الرياضية

النرويج وبريطانيا في صدارة اليوم الأول لبطولة العالم للإبحار الشراعي لذوي الإعاقة

أشادة عالمية بالتنظيم والمستوى الفني للبحارة المشاركين

 

المصنعة - عامر الأنصاري
في أجواء أشعلها حماس ذوي الإعاقة القادمين من 37 دولة عربية وأجنبية، انطلقت منافسات الجولة الأولى من بطولة العالم للإبحار الشراعي للأشخاص ذوي الإعاقة، الحدث الأول من نوعه في العالم الذي يأتي باستضافة سلطنة عُمان بتنظيم مؤسسة عمان للإبحار والاتحاد الدولي للإبحار، ويعد الحدث الأول من نوعه لما تتضمنه البطولة من إشراك مختلف أنواع الإعاقات، منها الذهنية والجسدية تحت مظلة واحدة.
وانطلقت منافسات اليوم الأول بجولات أربعة سباقات أمس الخميس، وهي سباقات قوارب 'آر.إس.فينشر'، وقوارب 'هانسا 303'، وقوارب إلكا 6، وقوارب 'فار.إيست'. وكانت أجواء السباق في ولاية المصنعة، حيث منتجع بارسيلو الحاضن لمدرسة المصنعة للإبحار الشراعي مستضيفة البطولة، مثالية لإقامة السباقات الأربع بجولاتها المتعددة، حيث بلغت سرعة الرياح حوالي 7 عقد، ما يعد ضمن الحدود المسموحة بها لإقامة المنافسات.
بعد جولات امتدت الساعة العاشرة صباحا وانتهت في حدود الساعة الخامسة مساء اليوم، خلصت لجان التحكيم المتعددة، بعد المشاورات ومراجعة القرارات، خلصت بنتائج منافسات اليوم الأول بفوز الفريق النرويجي المكوّن من 'هنرييت سميث' و 'سولفريد ليندهييم كفينسلاند' بصدارة سباقات قوارب 'آر.إس.فينشر' بعد أداء ثابت منحهم الأفضلية منذ الجولة الأولى، وجاء في المركز الثاني جاء الفريق البولندي بمشاركة البحّار 'بيوتر سيخوتشكي' و 'أولغا غورناس غرودزين'، بينما حقق الفريق النرويجي المكوّن من البحّار 'ستايان كريستيانسن' و 'إليوت فينيستراند'.
أما في مسار سباق هانسا 303، الفردية، فقد تمكن البريطاني 'روري ماكينا' من إحكام سيطرته على مجريات السباق وحجز المركز الأول، فيما جاء الياباني 'تاكومي نيوا' في المركز الثاني، والبرتغالي 'جواو بينتو' جاء ثالثًا، في سباق اتسم بالتقارب الكبير بين المتنافسين.
وفي فئة قوارب 'إلكا 6'، كانت المنافسة القوية بين البحّارة المشاركين، حيث تمكن البريطاني 'موري ماكدونالد' من فرض حضوره في صدارة الترتيب، تلاه 'مان هونغ ليونغ' من هونغ كونغ في المركز الثاني، بينما أكمل مواطنه 'تسز هين تشيونغ' المراكز الثلاثة الأولى بعد سباقات شهدت تقاربًا كبيرًا في المستويات.
وأخيرًا، حققت المملكة المتحدة المراكز الثلاثة الأولى في فئة قوارب 'فار.إيست'، وجاء الفريق الذي قاده البحّارة 'لوسي هودجز' أولا بعد أفضلية واضحة في السباق المخصصة للمكفوفين بمشاركة عدد من الأسوياء والاعاقات الأخرى، بينما جاء الفريق بقيادة 'كارل هاينز' ثانيًا، والفريق بقيادة 'فيكي شين' في المركز الثالث.
كما شهد اليوم الأول حضورًا إيجابيًا من البحّارة المشاركين الذين أشادوا بالتنظيم وجودة الخدمات، من بينهم البحّار الأمريكي ديلان يونج الذي عبّر عن إعجابه بالمستوى الاحترافي الذي تقدمه البطولة، واصفًا التجربة بأنها 'استثنائية في كل تفاصيلها'، معبرًا عن تقديره لسهولة الوصول وسلاسة الحركة داخل مرافق البطولة.
أشادة بمستوى التنظيم
بعد ختام سباقات اليوم، أعرب البحّار البرتغالي جواو بينتو عن إشادته بمستوى التنظيم وظروف الإبحار في المصنعة، مؤكداً أن البطولة توفر بيئة مثالية للتنافس. وقال: 'الأجواء هنا في المصنعة ممتازة، والتنظيم يتم وفق أعلى المعايير، ما يضمن عدالة المنافسة بين جميع الرياضيين. تنوّع الظروف البحرية يمنحنا تحدياً إيجابياً، ويسهم في توحيد معايير المشاركة، وهو ما يعكس بوضوح رؤية البطولة في تعزيز الشمولية وتمكين الرياضيين من الأشخاص ذوي الإعاقة'. كما أشاد بينتو بالمرافق والخدمات المقدّمة للبحّارة، قائلاً: 'جميع المرافق مجهّزة بعناية لتلبية احتياجات الرياضيين من ذوي الإعاقة، وكل التفاصيل التنظيمية مراعية لمعايير الوصول ومتطلبات التنافس. الجهود الكبيرة المبذولة واضحة، والبطولة تقدم نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الفعاليات العالمية من حيث الاحترافية والاستعداد'. وحول تطلعاته للسباقات المقبلة، قال: 'كل بحّار يطمح للصعود إلى منصة التتويج، وهذا ما يجعل المنافسة قوية ويحفّزنا على تقديم الأفضل. سأعمل بكل طاقتي لتحقيق مركز متقدم، لكن الأهم هو الأداء داخل مسار السباق. نأمل أن تحمل الأيام القادمة نتائج مميزة للجميع'.
حكايات ملهمة
المتأمل لطبيعة البطولة ينتابه شعور بالفخر والاعتزاز حين رؤية أشخاص من ذوي الإعاقة يملأهم الحماس والإصرار، تشاهد في عيونه روح التحدي، روح متقدة تخبئ ورائها حكايات آسرة تدفع بالإنسان الطبيعي نحو اليقين بأن الصعوبات مهما كانت فإنها تتذلل إذا ما كانت المسؤولية حاضرة والإيمان متقدا، وقف يقضان الشكيلي الإعلامي في مؤسسة عمان للإبحار خلف عدد من التجارب الملهمة للأشخاص ذوي الإعاقة المشاركون في هذه البطولة، ليرصد حكايات متعددة سردها المشاركون بابتسامة مشرقة تعكس روحهم كذلك.
فهذا المتسابق حسن بن حيدر اللواتي، الذي ولد بإعاقة حركية تمثّلت في فقدان يده اليمنى وتشوهات خلقية في القدمين، ومع اللحظات الأولى لولادته، أخبر الأطباء والده – رحمه الله – بأن ابنه لن يتمكن من المشي مطلقاً، بل واقترحوا بتر قدميه كحلٍ لتجنب مضاعفات محتملة، لكن الوالد رفض هذا الحكم المبكر رفضاً قاطعاً، وقال بثقة وإيمان: 'مستحيل سنبحث عن علاج، ولن نستسلم'.
ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة طويلة من البحث عن أطباء من داخل عُمان وخارجها، وتعددت المحاولات الجراحية والعلاجية، ومع كل محاولة، كان الأمل يتجدد. وبعد سنوات من التحدي، استطاع حسن أن يمشي لأول مرة وهو في الرابعة من عمره—لحظة غيرت مجرى حياته إلى الأبد، ولم ينسَ والده تلك الكلمات التي قيلت في بدايات حياته، فأخذه إلى الطبيب ذاته الذي أوصى ببتر قدميه، وقال له: 'هذا هو الطفل الذي كنت ترى أنه لن يمشي يوماً'.
من هنا بدأت انتصارات حسن، بل لم تتوقف عند حدود تجاوز التوقعات الطبية، فقد واصل تعليمه حتى حصل على درجة البكالوريوس، وعندما بدأ رحلة البحث عن عمل مثل أي شاب طموح، واجه سلسلة من الرفض، بعضها وصل لدرجة التشكيك في قدراته الأساسية، حيث سأله أحد مسؤولي التوظيف: 'هل تستطيع القراءة والكتابة؟' فأجاب بثقة: 'لديّ شهادة بكالوريوس'.
ورغم ذلك، رُفض طلبه لكنّ رفض تلك الوظيفة كان من حسن حظه كما يقول، ففي إحدى المؤسسات، مُنح فرصة تدريب لمدة شهرين فقط، ليتم تعيينه خلال فترة التدريب تقديراً لالتزامه وجديته. وخلال أربع سنوات، حصل على ثلاث ترقيات متتالية، كما أشار حسن إلى أنه يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية العُمانية للأشخاص ذوي الإعاقة.
ويختصر حسن رسالته في عبارتين موجّهتين للمجتمع وللأشخاص ذوي الإعاقة على حدٍّ سواء: 'لا تنظروا للأشخاص ذوي الإعاقة بعين العاطفة... انظروا إلى قدراتهم وأعطوهم الفرصة لإثبات أنفسهم'، ويقول موجهاً حديثه لرفاقه من ذوي الإعاقة: 'لا شيء اسمه مستحيل. البحر يتسع للجميع... ثابر، اسعَ، وستمضي نحو حلمك مهما بدا بعيداً'.
وبين هدير الأمواج وهدوء الرياح، يقف البحّار السعودي سعد بن علي القحطاني بشغف يشبه ذلك الذي حمله لأول مرة عام 2004 عندما كان واحداً من أوائل لاعبي فئة الليزر في السعودية، لكن الرياح لم تمضِ كما يشتهي، فحادث أصاب يده عام 2009 أجبره على التوقّف عن كل الرياضات التي أحبها، سنوات طويلة مضت دون إبحار، قبل أن يأتيه خبر غيّر مسار حياته، هناك قارب مخصص لذوي الإعاقة هل تودّ تجربته؟ ومنذ أول تجربة على قارب هانسا 303، عاد قلبه إلى البحر، وعاد الشغف الذي ظنّ أنه انتهى. حيث يقول سعد بابتسامة يملأها الأمل 'أحببت البحر من اللحظة الأولى، عدت إلى الهواء، إلى البحر، إلى شغفي. واليوم أعود للمنافسة من جديد'.
ومن المملكة المتحدة، جاء 'رولين ميكانا' بخبرة تمتد أكثر من 12 عاماً في الإبحار. بدأ رحلته حين كان يبحث عن رياضة جديدة، فرأى قارب هانسا 303 وقال بلا تردد: 'أريد أن أجرب هذا'. منذ ذلك اليوم، تغيّرت حياته.
يخبرنا 'رولين' أن التحديات جزء من الرياضة، لكن القوارب المعدّلة تمنح الجميع فرصة عادلة: 'التعديلات صغيرة لكنها تغيّر كل شيء. تجعل الإبحار ممكناً للجميع'. شارك عام 2022 في فئة قوارب 'آر.أس فينشر' وكانت تجربة تعليمية كبيرة وساهمت في تشكيل شخصيته الرياضية. واليوم يعود إلى فئته المفضلة 'هانسا' بعزيمة أكبر.
وأتى من جنوب أستراليا 'كريس سايمون'، الذي بدأ الإبحار في سن العاشرة، ليواصل علاقة عمرها 25 عاماً مع البحر، وفي 2022 خاض سباقه الأول في قوارب 'آر.أس فينشر' دون خبرة سابقة بها هو وطاقم فريقه، لكنه لم يرَ ذلك عائقاً، يقول: 'قضيت 25 عاماً في الإبحار والتكيف مع قارب جديد ليس صعباً حين تكون روحك مرتبطة بالبحر'. وبسبب إعاقته، يجد أن القارب ثنائي الطاقم هو الأنسب لقدراته، لكن ذلك لا يمنعه من التنافس بثقة وخبرة.
وللجانب النسائي حضور في البطولة، وحكاية من ضمن الحكايات الملهمة الكثيرة، ومن إيطاليا تشاركنا 'ألكسندرا' والتي تعرضت لإصابة في الكاحل عام 2021، وقررت بعدها أن تبدأ حياة جديدة. اختارت الإبحار لأنها تحب الرياضات المائية ولأنها وجدت فيه ما لم تجده في أي مكان آخر، تقول: 'عندما أكون في القارب أو على كرسيي المتحرك أشعر بالحرية'. في غضون عامين فقط، أصبحت جزءاً من هذا العالم المذهل الذي يربطها بالطبيعة والبحر ويمنحها ثقة أكبر في ذاتها.
أما إبن بلدها 'دافيدي'، فكان يمارس العديد من الرياضات في طفولته، لكن شيئاً منها لم يلامس قلبه مثل الإبحار، منذ ثمانية أعوام، وقع في حب قارب هانسا 303، ثم جرب فئة قوارب آر.أس فينشر ضمن طاقم قبل أن يعود اليوم إلى فئة قوارب هانسا، القارب الأقرب لروحه. يقول دافيدي: 'البحر بلا قيود... أقرر متى أذهب وإلى أين. أحب أن أكون وحدي في القارب، فهناك أجد نفسي'.
مشاركة إماراتية طموحة
يشارك منتخب دولة الإمارات العربية المتحدة في البطولة في فئتي قوارب إلكا 6 عبر البحّارين مروان سلوم وعمر الحمادي، وقوارب آر.أس فنتشر من خلال البحّارين محمد الزبيدي ومحمد العويسي، حيث أعربت نجوى النعيمي من الأولمبياد الخاص الإماراتي عن سعادتها بمشاركة المنتخب الإماراتي في البطولة، مؤكدة أن الحضور الإماراتي يأتي من أجل تمثيل الدولة والأولمبياد الخاص خير تمثيل، حيث يشارك الفريق في فئتي قوارب إلكا 6 وقوارب آر.أس فنتشر من خلال البحّارين محمد الزبيدي ومحمد العويسي، وفي فئة إلكا عبر مشاركة البحّارين مروان سلوم وعمر الحمادي.
وأضافت النعيمية أن الاستعدادات تمت وفق خطة تدريبية مكثفة بالتعاون مع الاتحاد الإماراتي للشراع ونادي الحمرية، حيث خاض الفريق عدة معسكرات ميدانية هدفت إلى رفع جاهزية اللاعبين وتعزيز قدراتهم قبل خوض المنافسات. وأشارت إلى أن الفريق يمتلك خبرة دولية متراكمة، إذ سبق له المشاركة في الأولمبياد الخاص العالمي – أبوظبي 2019، والأولمبياد الخاص – برلين 2023، إلى جانب المشاركة في أول بطولة إقليمية للشراع بالأولمبياد الخاص التي استضافتها الإمارات عام 2024.
وأشادت نجوى النعيمية بمستوى التنظيم في سلطنة عُمان، مؤكدة أن اللجنة المنظمة وفّرت جميع التسهيلات اللازمة لتمكين الرياضيين من مختلف الإعاقات، الأمر الذي يعكس جاهزية سلطنة عُمان لاستضافة أكبر الفعاليات العالمية. واختتمت حديثها بالقول: 'نتمنى لبحّارتنا تقديم مستويات قوية والظهور بصورة مشرّفة، فالحضور هنا لا يتعلق بالمنافسة فقط، بل يحمل رسالة أعمق تتمثل في دمج وتمكين ذوي الإعاقة وإتاحة الفرصة لهم لإبراز قدراتهم وإمكاناتهم في المحافل الدولية.'
فعاليات موازية
وتعزيزًا للدور الاجتماعي ودعمًا للأسر المنتجة، شهدت الفعاليات المصاحبة للبطولة مشاركة عدد من أصحاب المشاريع من الأشخاص ذوي الإعاقة في ساحة منتجع بارسيلو المصنعة، حيث عرضوا منتجاتهم المتنوعة أمام الزوار والوفود المشاركة، ولاقت هذه المبادرة حضورًا لافتًا وإقبالًا كبيرًا من البحّارة والمسؤولين والضيوف المشاركين، الذين حرصوا على الاطلاع على المعروضات واقتناء بعض المنتجات، في خطوة تعكس روح التكامل بين الجانب الرياضي والبعد المجتمعي للحدث، وتؤكد الحرص على تمكين هذه الفئة وإبراز قدراتها في مختلف المجالات.