نساء نزوى يصنعن التحوّل بإصرار ووعي
حضور متزايد في المشهد الاقتصادي والثقافي
الثلاثاء / 12 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 16:00 - الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 16:00
تشكّل المرأة في نزوى حضورًا متجذّرًا ومتجددًا في آنٍ واحد؛ فهي امتدادٌ لدورٍ تاريخيٍ عرفته المدينة منذ قرون، حين كانت مركزًا للعلم والفكر والتجارة؛ ومع تحوّل المشهد التنموي في العقود الأخيرة، برزت المرأة في نزوى كشريكٍ أساسي في الحراك الثقافي والاقتصادي، تمارس دورها في ميادين متعددة تجمع بين الطموح والهوية؛ في الأسواق والحرف والمشاريع الصغيرة، تتجلّى بصمة النساء في تنشيط الاقتصاد المحلي، حيث لم تعد مشاركتهنّ تقتصر على الجانب الحرفي أو المنزلي، بل امتدت إلى ريادة الأعمال وإدارة المبادرات الإنتاجية والثقافية.
أما في المشهد الثقافي، فبرزت المرأة ككاتبةٍ وشاعرةٍ ومربيةٍ ومشرفةٍ على فعالياتٍ تسهم في تعزيز وعي المجتمع، وإحياء الذاكرة التراثية للمدينة؛ إذ تجاوزت تجربة المرأة في نزوى حدود التمثيل الرمزي، لتصبح جزءًا من حركةٍ واقعيةٍ تشهدها الولاية في مختلف المجالات، مدفوعةً ببيئة تعليمية ومجتمعية داعمة، وبإيمانٍ متزايدٍ بقدرتها على الإسهام في التنمية المستدامة، دون أن تتنازل عن قيمها الأصيلة وارتباطها العميق بالمكان تمتد بصمتها في تفاصيل الحياة اليومية، مؤكدة أن نزوى، مدينة العلم والثقافة، لا تزال تنجب نماذج نسوية تسهم في صناعة التحول؛ وفي هذا الاستطلاع نتعرّف على الأدوار التي تقوم بها المرأة في نزوى وتنوّع نشاطها وحضورها في مختلف الجوانب.
دعم ريادة الأعمال
تؤكد رحمة بنت محمد الحراصية -المدير المكلّف بتسيير أعمال إدارة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمحافظة الداخلية، أن الهيئة تولي اهتمامًا خاصًا بالمشاريع النسائية في نزوى نظرًا لتنوعها وتزايد عددها خلال السنوات الأخيرة. وقالت: 'تشهد ولاية نزوى حضورًا متناميًا وملموسًا للمرأة في قطاع ريادة الأعمال، حيث أصبحت المرأة اليوم شريكًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية المحلية، نلمس من خلال الإحصائيات وعدد السجلات التجارية ارتفاعًا مستمرًا في نسبة المشاريع النسائية خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بوعي أكبر لدى المرأة بأهمية العمل الحر ودعم المؤسسات الحكومية لها؛ كما ساهمت البرامج التدريبية والمبادرات التي تقدمها هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة) في تمكين العديد من رائدات الأعمال من تحويل أفكارهن إلى مشاريع قائمة ومؤثرة في المجتمع'.
وتضيف أن البرامج التدريبية والمبادرات التي تقدمها الهيئة أسهمت في تمكين العديد من رائدات الأعمال من تحويل أفكارهن إلى مشاريع قائمة ومؤثرة في المجتمع، مشيرة إلى أن المجالات التي تتجه إليها المشاريع النسائية تتنوع بين الأصالة والابتكار؛ فمن الحرف والصناعات التراثية إلى مجالات الأغذية والتجميل والتصميم والأزياء، إضافة إلى المنتجات الطبيعية والعطرية؛ وفي السنوات الأخيرة برز اهتمام واضح بريادة الأعمال الرقمية، حيث بدأت رائدات الأعمال في دخول مجالات التجارة الإلكترونية وإدارة المحتوى والخدمات التقنية البسيطة، مما يعكس تطور الفكر الريادي لدى المرأة العُمانية.
وتتابع الحراصية أن الهيئة تعمل على دعم رائدات الأعمال من خلال التدريب والتأهيل والاستشارات المتخصصة، إضافة إلى المشاركة في المعارض التسويقية والتسهيلات التمويلية بالتعاون مع بنك التنمية العُماني. وتوضح أن أبرز التحديات تتمثل في محدودية الخبرة في التسويق الرقمي وصعوبة الوصول إلى الأسواق والتوفيق بين المسؤوليات الأسرية والعمل الريادي، مؤكدة أن الهيئة تسعى لتقليل هذه التحديات عبر مبادرات نوعية وبرامج موجهة خصيصًا للمرأة الريادية.
وتختم بقولها: نحن متفائلون بمستقبل المؤسسات النسائية في ظل التحول الرقمي؛ فالمرأة العُمانية أثبتت قدرتها على التكيّف السريع مع التغيرات؛ التحول الرقمي يفتح آفاقًا جديدة لتسويق المنتجات محليًا وعالميًا بتكلفة أقل وجهد أيسر، ونعمل على تمكين رائدات الأعمال في هذا الجانب من خلال ورش التجارة الإلكترونية وبناء العلامة التجارية عبر الإنترنت.
تقول الحراصية: رسالتي الأخيرة لكل امرأة طموحة أن تؤمن بقدراتها، فكل فكرة صغيرة يمكن أن تتحول إلى مشروع ناجح إذا صاحبها الإصرار والتخطيط الصحيح، فبيئة ريادة الأعمال في سلطنة عُمان اليوم خصبة ومليئة بالفرص، ونحن كهيئة مع جميع شركائنا في منظومة ريادة الأعمال نقف إلى جانب كل امرأة تسعى لأن تكون مؤثرة ومبدعة في مجتمعها، إذ نؤمن أن المشروعات النسائية ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي مساهمة في بناء وطن متجدد ومتوازن يقوم على مشاركة الجميع في التنمية.
دعم المجتمع المحلي
وتشارك في الحديث زينب بنت علي بن سعيد أمبوعلي رئيسة جمعية المرأة العُمانية بنزوى، فتستعرض دعم المجتمع المحلي للمرأة الريادية قائلة: في نزوى يبرز دعم المجتمع المحلي بشكل واضح ومتنامٍ، لا سيما من خلال الإقبال الكبير على منتجات الأسر المنتجة في المعارض والمناسبات الوطنية؛ وقالت: جمعية المرأة العُمانية بنزوى أسهمت في تعزيز هذا الدعم عبر تنظيم فعاليات دورية، وتسويق منتجات العضوات في مختلف المحافل وهناك وعي جميل يتزايد بين أفراد المجتمع بأهمية تمكين المرأة اقتصاديًا، وقد أصبح لمنتجات النساء في نزوى قيمة وجودة تفرض احترامها وتستقطب الثقة.
وعن نظرتها لمستقبل المشاريع الريادية النسائية في نزوى قالت رئيسة الجمعية: مستقبل المشاريع النسائية في نزوى واعد ومشرق، خاصة مع استمرار الدعم من الجهات الرسمية مثل هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتواجد منصات مثل الجمعية التي تحتضن الأسر المنتجة وتوفر لهن بيئة تطوير وتدريب؛ فالجمعية تُعد منصة انطلاق للكثير من النساء اللواتي بدأن من الصفر وأصبحن اليوم صاحبات علامات تجارية محلية ناجحة، فالتحديات قائمة، نعم، لكن بالإصرار والتمكين ستتحول كل العقبات إلى فرص للنمو والتميز.
رائدات أعمال
ننطلق إلى نماذج من رائدات أعمال شققن طريقهن، حيث تبدأ إيمان بنت سعيد الشيبانية رائدة أعمال في مجالات التصميم والطباعة، حيث كانت البداية عن الدافع لتأسيس المشروع، إذ أفادت بالقول: كانت لدي رغبة قوية في أن يكون لي مصدر دخل خاص ثانوي يعكس شغفي وموهبتي، أمتلك العديد من المواهب منذ أيام الدراسة، وأردت تحويلها إلى مشروع حقيقي بدل أن تبقى مجرد هواية فقط، وبلا شك ولايتي تستحق أن أضع فيها بصمة حقيقية في ريادة الأعمال النسائية الناجحة.
وحول تقييّمها لدعم المجتمع المحلي للمرأة الريادية قالت: أرى أن الدعم يتزايد بشكل واضح، فالمجتمع أصبح أكثر وعيًا وتقبّلًا لفكرة أن تكون المرأة صاحبة مشروع، والكثير من الأسر والمستهلكين يحرصون على دعم ومساندة إبداعات الريادة النسائية، كذلك الجهات الرسمية داعمة بشكل كبير في تقديم برامج تدريبية وفرص عرض للمنتجات، وأيضا هناك اتفاقيات تعاون بيننا في تمويل بعض المؤسسات الرسمية بالاحتياجات اللازمة في نطاق مشروعي، وهذا يشجعنا على الاستمرار والتوسع.
وتطرّقت الشيبانية قائلة: أبرز التحديات التي نواجهها في التسويق أو التمويل قالت: التسويق هو التحدي الأكبر، خاصة في الوصول إلى جمهور أوسع خارج الولاية، ولكن كانت منتجاتنا هي من تسوق لنا وذلك بناء على جودتها والاهتمام بأدق التفاصيل التي ترضي المستهلك، كما أن التمويل يمثل صعوبة بسيطة جداً، مختتمة الحديث بالقول: لم ألجأ يوماً لطلب التمويل، بل كنت أنمو على أرباح المشروع إلى أن وصلت لهذه المرحلة من النجاح ولله الحمد.
من فكرة إلى تجربة قيادية
بينما تتحدّث رائدة الأعمال مروة بنت مال الله الحاج جمعة الزدجالية التي تدير مركز سند للخدمات منذ ما يزيد على عشر سنوات وعضوة ونائبة الرئيسة للجنة صاحبات الأعمال بغرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الداخلية قائلة: رغبتي في الاستقلال المالي وتحقيق ذاتي كانا الدافع الأول لبدء مشروعي كرائدة أعمال، كنت أطمح لتحويل شغفي إلى مصدر دخل، كما أنني أردت أن أكون نموذجًا يُحتذى به للمرأة العُمانية في مجتمعي، أسست مكتب سند للخدمات واخترت أن يكون في نزوى باعتبارها المركز الإداري للمحافظة وما تشهده من توسّع وتطوّر في الجانب الاقتصادي ووجود محفّزات للاستمرارية، الأمر الذي أسهم في تحقيق طموحاتي وتلبية تطلعاتي.
وقالت في معرض ردّها على تقييّم دعم المجتمع المحلي للمرأة الريادية في نزوى: الدعم يتطور بشكل إيجابي، خصوصًا في السنوات الأخيرة؛ وهناك وعي أكبر بدور المرأة العُمانية في الاقتصاد، وتقديرا لمساهمتها في هذا المجال وتوفيرا لمقوّمات النجاح، مضيفة أن الجهات الحكومية والهيئات المعنية تقدّم برامج وتمويلًا، لكن ما زلنا بحاجة إلى المزيد من التشجيع من بعض فئات المجتمع التي لا تزال ترى ريادة الأعمال مجالا صعبا.
وتحدّثت الزدجالية عن أبرز التحديات التي تواجه نشاطها وخاصة في التسويق أو التمويل فقالت: في التسويق، أبرز التحديات هي الوصول إلى الفئة المستهدفة بشكل فعّال وسط المنافسة القوية، خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ أما في التمويل، فالصعوبة تكمن في الشروط التي تفرضها بعض الجهات الممولة، مثل الضمانات في دراسة الجاهزية، حيث تتطلب الإجراءات ترك المشروع لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع.
وتختتم حديثها بالتطرّق لمستقبل المشاريع النسائية بنزوى، فقالت: تمتلك الولاية جيلاً جديداً من النساء الطموحات والمبدعات اللاتي يقدمن أفكارًا نوعية؛ مع الدعم المستمر من الجهات الحكومية، وتوفير التدريب والتمويل المناسبين، أعتقد أن المشاريع النسائية في نزوى ستُسهم بشكل ملموس في تنمية الاقتصاد المحلي وتعزيز مكانة المرأة وتُبرز هذه الرؤية حجم التحوّل الذي تشهده نزوى في تمكين المرأة اقتصاديًا، إذ لم تعد المشاريع النسائية مجرد مبادرات فردية، بل أصبحت جزءًا من منظومة تنموية أوسع تُسهم في تحريك الاقتصاد المحلي وتنويع مصادر الدخل.
صوت المشهد الأدبي والفني
الحراك النسوي في نزوى يتكامل مع وعيٍ ثقافيٍ متنامٍ يمنح المرأة حضورًا فاعلًا في المشهد الاجتماعي والفكري للولاية. فمع هذا التقدّم في المجال الاقتصادي، يوازيه نشاطٌ ثقافيٌ تقوده نساء نزوى في الأدب والفن والمعرفة، ليؤكدن أن تمكين المرأة لا يقتصر على الاقتصاد، بل يشمل صياغة الوعي المجتمعي وتعزيز الهُوية الثقافية للمدينة؛ وتوضح إيمان بنت سعيد الديهنية مدربة معتمدة وموجهة فعّال في التحفيز والتطوير الشخصي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن المرأة المثقفة في نزوى أصبحت نموذجًا للتأثير المتوازن بين الفكر والعمل، وتقول: المرأة في نزوى لم تعد متلقية للثقافة بل صانعتها؛ تكتب، وتبادر، وتتطوع، وتشارك في رسم المشهد الثقافي بروح من الوعي والمسؤولية.
وتضيف: في المحاضرات والورش التي أقدّمها، ألمس نضجًا فكريًا واضحًا لدى المرأة العُمانية وقدرتها على التعبير عن ذاتها بثقة ووعي. هي اليوم لا تبحث عن مساحة حضور، بل تصنعها بنفسها وتقدّم نموذجًا مُلهمًا للأجيال القادمة.
وحول التحديات، ترى الديهنية أن العقبات لم تعد عائقًا بل حافز للتطور، موضحة أن التحدي الحقيقي هو في إدارة الظهور الإعلامي بذكاء وتأثير، مضيفة أن المرأة المثقفة بحاجة إلى أن ترى في الإعلام منصة رسالة لا منصة شهرة. فالإبداع لا يولد من الظروف بل من الإيمان الداخلي بالقدرة على التغيير والتأثير.
وتختم حديثها قائلة: الحراك الثقافي في نزوى أحدث نقلة جميلة في وعي الفتيات وطموحاتهن. أصبحت الثقافة مصدر إلهام وطاقة إيجابية، وأرى جيلًا من الفتيات أكثر ثقة ووعيًا وسعيًا لصنع الفرق في المجتمع من خلال الفكر والفن والرسالة الإنسانية.