منوعات

"عين ثالثة".. الفنُّ بوصفه فعلاً معرفياًّ

 

عمّان 'العُمانية': يؤكد معرض 'عين ثالثة' المقام على جاليري المشرق ويستمر حتى 4 ديسمبر المقبل على حضور الفنان التشكيلي الأردني محمد العامري بوصفه أحد أبرز الأصوات التشكيلية على الساحة العربية على مدى عقود.
ويعكس المعرض الثيمات التي طبعت تجربة الفنان التي تتسم بالجماليات البصرية والأبعاد الفلسفية العميقة، مقدمةً الفنَّ في كل محطة من محطاتها بوصفه فعلاً معرفياًّ وتجربة حسّية ورحلة داخلية تحتاج إلى رؤية بعيدة المدى وعين ثالثة تقرأ ما يكمن خلف الخطوط والألوان والكثافة والشفافية والظل والضوء.
ويشرح عنوان المعرض بشكل واضح ما تعنيه المغامرة البصرية والروحية التي تتجاوز حدود المشاهدة التقليدية السطحية، وتدعو المتلقي للنظر بتأنّ وعمق إلى ما تحت تلك الطبقات اللونية ليتوصل إلى ما تنطوي عليه من دلالات وأفكار.
كما يشير العنوان إلى 'البصيرة' والسعي لأن نرى ما وراء الشكل واللون وما يتجاوز الحضور المادي للعالم، فـ 'العين الثالثة' هي بمثابة نافذة نحو الداخل، باطن الأشياء الذي يُستدَلّ عليه بالحدس والشعور.
وتتجه أعمال العامري في المعرض نحو التجريب، معتمدةً على تقنيات الأكريليك التي تتراكم عبر طبقات يتم في بعضها خدش السطح أو كشطه؛ فتظهر الأشكال كما لو أنها نُحتت، وهذا دلالة على رغبة الفنان في حفر المعنى داخل طبقات اللون، وساعده في تحقيق ذلك تجاورُ الطبقات اللونية وتناوب كثافتها واختلاف عمق الحفر فيها بين موضع وآخر، كأنما هي دعوة صريحة للمشاهد لينظر أو ربما لينقّب عن الجوهر الحقيقي المختفي في الداخل.
ويبتعد العامري في أعماله عن تقديم موضوعات محددة أو مناقشة قضايا بعينها بصورة مباشرة، ويقترب من التجريد، حيث يتشابك الخط باللون والفراغ في علاقة معقّدة تشبه الحوار أو الصراع الهادئ بين العناصر البصرية، ورغم هذا الأسلوب التجريدي إلا أن أعماله أيضاً تنطوي على روح شعرية تنعكس في كل منها بطريقة ما، سواء من خلال اختيار الألوان، أو من خلال الإيقاع الداخلي للتكوين، فكل لوحة هي في حقيقتها قصيدة لونية تنفتح على الدلالات وتميل إلى المجاز وتتجه نحو التلميح، بحساسية عالية تلامس الجانب الإنساني؛ ما يجعلها قابلة للقراءة على مستويات متعددة، سواء من حيث التكوين أو من حيث رمزية اللون.
جدير بالذكر أن اللون الأسود يحضر بشكل ملفت في الأعمال المعروضة، والمفارقة أنه لا يمثل العتمة أو الظلام، بل البؤرة التي ينبعث منها الضوء، والنقطة التي ترتكز عليها جميع عناصر التكوين، لهذا يبدو الأسود عنصراً نابضاً بالحياة ومتفاعلاً بديناميكية مع بقية الألوان؛ تنبثق منه ثم تعود إليه كما لو أنها تتحرك عبر مدارات لا نهائية.