ثقافة

في معرض فلسطيني للخط العربي: المعنى ودلالة التشكيل الجمالي

تحسين يقين

 

'إن من البيان لسحرا'، وإن من إبداع الحرف المرسوم ما يعمّق هذا السحر! هذا ما يشعر به العربي وغيره عند مشاهدة الخط العربي، الذي تطور عبر الأزمنة ليصيرا أحد أهم الفنون العالمية، ضمن الفن الإسلامي الأكثر شهرة.
وهكذا، ما إن دخلنا قاعة المركز الثقافي التركي (يونس أمره) في رام الله، حتى أصبنا جميعا بهذا السحر، حيث إن تكوينات الحروف وما أحيط به من جمال، يجذب العين والقلب معا، فترى المشاهد قد انسجم مع الكلمات وحلّق؛ من خلال ما تتبعه العيون من مسارات الحروف، وصولا الى الانسجام ما بين المعنى وبين الخط كوعاء جمالي، يعيد التساؤل عما أبدع فيه الخطاطون على مدار قرون طويلة، وما زالوا.
ولعل تأمل الخطوط، يعيدنا مرة واحدة الى طفولتنا البريئة النقية والخالية من الهموم، حين كنا نسعد بالخطوط بأنواعها، فنروح لنحاكيها ما استطعنا في حصص كانت تخصص للخطّ، لعلنا كعرب جميعا نعيد الاهتمام بالخط، حيث ان مستويات اهتمام الدول العربية متفاوتة، ولكنها اليوم صار لزاما عليها إعادة الاعتبار للكتابة، في ظل تحولات العالم الرقمي، حيث قلّ استخدام الكتابة لجميع الأعمار، بمن فيها الأعمار الصغيرة، ما يشكل خطرا على مستقبل الكتابة أيضا بما تعنيه من اتقان التشكيل والإملاء.
يبدأ دكتور محمد شلبي، المتخصص بالخط العربيّ حديثه عن هذا الجانب، مشجعا على الاهتمام بالخط، وهو الذي أشرف على تعليم الخطّ، بالتعاون مع منتدى الفنون البصرية ومؤسسات أخرى في فلسطين، وكان من نتائجه وجود هذه اللوحات، والتي تشجع خطاطون من مستويات مختلفة على المشاركة ضمن عشرات اللوحات، باعتبار ان التعبير الجمالي بالحروف هو فن تشكيليّ أيضا.
ولا تبعد العبارات الفنية المكتوبة عما هو سائد في فلسطين وبلادنا العربية من كتابة عبارات ونصوص ذات دلالات تحمل رسائل عظيمة يتم تكثيفها بلاغيا في كلام موجز.
فبدءا آيات القرآن الكريم، العظيم المعجز في ذاته، الممتلئ بالدلالات، فقد حفلت اللوحات بعبارات شعرية، لعدد من شعراء فلسطين كمحمود درويش' على هذه الأرض ما يستحق الحياة' وتوفيق زياد وعبد الكريم الكرمي وتميم البرغوثي ومريد البرغوثي وهارون هاشم رشيد، وعبارات أخرى تتعلق بالبقاء في فلسطين، منها: سلام لأرض خلقت للسلام.
تكوين:
في المعرض المقام برام الله، والذي تنقل في المدارس، والذي يجري عمله كمعرض افتراضي ليتم بثه على المواقع المتخصصة بالفن والتعليم، وجدنا الخصوصية الفلسطينية فنيا ووطنيا، حيث يتم توطين اللغة من خلال طريقة التعبير عنها.
لقد استخدم الخطاطون، ضمن مستويات إبداعهم واحترافهم الفني المطرزات الفلسطينية المشهورة، حول المكتوب، فجاءت المطرزات بمثابة تأطير جمالي يحتفل بما هو مكتوب من آيات وشعر وعبارات وازنة. كذلك لوحظ الاحتفاء بالورود والأزهار الفلسطينية أيضا، بما يمكن تفسيره بأنه شذى الكلمات العطر، فتكتمل الحواس ويكتمل السحر معا من خلال الحواس جميعها.
كذلك حضرت خارطة فلسطين كمحور جمالي مزدانة بجمالية الخطّ 'وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل' لمتقاعد من جنين شغوف هو سهيل جرار، الذي صاحبنا في زيارتنا الثانية للمعرض، ما يدلّ على ان تأثره بالخطّ كان منذ طفولته، وها هو يعود للتعلم والممارسة الإبداعية.
'فتمثل لها بشرا سويا' الآية الكريمة، كانت تشكيلا بديعا حين جعل من حرفي الألف واللام القائمتين تشكيلا موحيا بقصة السيدة مريم ابنة عمران رضي الله عنها مع الملاك جبريل عليه السلام، فجاء التأثير ساحرا ومدهشا، حيث جاءت الرسمة البسيطة بدون تعقيد ضمن حروف الكلمات، ما جعلها تأسر معظم زائري المعرض الذين تكرر إطالة وقوفهم عندها.
'سنرجع يوما الى حينا' من إبداع الشابة آية نيروخ القادمة من الخليل، والتي شاركت بأكثر من عمل دلّ على حبها للخط العربي وموهبتها معا؛ حين رسمت مضيفة التطريز وطائر السنونو. في حين كونت مجد كتانة حمامة من الكلمات. من جهة أخرى أبدعت سجى قرعان في رسم شعر عبد الكريم الكرمي، مضيفة حول دائرة الكلمات أسماء قرى فلسطينية مهدمة من خلال كتابتها على أرضية نباتية.
الفنانة سجى رباح، اختارت كتابة عبارة، جعلتها نصفين متقابلين بالعكس، عملت بينهما حرة الحرف الأخير لينتهي في الأولى ويبدأ بالأخرى ما شكل دائرة حيوية الحركة، تزيد عمق المعنى وحركته الفكرية التأملية.
أما الآية الكريمة 'يوم تبيض وجوه وتسود وجوه' الآية 106 من سورة آل عمران، فقد جعلها الخطاط بخلفيتين لونيتين، تناسبان المعنى، فما هو خاص بالأبيض ظهر بلون يختلف عما هو خاص بالأسود، في فكرة مبتكرة لاقت ترحيبا كون التشكيل انسجم في رسم المفارقة في المعنى.
أما الفنان الخطاط المعروف سعيد النهري، فشارك في بضع أعمال منها: الخيل، وهي رسمة فرس أصيلة، ثبت داخلها آيات كريمة، وفي حين جعل رأس الفرس مضيئا بالكلمات، فكان الموصوف والوصف متلازمين مكتملي التعبير والجمال. كذلك فعل في الكتابة الجميلة على 'النحلة'، عما ورد عنها وعن العسل في القرآن الكريم.
أما الطفلة زينة قرعان، التي كانت أصغر المشاركات، فكانت عبارة محمود درويش 'هذا البحر لي'، هي المعبرة عنها وعن تأثرها بالشعر وشوقها للبحر الذي حرمت من مشاهدته منذ سنوات.
لقد تمت معظم اللوحات بشكل يدويّ إبداعي، في حين لاحظنا اختيارات في الإبداع استخدمت إمكانات الحاسوب.
من الأسماء المعروفة المشاركة احمد زعبي يوسف زواهرة دائرة، حيث انضما للمعرض احتفاء به وبنشر جماليات الخط العربي.
ما لاحظناه في المعرض انه تم وضع الأعمال الإبداعية بشكل نديّ، تشجيعا للخطاطين والخطاطات الموهوبين على طريق الإبداع.
ثمة رسائل ينقلها المعرض عن العروبة والحضارة العربية الإسلامية النبيلة والجميلة معا، وضرورة استمر هذا الفن، الذي لا يقف عند المستوى الجمالي، بلا يتجاوز ذلك الى الاهتمام بكتابة الأطفال العرب، وتمكنهم من رسم الحروف بجمالية ودقة، لتكون مقروءة للكاتب والقارئ معا.
أما الرسالة القديمة المتجددة دوما، فإنها تتعلق بتعظيم معاني التراث العربي الإسلامي، بدءا بأكثر المعاني قدسية، ممثلة بآيات القرآن الجميلة، والشعر العربي ديوان العرب، والكثير من المعاني في العبارات التي اشتهرت.
إن توطين الخط العربي، ضمن السياق الفلسطيني على مستوى الاختيار والورد والزخرفة، هو مقاومة ثقافية ضد كل أنوع نفي فلسطين وإقصائها؛ حيث أن اختيار عبارات تؤكد على عروبة فلسطين وحريتها، هو ربط حضاريّ لفلسطين العربية الإسلامية، ما يجعل من نشر الأعمال الإبداعية وسيلة نشر إبداعية جمالية لفلسطين للتخلص من الاحتلال.