أعمدة

حتى لا تتبخر أموال المساهمين

من حينٍ لآخر تعقد شركات المساهمة العامة «المتعثرة ماليا» اجتماعات للجمعيات العامة غير العادية لبحث إعادة الهيكلة وضخ رأسمال جديد، والسؤال الذي يفرض نفسه: أين تبخرت أموال المساهمين؟ وما معنى أن تُدرج شركة ما في بورصة مسقط ثم لا نجد تلك الشفافية وذلك الإفصاح وتلك الرقابة التي تقلّص أعداد الشركات المتعثرة وتراقبها ماليا وإداريا أولا بأول وقبل أن تتبخر أموال المساهمين؟.

عندما نراجع قوائم الشركات المدرجة بالبورصة نجد عددا لا بأس به من الشركات المتعثرة التي تآكلت رؤوس أموالها وتراكمت ديونها منذ عدة أعوام ولا توجد آفاق واضحة لإعادة الشركة إلى الربحية، وقد استعرضنا في مقالات سابقة عددا من هذه الشركات، ومن الملحوظ أن كثيرا من الشركات التي تعثرت لم تتمكن من العودة إلى الربحية مرة أخرى إلا بشكل محدود على الرغم من قيام المساهمين بضخ رأسمال جديد، وإطلاق استراتيجية جديدة، وتشكيل إدارة تنفيذية جديدة ومجلس إدارة جديد ولكن ظلت المشكلة كما هي.

بعض هذه الشركات اتجه في النهاية إلى التصفية والبعض الآخر لا يزال يقاوم؛ مع أن أوراق المناورة أصبحت محدودة.

وعلى الرغم من وجود العديد من العوامل الاقتصادية التي تؤثر على الشركات كالأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، والسيولة، والمنافسة والتحديات المحلية التي تشير إليها الشركات بشكل دائم في التقارير التي ترفعها إلى مساهميها، إلا أن هناك عوامل داخلية في الشركات أنفسها تؤثر على أدائها من أبرزها ضعف الحوكمة وأدوات الرقابة داخل الشركة بغض النظر على التشريعات التي ينبغي أن تطبقها شركات المساهمة العامة حول الحوكمة والشفافية والإفصاح، مع وجود تداخلات في الصلاحيات بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة والصراع الذي قد ينشأ بين الطرفين والذي يؤثر سلبا على الشركة خاصة إذا كانت هناك مصالح غير معلنة لأحد الطرفين من صفقات أو علاقات تجارية مع أطراف أخرى تؤثر سلبا على الشركة وعلى كفاءة اتخاذ القرارات المالية والإدارية، هذا بالإضافة إلى التوسع غير المدروس أو عدم العمل على تنويع مصادر الإيرادات، واتجاه العديد من الشركات إلى الحصول على القروض من البنوك المحلية بشكل مبالغ فيه وأعلى من قدراتها المالية وأحيانا تلجأ إلى أكثر من بنك للحصول على القروض غير أنها لا تستفيد من هذه القروض لتعزيز النمو وتمويل مشروعات جديدة وهو ما يجعل تلك القروض عبئا على الشركة.

وعلى الرغم من عودة مجلس الإدارة مرة أخرى إلى المساهمين للحصول على موافقتهم لشطب الخسائر المتراكمة وضخ رأسمال جديد، وقيام المساهمين بذلك غير أن الحال لا يستقيم نظرا لأن المشكلة التي أدت إلى تآكل رأسمال الشركة سابقا لا تزال قائمة، فنموذج العمل الذي تتبعه الشركة والذي أدى إلى كل تلك الخسائر هو الذي ينبغي أن يتغير، كما أنه من الملحوظ أن هناك فترة طويلة جدا بين بداية تآكل رأس المال ثم ارتفاع الخسائر المتراكمة وصولا إلى قيام الشركة باتخاذ قرار إعادة الهيكلة والتي قد تتجاوز الـ5 سنوات وهو ما يراكم التحديات التي تواجهها الشركات ويجعل من الصعوبة عودتها سريعا إلى الربحية خاصة إن لم تبدأ الشركة العمل بروح جديدة بعد إعادة الهيكلة.

وهنا علينا أن نشير إلى أهمية التدخل السريع من قبل هيئة الخدمات المالية قبل أن تتفاقم خسائر الشركات وتتدهور مؤشراتها المالية وتصل إلى مرحلة صعبة يتعذر فيها إنقاذها؛ مع تحديد فترات زمنية لإصلاح الوضع المالي للشركة، واتخاذ قرارات صارمة ضد أي تلاعب من أي نوع كان، وأن تكون الهيئة هي الجهة التي تقاضي الشركات ضد التلاعب في أموال المساهمين لا أن يتم ترك الأمر إلى المساهم نفسه خاصة في الشركات التي لديها عدد كبير من صغار المساهمين الذين لا يهتمون كثيرا باللجوء إلى القضاء، ومع أهمية البورصة باعتبارها أداة من أدوات التنويع الاقتصادي، فإن إصلاح أوضاع الشركات المتعثرة أولا بأول وإيجاد حماية قانونية لصغار المساهمين ورفع معايير الإفصاح والشفافية من شأنه تحفيز الاستثمار في قطاع سوق رأس المال وزيادة المكاسب للمستثمرين والشركات والاقتصاد الوطني بشكل عام.