أفكار وآراء

أوكرانيا تحتاج إلى الأموال الروسية المجمّدة في أوروبا فورًا

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى فرض استسلام كييف لموسكو تتطلّب اللحظة الحاليّة تتطلّب تحرّكًا أوروبيًا حاسمًا.

لا يزال الهجوم الوحشي الروسي على أوكرانيا مستمرًا؛ فقبل أيام كانت هناك ضربة بطائرة مسيّرة وصاروخ روسي على مبنى سكني في غرب أوكرانيا قتلت ما لا يقل عن 31 مدنيًا. وفي الوقت نفسه تصعّد روسيا حملتها التخريبية في أوروبا حمّلت السلطات البولندية الكرملين مسؤولية انفجار وقع في 15 نوفمبر على خط للسكك الحديدية يُستخدم لنقل الإمدادات إلى أوكرانيا.

وكما قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس مؤخرًا؛ فإن أوروبا «ليست في حرب»، لكنها أيضًا «لم تعد في سلام» مع روسيا.

إن التهديد المتزايد من نظام فلاديمير بوتين التوسعي يستدعي درجة من الحزم والوحدة والقوة كتلك التي دعا إليها تشرشل في التحالف عبر الأطلسي. وبدلًا من ذلك تسود حالة من التردد والارتباك على طريقة نيفيل تشمبرلين على جانبي الأطلسي. الوضع في الولايات المتحدة أكثر إثارة للقلق منه في أوروبا؛ إذ يبدو أن إدارة ترامب تبنّت على الأقل في الوقت الراهن «خطة سلام» من شأنها أن تمنح روسيا نصرًا على طاولة المفاوضات لم تحققه في ساحة المعركة.

لقد تحرّك الأوروبيون وقدموا السلاح والتمويل لأوكرانيا مع جفاف الدعم الأميركي. ولدى الاتحاد الأوروبي خطة للقيام بالكثير عبر إرسال نحو 200 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة إلى كييف على شكل «قرض» يُرجّح ألا يُسدَّد يومًا. وبطبيعة الحال، ونظرًا لفضيحة الفساد الجارية في كييف ستكون هناك حاجة إلى ضمانات بشأن كيفية صرف الأموال، لكن هذا مصدر تمويل حيوي، بل لا غنى عنه يمكن أن يُبقي أوكرانيا صامدة لسنوات. ومع ذلك؛ فإن بلجيكا الصغير حيث تُجمَّد معظم هذه الأموال تتردّد وترفع يديها وتعرقل الخطة. لا توجد خطة بديلة سوى أن ترسل أوروبا الأموال الروسية، وإلا نفدت خزائن أوكرانيا. فلماذا التلكؤ والتأخير؟

أمّا خطة السلام التي طرحها البيت الأبيض الأسبوع الماضي فتتكون من ثمانٍ وعشرين نقطة، وهي ليست سوى قائمة أمنيات عطلات قادمة مباشرة من الكرملين. فهي تتطلّب من أوكرانيا التنازل عن كامل منطقة دونباس حتى الأجزاء التي لم تتمكن القوات الروسية من السيطرة عليها، وأن تقلّص حجم قواتها المسلحة بنحو الثلث.

ولن يُسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو، كما لن يُسمح للناتو بإرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا. وستُجري أوكرانيا انتخابات خلال مائة يوم، وستُحظر «كل الأيديولوجيا النازية»، وهذا تعبير كرمليني يعني إسقاط حكومة زيلينسكي. ولا يُطلَب من روسيا أن تحدّ من حجم قواتها المسلحة أو أن تجري انتخابات؛ فالمطالب كلها موجّهة إلى أوكرانيا. ماذا تحصل أوكرانيا في المقابل؟

ينص مشروع اتفاق منفصل على أنه في حال تجدد العدوان الروسي يمكن للولايات المتحدة أن ترد عبر «القوة المسلحة، والمساعدة الاستخباراتية واللوجستية، والإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية». لكن الولايات المتحدة لن تكون مُلزَمة بالقيام بأي شيء. وستُترك أوكرانيا لتعتمد على تعهّد روسي عديم القيمة بـ«عدم الاعتداء»، وهو تعهّد وعدت به موسكو سابقًا في مذكرة بودابست عام 1994. ليست هذه خطة سلام. إنها مخطّط لاستسلام أوكرانيا.

وإذا نُفّذت فستحوّل هذه الدولة الديمقراطية الموالية للغرب التي تقاوم العدوان الروسي بشجاعة منذ عام 2014 إلى مستعمرة للكرملين.

يبدو أن هذا الاقتراح البغيض طبخ في اجتماعات سرّية بين ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للسلام، وكيريل ديميترييف رئيس الصندوق السيادي الروسي الذي يلوّح بوعود استثمارات روسية مربحة إذا وافقت إدارة ترامب على إنهاء الحرب وفق شروط الكرملين. (يتحدث مشروع الاتفاق عن فرص «متبادلة المنفعة» بما في ذلك الطاقة والذكاء الاصطناعي). لم تُستشَر أوكرانيا ولا أوروبا، وكلاهما يهرع الآن لإسماع صوته في واشنطن. ومع ذلك؛ يضغط البيت الأبيض على أوكرانيا للموافقة قبل عيد الشكر، وإلا فقدت كل ما تبقى من الدعم الأميركي، بما في ذلك على ما يبدو التحذيرات الاستخباراتية الأميركية من إطلاقات الصواريخ والطائرات المسيّرة الروسية. إنها نار جيوسياسية من الدرجة الخامسة، والشيء الوحيد الذي يخفّف من خطورتها هو أن ترامب قد يغيّر رأيه، كما فعل مرارًا في الماضي.

في أغسطس التقى ترامب ببوتين في ألاسكا، وأبلغ القادة الأوروبيين بعد ذلك بأنّ على أوكرانيا التنازل عن الأراضي التي لا تزال تسيطر عليها لصالح روسيا. دفع ذلك القادة الأوروبيين الذين أصابهم الهلع إلى الاندفاع نحو البيت الأبيض، وإقناع ترامب بالتراجع. وبعدها فرض ترامب عقوبات على شركتي النفط الروسيتين «روسنفت» و«لوك أويل»، بل سمح لأوكرانيا لأول مرة باستخدام الصواريخ الأميركية المزوّدة لها لضرب روسيا.

وقد أدّت العقوبات الأميركية إلى جانب هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية إلى تقليص الأموال المتاحة لتمويل آلة الحرب التابعة لبوتين؛ إذ انخفضت عائدات النفط الروسية بنسبة 20 بالمائة خلال الشهر الماضي. حتى الهند بدأت تتخلّى تدريجيًا عن واردات الطاقة الروسية. وسيكون من الحماقة رفع الضغط الآن في اللحظة التي بدأ فيها يؤتي ثماره.

ويزداد الأمر خطورة؛ لأنّ تطورات أخرى حديثة تصبّ في مصلحة روسيا أبرزها فضيحة الفساد التي تعصف حاليًا بزيلينسكي، واحتمال سقوط مدينة بوكروفسك الأوكرانية الشرقية أخيرًا بيد الجيش الروسي بعد حصار طويل ومكلف. ومن منظور بوتين قد تبدو أوكرانيا الآن ضعيفة بما يكفي للرضوخ لمطالبه القصوى. ويبدو أنّ ترامب يعتقد ذلك أيضًا، لكنه وهم.

صحيح أنّ الأوكرانيين أصبحوا أكثر انقسامًا مما كانوا عليه حول قيادة زيلينسكي، وأكثر استعدادًا للتنازل عن بعض الأراضي مقابل السلام، لكنهم ما زالوا متحدين في رفض الاستسلام. اتفاق ويتكوف ـ ديميترييف هو «سلام المنتصر»، لكن أوكرانيا لم تُهزم؛ فالجيش الروسي بالكاد تقدّم منذ عام 2022، وبثمن بلغ نحو مليون إصابة بين قتيل وجريح. غير أنّ استعداد إدارة ترامب لصنع السلام وفق شروط الكرملين لا يؤدي إلا إلى رفع آمال بوتين بأنّه قادر على الفوز في هذه الحرب في نهاية المطاف.

وهذا أسوأ إشارة يمكن إرسالها في وقت لم يكن فيه التهديد الروسي لأوروبا أكثر وضوحًا أو أكثر إثارة للقلق؛ فهو يجعل احتمال اندلاع حرب أوسع مع روسيا أكبر، لا أصغر. على أوروبا أن تردّ على سياسة الاسترضاء التي ينتهجها ترامب عبر الإسراع في إرسال الأموال الروسية المجمّدة إلى أوكرانيا دون تأخير.

ماكس بوت: كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب «ريغان: حياته وأسطورته» الذي اختارته صحيفة نيويورك تايمز ضمن أفضل عشرة كتب لعام 2024