البطاريات تقنية حيوية للقرن الحادي والعشرين
الاحد / 10 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 20:35 - الاحد 2 نوفمبر 2025 20:35
ترجمة قاسم مكي -
البطاريات جزء بالغ الأهمية من حياتنا اليومية، ومن اقتصاداتنا؛ فهي موجودة في كل شيء من الهواتف والساعات إلى السيارات والمصانع. ومن المتوقع أن يصبح دورها أكبر وأكثر أهمية خصوصا في قطاع الطاقة مع انخفاض تكاليف تصنيعها، وارتفاع الطلب عليها.
لكن سلاسل توريد البطاريات في العالم تكشف عن اعتماد مثير للقلق على بلد واحد فقط وهو الصين. لقد أوضحت لنا التجارب الماضية أن الاعتماد على جهة إمداد وحيدة لوقود رئيسي أو تقنية أساسية يجلب معه مخاطر جمَّة، وذلك على نحو ما وجدته أوروبا مع روسيا والغاز. إنها تلك التجربة التي كلفتها الكثير في عام 2022.
ضوابط الصادرات التي أعلنت عنها بكين في وقت مبكر من الشهر الماضي سلطت الضوء على الكيفية التي يمكن أن يتحول بها هذا (الاعتماد) الى نقطة اختناق كبرى للصناعات مثل: مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وشبكات الكهرباء، والتقنيات الدفاعية، والصناعة التحويلية رفيعة التقنية.
يأتي معظم الطلب العالمي على بطاريات «الليثيوم ايون» من صناعة السيارات الكهربائية، لكن جزءًا كبيرًا آخر من هذا الطلب يتعلق بمقابلة احتياجات تخزين الكهرباء في قطاع الطاقة. وهنالك سعة تخزينية قادمة بحوالي 130 جيجاوات ستزوَّد بها شبكات الكهرباء على نطاق العالم هذا العام. هذه السعة التخزينية تزيد كثيرًا عن أكبر كمية من الطاقة الكهربائية التي يضيفها التوليد بواسطة الغاز الطبيعي في سنة واحدة.
تُستخدم البطاريات أيضا في التقنيات الدفاعية كالمسيَّرات والأقمار الصناعية وفي مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان توافر امدادات كهرباء منتظمة. كما تستخدم باطِّراد في الروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي والتي يستفاد منها في اللوجستيات والصناعات التحويلية، وهي تتحول بسرعة الى واحدة من أهم تقنيات القرن الحادي والعشرين.
هنالك عاملان رئيسيان وراء الصعود السريع لأهمية البطاريات وهما: انخفاض التكاليف، والتوسع في استخدام الكهرباء؛ ففي الفترة بين عام 2010 والوقت الحالي هبطت أسعار البطاريات بأكثر من 90%. وفي تَوَازٍ مع ذلك تجاوز الطلب على الكهرباء إجمالي نمو الطلب على الطاقة.
مع تعاظم أهمية البطاريات يوجه المزيد من الاهتمام الى صناعتها وسلاسل توريدها على الصعيد العالمي.
القاعدة الذهبية الأولى التي تعتمدها وكالة الطاقة الدولية لأمن الطاقة هي التنويع، لكن عندما ننظر الى وضع البطاريات سنجد أن الصين تتحكم بقدر كبير على جميع الخطوات في سلسلة قيمة تصنيع البطاريات المستخدمة في كل السيارات الكهربائية ومنشآت تخزين الطاقة تقريبا.
تبنَّت الصين تقنيات صناعة البطاريات في وقت مبكر، لكنها لم تكن الوحيدة التي فعلت ذلك؛ ففي عام 2018 كانت تقنيات صناعة البطاريات في الولايات المتحدة والصين عند نفس المستوى حسب تحليل وكالة الطاقة الدولية، وكانت اليابان وكوريا الجنوبية تنافسان أيضا. أما أوروبا فتخلّفت كثيرا وراء الركب، لكن بعد ذلك وحتى الآن توسعت صناعة البطاريات الصينية وعززت وضعها. وبحلول عام 2024 أنتجت الصين بطاريات تزيد عن ستة أضعاف ما انتجته الولايات المتحدة. وتجاوزت الطاقة التصنيعية للبطاريات في منطقة شنغهاي وحدها سعة إنتاجها في القارة الأوروبية بأكملها.
اتخذت الصين قرارات ونفذت استثمارات استراتيجية ومفتاحية خلال العقد الماضي مكَّنتها من تجاوز الآخرين. ويعني حجم صناعة بطارياتها انها الآن تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير (بتقليل تكلفة انتاجها). كما أصبحت الشركات الصينية أيضا المحرك الرئيسي للابتكار في صناعة البطاريات بداية من التركيبات الكيمائية الجديدة للبطاريات إلى الاختراقات التقنية في تصنيعها.
يكشف تحليل جديد لوكالة الطاقة الدولية أن كل البطاريات المستخدمة لأغراض شبكات الكهرباء تقريبا تعتمد على الصين. كما تمتد أيضا هيمنة الصين على سلاسل توريد البطاريات الى المعادن الحيوية التي تُستخدم في تصنيعها (مثلا معادن الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز والجرافيت والألمونيوم في انتاج بطاريات الليثيوم ايون ( المترجم.)
مثل هذا المستوى العالي من التركّز المكاني لتصنيعها يوجِد مخاطر كبيرة. وتعني أهمية البطاريات عبر سلسلة واسعة من القطاعات أن هذه المخاطر لا تقتصر على الطاقة. إلى ذلك؛ هنالك تباين بين الحاجة المتزايدة للبطاريات في بلدان عديدة، واستعداد هذه البلدان لضمان سلاسل توريد متنوعة جغرافيّا.
لتحقيق هذا الهدف تحتاج البلدان الى التعاون لتنويع كل خطوات سلسلة التوريد وتعزيز الابتكار. ويمكن أن يشمل ذلك العمل مع الشركات التي لديها خبرة عميقة في البطاريات لإنشاء صناعتها في «المزيد من المناطق وبناء مهارات محلية». هذا التحدي أوسع نطاقا ولا يقتصر على صناعة واحدة. إنه قضية أمن اقتصادي وقومي.
فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية
الترجمة عن الفاينانشال تايمز