المحافظات

السدود الأهلية.. تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القرى الجبلية

تبحث تطوير استراتيجيات تسويقية لتعزيز السياحة المائية

 

حوار - فاطمة الحديدية
يتفاوت هطول الأمطار بشكل كبير بين محافظات سلطنة عُمان؛ ففي المحافظات الشمالية، يتراوح المتوسط السنوي بين 100 و120 ملم، بينما يتراوح في المحافظات الجنوبية عادة بين 70 و80 ملم، أما في المناطق المتأثرة بالخريف، فيتراوح المتوسط السنوي بين 90 و105 ملم، ويصل إلى أعلى تركيز له خلال أشهر الصيف. وهذا المعدل قليل جدًا مقارنة بالمساحة الجغرافية لسلطنة عمان، فبرزت مشكلة شح المياه في بعض المناطق. وتأتي السدود المائية في سلطنة عمان بنوعيها: الحكومية والأهلية كحل لهذه المشكلة بالإضافة لكونها مصدرًا للتغذية الجوفية.


ومن هذا المنطلق؛ أجرت 'عُمان' حوارًا مع الدكتور علي بن محمد الحامدي الرئيس التنفيذي لشركة أزر القابضة وعضو مجلس الإدارة في الجمعية العمانية للمياه وعضو مجلس إدارة جمعية علوم وتقنية المياه الخليجية، حول تأثير الإدارة المؤسسية للسدود الأهلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (النمو الاقتصادي، والاندماج الاجتماعي، وحماية البيئة) بالقرى الجبلية في محافظات شمال الباطنة والظاهرة والداخلية بسلطنة عمان.
ماهية السدود الأهلية
تحدث الحامدي في البداية حول تعريف السدود الأهلية وأهميتها فقال: السدود الأهلية هي سدود صغيرة أو متوسطة الحجم تُقام في المناطق الزراعية أو الجبلية، ويساهم الأهالي في تشييدها وصيانتها بالإضافة إلى دعم الشركات والجهات الحكومية المختصة، وتكون تحت إشراف وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لضمان سلامة التصميم والإنشاء. وقد تكون سدود تخزين لتجميع المياه في بحيرات خلف السد، أو سدود تغذية جوفية تسمح بتسرب المياه إلى باطن الأرض، أو سدود تحويلية لتحويل مجرى السيول نحو المزارع أو العيون.
أهداف الدراسة
هدفت الدراسة التي أجراها الحامدي إلى وضع تعريف اصطلاحي للسدود الأهلية، والتي عرفها بـ'سدود تخزين سطحي صغيرة تكون عادة في القرى والمناطق الجبلية، ويتم إنشاؤها لأجل توفير مورد مائي مستدام لتعزيز مصادر المياه من آبار وأفلاج في القرية التي يخدمها ذلك السد، ويتم بناؤها بإشراف وتصميم حكومي وتمويل مجتمعي، ولا تختلف هذه السدود في تصميمها وإنشائها عن سدود التخزين السطحي التي يتم إنشاؤها بالكامل عن طريق الحكومة'.
واستخدم الحامدي في دراسته المنهج البحثي الخاص بدراسات الحالة الفردية؛ حيث استهدف 42 سدًا أهليًا منها 17 سدًا في محافظة الظاهرة، و14 سدًا في محافظة الداخلية، و11 سدًا في شمال الباطنة، وذلك لجمع بيانات جغرافية، وهيدرولوجية، فنية، واقتصادية، واجتماعية. كما استخدم المنهج الوصفي التحليلي، واستخدم استبيانًا لعينة من 244 فردًا من مجتمع الدراسة منهم 85 مختصًا ومهتمًا بقطاع المياه.
التوصيات
أظهرت نتائج الدراسة فاعلية الإدارة المؤسسية للسدود الأهلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (النمو الاقتصادي بنسبة 84%، والاندماج الاجتماعي 82.6%، وحماية البيئة 81.8%). واقترح الحامدي مجموعة من التوصيات لتعزيز استدامة وكفاءة هذه المشاريع في القرى الجبلية بالمحافظات الثلاث محل الدراسة بسلطنة عمان، وهي: تأسيس مؤسسة وقفية للسدود الأهلية، حيث أوصت الدراسة بإنشاء مؤسسة وقفية خيرية تحت إشراف مشترك بين وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية والجمعية العمانية للمياه، وهذه المؤسسة ستتولى توحيد إدارة السدود الأهلية الحالية (42 سدًا) والمستقبلية لضمان كفاءة العمليات التمويلية والتشغيلية، مع تطوير استراتيجيات تسويقية لتعزيز السياحة المائية، مثل تطوير وادي المحيول ووادي دوفيا كوجهات سياحية تتبناها هذه المؤسسة مستقبلًا.
وأشار الحامدي في توصياته إلى تعزيز البحوث الأكاديمية متعددة التخصصات نظرًا لكون هذه الدراسة الأولى في مجال السدود الأهلية، وأوصى بإطلاق برنامج بحثي وطني يركز على دراسات هيدرولوجية وجيولوجية لتقييم الآثار طويلة الأمد للسدود على الأفلاج والموارد الجوفية، ووضع تحليل اقتصادي للعائد على الاستثمار، مع التركيز على إنتاج التمور وتوسيع الرقعة الزراعية. كما نصت التوصية إلى ضرورة وضع دراسات بيئية لتقييم تأثيرات السدود على التنوع البيولوجي، مع تخصيص ميزانية بحثية سنوية بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس. مؤكدًا أن تطوير البرامج التدريبية للإدارة المؤسسية يعزز فاعلية الإدارة التنفيذية، وذلك عن طريق تنظيم دورات تدريبية سنوية لأعضاء الإدارة في إدارة الموارد المائية والتخطيط الاستراتيجي، بالشراكة مع الجمعية العمانية للمياه، بالإضافة إلى إنشاء دليل حوكمة مؤسسية يحدد صلاحيات الجمعية العمومية لتعزيز دورها في اتخاذ القرار.
وأوصى الحامدي في دراسته بأهمية إطلاق حملات توعية مجتمعية لتثقيف المزارعين حول التقنيات الزراعية الحديثة مثل الري بالتنقيط؛ وذلك لتحسين إنتاجية الأفلاج والمزارع، كما أوصى بتفعيل اللجان الأهلية مثل اللجان الموجودة في نزوى والحمراء لتشجيع التبرعات وتوسيع الشراكات المجتمعية.
إدارة السدود الأهلية
أكد الحامدي أن السدود الأهلية من خلال استطلاع المبحوثين قد سجلت أداء متميزًا بنمو اقتصادي بلغت نسبته 84% عبر تعزيز الأمن المائي ودعم الزراعة؛ حيث ساهمت هذه السدود في إنتاج ما يقارب من 9883 طن تمور سنويًا من مساحة المزارع التي تغذيها السدود الأهلية والتي بلغت مساحتها 2726 فدانًا.
وأشار إلى أن إدارة السدود الأهلية عززت الاندماج الاجتماعي؛ بحيث أظهرت الدراسة أن نسبة 82.6% من الأفراد أكدوا أن إدارة هذه السدود ساهمت في حل النزاعات المترتبة على تقسيم المياه وإدارتها، وساهمت أيضًا في تثقيف المجتمع.
وأضاف الحامدي: إن السدود الأهلية ساهمت في حماية البيئة بنسبة تقدر بحوالي 81.8% من عينة الدراسة، وذلك عبر الحفاظ على الحياة الفطرية من نباتات برية نادرة وغيرها من الكائنات الحية التي تكثر في الأودية الخصبة. ولفت الحامدي إلى ملاحظة مهمة وهي أن الاعتماد الكبير على السدود قد يثير تحديات بيئية مثل تراكم الرواسب، وهو أمر يتطلب دراسات مستقبلية.
واستعرض الحامدي نتائج اختبار الفرضية الثانية وهي: عدم وجود فروق ديموغرافية تؤكد شمولية الإدارة المؤسسية، حيث لم تؤثر المتغيرات مثل: الجنس، والعمر، والمؤهل العلمي، وسنوات الخبرة، ونوع الخبرة، على تقييمات المبحوثين، وهذا يعكس فعالية النظام التشاركي بين الحكومة والمجتمع، مما يتماشى مع مفاهيم الحوكمة الحديثة التي تؤكد على الشمولية كركيزة للتنمية المستدامة. ومع ذلك، قد يعكس غياب الفروق تحيزًا في العينة (مثل اختيار مهتمين بالمياه)، مما يستدعي دراسات مستقبلية تشمل عينات أوسع.
أما بالنسبة للإطار العملي، فقد أظهرت دراسة الحالة التي أجراها الحامدي أن السدود في محافظة الظاهرة دعمت 29 فلجًا و76 مزرعة، مع إنتاج 7665 طن تمور و4356 طن علف سنويًا، وثمانية سدود سياحية تمتاز بديمومة المياه مثل سد وادي المحيول الذي يحتوي على ثلاثة سدود متتالية ممتلئة طوال العام، وسد وادي جبي في منطقة الشويعية الذي يتميز بمواقع تخييم واستزراع سمكي، وسد ظاهر الفوارس المميز بسعة بحيرته التخزينية. أما في محافظة الداخلية، دعمت السدود الأهلية أفلاج دائمة الجريان مثل فلج السدي وفلج الملكي في إزكي، وفلج الحمراء في ولاية الحمراء، بالإضافة إلى أفلاج متذبذبة الجريان بحسب مواسم الأمطار مثل التي تقع في وادي محرم بولاية سمائل، إضافة إلى آبار زراعية، مع إنتاج 1235 طن تمور و2273.5 فدان من الزراعة الموسمية، ومواقع سياحية جاذبة مثل سد المصلة الواقع بجوار حديقة المصلة بقرية تنوف بولاية نزوى، وسد وادي دوفيا على ارتفاع 935 مترًا مع إطلالة على ولاية الحمراء ومواقع تخييم مميزة، وسد وادي شرجة الذي يمتاز بالشلالات في موسم الأمطار.
وذكر الحامدي أن السدود الأهلية في شمال محافظة الباطنة دعمت 26 فلجًا و5 آبار عامة للمياه الصالحة للشرب، مع إنتاج 982.7 طن تمور و113.35 فدان من الزراعة الموسمية، و8 سدود سياحية بديمومة مياه مثل سدود وادي حيبي بجوار حصن حيبي وسدي شام وحيل الحبك، وكثرة نمو الأشجار البرية مع وجود نافذة تكتونية جيولوجية بمنطقة وادي حيبي وهي إحدى المفردات السياحية المميزة. أما منطقة الشويعي بوادي عاهن أسفل سد قفيص فتميزت بجريان دائم ومواقع تخييم جيدة.
ولفت الحامدي إلى أن هذه النتائج تؤكد الدور الاقتصادي للسدود الأهلية، خاصة في دعم السياحة المائية، لكن هناك تحديات مثل وعورة الطرق قد تحد من الاستفادة السياحية. واقترح الحامدي عدة حلول لتعزيز السياحة في مواقع عديدة مثل سد وادي جبي وسد ظاهر الفوارس بضرورة معالجة الطرق الخاصة بها وصيانتها باستمرار، وأشار إلى إعطاء الأولوية للسدود ذات الإمكانيات السياحية العالية مثل سد وادي المحيول.