رأي عُمان

نجاحات الطب في عُمان وحمايتها من الأخطار

 

يشهد القطاع الطبي في سلطنة عُمان تقدما مطردا، ليس على مستوى البنية الأساسية، ولكن على مستوى الكفاءة الطبية. وهذا الأمر نتاج سنوات طويلة من العمل والإعداد والتأهيل للكوادر الطبية على أعلى المستويات. وهو أيضا، نتاج وضع الكوادر الطبية على أحدث ما توصل له العالم من تقنيات وأساليب ومكتشفات عبر تنظيم المؤتمرات المتخصصة التي يدعى لها كبار العلماء والأطباء من مختلف دول العالم لاستعراض تجاربهم وفتح حوارات متخصصة من الأطباء في المستشفيات العمانية.

ولذلك عندما نقرأ أخبارا عن إجراء عمليات نوعية وغير مسبوقة فإن الأمر لا يبدو غريبا وإنما منسجم مع الخطط الاستراتيجية للقطاع الطبي والتي بدأت منذ سنوات طويلة.

ودخل الروبوت الجراحي إلى غرفة العمليات في المستشفى السلطاني، في خطوة نوعية من مسار متدرّج لبناء طب عُماني حديث، يعتمد على الدقة، ويستثمر في الكفاءات الوطنية، ويتجاوب مع أعلى ما وصلت إليه المعرفة الطبية في العالم. والعملية الأولى الناجحة التي أعلن عنها المستشفى السلطاني في جراحة المسالك البولية باستخدام الروبوت نقرأ باعتبارها مؤشرا على تحول نوعي في آليات تقديم الخدمة الصحية في سلطنة عُمان.

وفي عالم الطب تقاس التحولات بالتقنيات الجديدة ودورها في سلامة المرضى وجودة الحياة بعد إجراء العملية الجراحية. ومعروف أن الجراحة الروبوتية تقلّل حجم الشقوق الجراحية، وتحدّ من فقدان الدم، وتسرّع التعافي، وتمنح الجرّاح رؤية ثلاثية الأبعاد وتحكما دقيقا في أكثر المناطق حساسية؛ وهذا من شأنه أن يقلل المضاعفات، ويقلل كذلك عدد أيام التنويم، وتوجيه الموارد الصحية إلى ما هو أبعد من معالجة آثار التدخل الجراحي ذاته.

ومن حق المؤسسة الصحية في عُمان أن تحتفي بهذا الإنجاز وغيره من الإنجازات المشابهة فهو يأتي في سياق منظومة يتجاوز دورها توفير الأجهزة المتقدمة، إلى إعطاء إعداد الكوادر الطبية والفنية أولوية كبرى. وتعمل على تدريبهم وتأهيلهم من منطلق أن الروبوتات بلا أيد خبيرة تتحول إلى جهاز معطل لا قيمة له، أما حين يرتبط ببرامج تدريبية مستدامة، وزمالات تخصصية، وشراكات مع مراكز مرجعية عالمية، فإنه يضع سلطنة عُمان على خارطة الجراحة الذكية في المنطقة.

يتطلّب هذا التقدم أيضا شفافية في عرض النتائج والتحديات. فالقطاع الطبي الرائد هو الذي يعلن نجاحاته بمثل ما يعلن دروسه المستفادة، ويربط كل تقنية جديدة بمؤشرات لقياس الجودة، ونسب الأمان، وتجربة المريض، والتكلفة الاقتصادية على المدى البعيد.

إن ما يحدث اليوم في المستشفى السلطاني وغيره من المؤسسات الصحية في سلطنة عُمان ينسجم مع روح «رؤية عُمان 2040» التي تعطي الإنسان والمعرفة أولوية كبرى. لكن لا بد من المحافظة على مثل هذه الإنجازات عبر حمايتها من ثلاثة أخطار: أولا، الاكتفاء بالإنجاز الرمزي دون تعميقه، إغفال بناء الكفاءات الوطنية التي تدير هذه التقنيات، وتأخر ربط هذه الخطوات ببيئة بحث علمي رصينة. تجاوز هذه الأخطار هو الذي سيحدد ما إذا كانت عملية الروبوت الأولى ستُقرأ بعد سنوات كتفصيل عابر، أم كعلامة على ولادة مرحلة جديدة لطب عُماني متقدم، آمن، وواثق، وقادر على أن يكون مرجعا للمنطقة.