستُكبح، ولو لحين، وأن الشركة سوف تفكّر ألف مرة قبل الإقدام على طرد، أو تسريح موظف عماني سعى يوما وراء أحلامه، وبناء مستقبله، فإذا هو يواجه -فجأة ودون سابق إنذار- مصيرا مجهولا، وغامضا، بينما تستمر الشركة في مسيرتها الربحية، دون اكتراث لما سبّبه قرارها من صدمة نفسية ومالية واجتماعية لمواطن تم تسريحه بين يوم وليلة ونُسفت أحلامه أمام عينيه.