الرياضية

جلسة حوارية تفاعلية تفتح آفاقًا واسعة حول واقع رياضة المرأة

 

كتبت - مريم البلوشية
في إطار الجهود المتواصلة لتعزيز حضور المرأة في المشهد الرياضي ودعم أدوارها المتعددة في المجتمع، نظم نادي العامرات، ممثلاً باللجنة النسائية، جلسة حوارية بعنوان 'المرأة الرياضية... حضور وأثر'، جسدت مساحة تفاعلية جمعت بين الفكر والممارسة، وفتحت آفاقًا واسعة للنقاش حول واقع رياضة المرأة وآفاق تطويرها، وجاءت هذه الجلسة ضمن لقاء جامع بمشاركة عدد من الرياضيات، والمدربات، واللاعبات، إلى جانب رائدات أعمال في القطاع الرياضي، في مشهد يعكس تنوع الخبرات وتكامل الأدوار داخل المنظومة الرياضية النسائية.
وسعت الجلسة إلى تسليط الضوء على الدور المتنامي الذي تؤديه المرأة الرياضية في المجتمع، ليس فقط بوصفها لاعبة أو مدربة، بل كشريكة فاعلة في صناعة القرار، ومبادرة في إطلاق المشاريع، ومؤثرة في نشر الثقافة الرياضية وتعزيز أنماط الحياة الصحية، كما ناقشت المشاركات في الجلسة جملة من القضايا المرتبطة بتحديات ممارسة المرأة للرياضة، والفرص المتاحة لتطوير البرامج الرياضية النسائية، وسبل تمكين المرأة من الوصول إلى بيئة رياضية داعمة ومحفزة تواكب تطلعاتها وقدراتها.
تبادل الأفكار
وشكلت الجلسة منصة حوارية لتبادل الأفكار وطرح المبادرات والأنشطة الرياضية التي من شأنها تفعيل مشاركة المرأة بمختلف فئاتها العمرية، وتعزيز استدامة البرامج الرياضية الموجهة لها، بما ينسجم مع التوجهات الوطنية الداعمة لتمكين المرأة وإشراكها في مختلف مجالات التنمية، كما هدفت إلى الخروج بمقترحات عملية وخطط قابلة للتنفيذ، تسهم في خدمة المرأة والمجتمع الرياضي على حد سواء، وترسخ قناعة بأن المشاركة الواعية تصنع الأثر وتحدث الفرق.
وتأتي هذه الجلسة انسجامًا مع التوجهات العالمية التي تؤكد أن تمكين المرأة في الرياضة يسهم في تعزيز المساواة، وبناء مجتمعات أكثر صحة وشمولًا، وأن مشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية ترتبط إيجابًا بالصحة الجسدية والنفسية، وبالتمكين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يجعل مثل هذه المبادرات الحوارية ركيزة أساسية لدعم مسيرة المرأة الرياضية وتعزيز حضورها وأثرها في المجتمع.
التعرف على الفرص والتحديات
افتتحت الجلسة الحوارية بكلمة قدمتها خولة الرواحية، مديرة دائرة الرياضة النسائية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، حيث استعرضت خلالها ملامح البرنامج السنوي للدائرة، وأبرز الفعاليات والمبادرات التي تنفذها على مدار العام بهدف تطوير رياضة المرأة وتعزيز مشاركتها في مختلف الأنشطة الرياضية، وأوضحت الرواحية أن البرنامج السنوي يشتمل على حزمة متنوعة من البطولات والمسابقات النسائية، إلى جانب آليات واضحة للمشاركة تتيح للرياضيات والأندية والجهات المعنية الانخراط الفاعل في هذه الفعاليات وفق أطر تنظيمية مدروسة.
وبينت الرواحية أن دائرة الرياضة النسائية لا تقتصر أدوارها على تنظيم المنافسات فحسب، بل تعمل كذلك على تنفيذ برامج وورش توعوية وتثقيفية تقام في مختلف محافظات سلطنة عمان، وتهدف إلى نشر الوعي بأهمية الرياضة النسائية، وتعزيز الثقافة الرياضية لدى النساء والفتيات، بما يسهم في ترسيخ الرياضة كأسلوب حياة صحي ومستدام، كما أشارت إلى تنظيم الأيام الرياضية النسائية في الأندية، التي تمثل منصات مهمة لتشجيع المشاركة المجتمعية، واكتشاف المواهب، وتعزيز التواصل بين الرياضيات والمؤسسات الرياضية.
وأكدت الرواحية أن تنظيم الفعاليات الرياضية النسائية يتم بالتكامل مع جهات أخرى فاعلة، من بينها نادي المرأة للرياضة والإبداع الثقافي، واللجنة العمانية لرياضة المرأة والمساواة بين الجنسين، التي تُعنى بإعداد الاستراتيجية الوطنية لتطوير رياضة المرأة في سلطنة عمان، وأوضحت أن عمل اللجنة يشمل رفع مستوى التمثيل النسوي في مواقع صنع القرار والتسيير الرياضي، سواء في اللجنة الأولمبية العمانية أو الاتحادات والأندية الرياضية، إلى جانب اقتراح وتنفيذ البرامج التدريبية والتأهيلية الهادفة إلى إعداد الكوادر النسائية الرياضية، وصقل مهاراتهن الإدارية والفنية، بما يعزز حضور المرأة في مختلف مفاصل العمل الرياضي.
وأضافت أن اللجنة تعمل كذلك على التعاون مع الجهات الحكومية المختصة لتفعيل ودعم الأنشطة والفعاليات المخصصة لرياضة المرأة، فضلا عن تعزيز التعاون والتواصل الدولي مع لجان رياضة المرأة، بما يتيح تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية الناجحة في هذا المجال.
وتطرقت الرواحية إلى توفر مرافق وصالات مغلقة مخصصة للنساء في مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر، مشيرة إلى أنه يتم كذلك تخصيص أيام محددة للنساء في المرافق الرياضية العامة داخل المجمع، في خطوة تعكس الحرص على توفير بيئة آمنة ومناسبة لممارسة الرياضة النسائية، كما أشارت إلى أن دائرة الرياضة النسائية نفذت عددًا من اللقاءات في مختلف المحافظات للوقوف على واقع رياضة المرأة، وأسفرت هذه اللقاءات عن رصد مجموعة من المقترحات والتحديات والفرص، مؤكدة أن مثل هذه الجلسات الحوارية تمثل فرصة مهمة للتعرف على الأفكار الرياضية الجديدة القابلة للتطبيق على أرض الواقع. واختتمت الرواحية حديثها بالتأكيد على أهمية مشاركة اللاعبات، والمدربات، والحكمات، والإداريات في هذه الجلسات الحوارية؛ لما تمثله من مساحة للتعبير عن التحديات التي يواجهنها، والمساهمة في صياغة حلول عملية تسهم في تطوير رياضة المرأة.
الاستثمار في القاعدة العمرية
بينما تناولت ريم مناعي، مدربة كرة اليد بنادي العامرات، في مداخلتها خلال الجلسة الحوارية أهمية التخطيط العلمي في تأسيس وتشكيل المنتخبات والفرق النسائية في مختلف الألعاب الرياضية، مؤكدة أن بناء قاعدة قوية لرياضة المرأة يبدأ من المراحل العمرية الصغيرة، وأوضحت أن التركيز على اكتشاف المواهب في المدارس والأكاديميات يعد حجر الأساس لصناعة منتخبات وطنية قادرة على الاستمرارية والمنافسة، باعتبار أن هذه الفئة تمثل المستقبل الحقيقي للرياضة النسائية على المستويات كافة.
وبينت مناعي أن الفئات العمرية الصغيرة تعد الأكثر قدرة على التعلم السريع واكتساب المهارات الفنية والبدنية المطلوبة في الألعاب الرياضية المختلفة، وهو ما يستدعي وضع خطط تدريبية طويلة المدى تراعي التدرج في الأحمال البدنية، وتطوير المهارات الأساسية، وبناء الشخصية الرياضية للاعبات منذ المراحل الأولى، وأكدت أن هذه الخطط يجب أن تكون واضحة المعالم والأهداف، بما يضمن إعداد اللاعبات للمشاركة الفاعلة في البطولات المحلية، ثم الانتقال التدريجي إلى المنافسات الإقليمية والدولية.
وشددت مناعي على أن نجاح أي مشروع لتأسيس فرق ومنتخبات نسائية يتطلب تكامل الأدوار بين الأندية، والمؤسسات التعليمية، والاتحادات الرياضية، مشيرة إلى أن المدرسة تمثل البيئة الأولى لاكتشاف المواهب وصقلها، وفي هذا السياق طرحت مناعي مقترحًا يتمثل في إعداد خطة شاملة لزيادة عدد من المدارس بمحافظة مسقط، مع التركيز على البحث المنظم عن اللاعبات الموهوبات، وتوفير برامج تدريبية متخصصة تسهم في تطوير قدراتهن الفنية والبدنية.
كما دعت إلى تصميم برنامج تدريبي متكامل بالتعاون بين الأندية والمدارس واتحاد الرياضة المدرسية، يهدف إلى توحيد الجهود وتنظيم العمل، وضمان استمرارية اللاعبات في ممارسة اللعبة ضمن مسار واضح من المدرسة إلى النادي ثم المنتخب، وأكدت أن مثل هذه الشراكات المؤسسية تسهم في توفير بيئة رياضية داعمة، وتعزز فرص نجاح الرياضة النسائية، وترفع مستوى التنافسية، بما ينسجم مع التوجهات الحديثة التي تؤكد أن الاستثمار في القاعدة العمرية هو المدخل الحقيقي لتطوير الرياضة وتحقيق الإنجازات على المدى البعيد.
إقامة برامج توعوية
من جانبها استعرضت صبرة الصلطية، مدربة التايكواندو، خلال مداخلتها في الجلسة الحوارية تجربتها الشخصية ومسيرتها الرياضية، متوقفة عند أبرز التحديات التي واجهتها خلال مشوارها كلاعبة سابقة في صفوف المنتخب الوطني، ثم كمدربة تسهم في إعداد أجيال جديدة من اللاعبات، وأوضحت الصلطية أن من أكثر التحديات حضورًا في بداياتها الرياضية النظرة المجتمعية السائدة آنذاك، والتي كانت ترى أن الألعاب القتالية حكر على الرجال، وأن ممارستها من قبل النساء أمر غير مقبول اجتماعيا، وهو ما شكّل عائقا نفسيا واجتماعيا أمام كثير من الفتيات الراغبات في خوض هذه الرياضات.
وبينت أن مشاركة الفتيات في لعبة التايكواندو لم تكن سهلة في مراحلها الأولى، إذ تطلب الأمر وقتًا طويلًا وجهودًا متواصلة لتغيير هذه الصورة النمطية، سواء من خلال إثبات القدرات الفنية والبدنية للاعبات، أو عبر تحقيق نتائج إيجابية في المنافسات، ومع مرور الوقت، بدأت ملامح التحول تظهر بشكل واضح، حيث شهدت الساحة الرياضية انتشارًا ملحوظًا لأكاديميات التايكواندو في مختلف محافظات سلطنة عمان، ما أسهم في توسيع قاعدة الممارسات لهذه اللعبة، وزيادة الإقبال النسائي عليها.
وأشارت الصلطية إلى أن هذا التوسع انعكس إيجابًا على مستوى المنتخبات الوطنية النسائية، مؤكدة أن المنتخب النسائي الحالي التايكواندو بات منافسا قويا في البطولات الخارجية، وحقق حضورا لافتا من خلال حصد المراكز المتقدمة والجوائز، الأمر الذي أسهم في تعزيز الثقة المجتمعية بقدرة المرأة على التميز في الألعاب القتالية، وأضافت أن هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الإصرار والدعم المؤسسي، إلى جانب وعي اللاعبات وأسرهن بأهمية الرياضة في بناء الشخصية والانضباط والثقة بالنفس.
وخلال الجلسة، اقترحت الصلطية ضرورة إقامة برامج توعوية وتثقيفية متخصصة في الألعاب القتالية، تستهدف المجتمع بمختلف فئاته، وتركز على إبراز الفوائد البدنية والنفسية لهذه الرياضات، ودورها في تمكين الفتيات وتعزيز قدراتهن على الدفاع عن النفس وبناء القوة الذهنية، وأكدت أن مثل هذه البرامج تمثل خطوة أساسية لمواجهة النظرة السلبية، وتكريس ثقافة رياضية أكثر انفتاحًا وعدالة، تتيح للفتيات اختيار الرياضة التي تناسب ميولهن وقدراتهن دون قيود.
تكامل رياضي صحي
وتضمنت الجلسة إقامة ورشة متخصصة في الإسعافات الأولية قدمتها الدكتورة أفراح الجابرية من دائرة الطب وعلوم الرياضة بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وذلك في إطار تعزيز الجوانب الصحية المصاحبة للأنشطة الرياضية، وهدفت الورشة إلى تزويد المشاركات بالمعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الحالات الطارئة والإصابات الرياضية المحتملة، بما يسهم في رفع مستوى الوعي الصحي وضمان سلامة الممارسات الرياضية.
وأكدت الورشة أهمية تكامل الجانب الصحي مع الجانب الرياضي، وضرورة امتلاك المدربات والإداريات والعاملات في المجال الرياضي للحد الأدنى من مهارات الإسعافات الأولية، لما لذلك من دور في التقليل من مضاعفات الإصابات، وحماية اللاعبات، والتصرف السليم في المواقف الطارئة إلى حين وصول الفرق الطبية المختصة.