أعمدة

حوكمة الجهاز الإداري للدولة

أثار ملخص المجتمع الذي أصدره جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الأسبوع الماضي العديد من ردود الأفعال المتباينة بين من يجد فيه مؤشرا على مزيد من الاهتمام بتفعيل الأدوات الرقابية على أداء وحدات الجهاز الإداري للدولة وتحقيق النزاهة وتشجيع الموظفين على تأدية أعمالهم بكل أمانة ووفق الأنظمة والتشريعات المنظمة، وبين من يجد أن ملخص المجتمع كشف عن كثير من الثغرات التي أتاحت لبعض الموظفين استغلال مناصبهم لتحقيق منفعة ما، أو قبول الرشوة للقيام بأعمال منافية لواجبات الوظيفة، أو التعدي على المال العام، أو التزوير في محررات رسمية أو اختلاس أموال عامة وغيرها من المخالفات الأخرى التي رصدها الجهاز والتي إن استمرت سوف تؤثر سلبا على نظرة المجتمع تجاه الجهات الحكومية وتُؤدي إلى التشكيك في نزاهتها على الرغم من أن الأعمال التي أشار إليها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في تقريره هي مجرد تصرفات فردية حتى وإن أدت إلى الإساءة إلى الجهة الحكومية.

ولعل الملاحظات التي أشار إليها التقرير حول وجود قصور في أداء العديد من الجهات الحكومية وعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لحماية المال العام والمحافظة على حقوق المراجعين أو المستفيدين من الخدمات الحكومية تؤكد أهمية حوكمة الجهاز الإداري للدولة بشكل أكبر وبما يؤدي إلى أن تواكب هذه الجهات طموحات المواطنين وتسهم في تسهيل الإجراءات أمامهم للحصول على الحقوق التي يكفلها لهم القانون، وعلى سبيل المثال فإن نتائج فحص منظومة «إجادة» أشارت إلى أن الوزارة المعنية لا تمتلك صلاحية الوصول المباشر إلى قواعد بيانات المنظومة رغم أن المشروع خاص بها وهو كما أشار التقرير يحد من قدرات الوزارة في مجال ضمان أمن المعلومات ومراقبة إدارة البيانات، كما أن الشركة المطورة لـ«إجادة» كما أشار التقرير قامت بإشراك كوادر فنية من غير العُمانيين للعمل في إدارة النظام مخالفة بذلك البندين (1) و(2) من التعميم الوزاري رقم (7/2020) الصادر عن الوزارة نفسها بشأن الضوابط الخاصة بشاغلي الوظائف ذات الصلة بأمن المعلومات وإدارة الشبكات وقواعد البيانات، وكذلك فإن التقرير أشار أيضا إلى عدد من الملاحظات حول برنامج «اقتنِ أرضك» موضحا أنه لم يتم وضع إطار تنظيمي واضح للنظام يحدد شروط الخدمة وضوابطها والقيام بإطلاق الخدمة وفرض الرسوم عليها دون وجود موافقة من وزارة المالية، وهناك ملاحظات أخرى بشأن قصور في إجراءات التحقق من مدى توافر الشروط اللازمة لمنح تراخيص مزاولة المهنة للمهن الطبية والطبية المساعدة وعدم طلب أو تقديم ما يفيد معادلة المؤهلات العلمية الصادرة عن مؤسسات تعليمية غير عُمانية، وغيرها من الملاحظات الأخرى التي رصدها الجهاز حول أداء عدد من الجهات والشركات الحكومية.

وفي نظرنا أنه لا فرق بين المخالفات المالية المتعلقة باختلاس الأموال والرشوة والتزوير وإساءة استغلال الوظيفة وبين الأخطاء الإدارية أو الاجتهادات الفردية التي من شأنها تجاوز الصلاحيات والقفز فوق الأنظمة والتشريعات والحد من استفادة المجتمع من الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية؛ لأن تلك المخالفات وهذه الأخطاء تُسهم في إضعاف العمل المؤسسي وتؤثر سلبا على الأهداف والخطط الحكومية، ولهذا فإن الاهتمام بحوكمة الجهاز الإداري للدولة من شأنه تحقيق سيادة القانون، وضمان النزاهة والشفافية في العمل الحكومي، ورفع كفاءته، والارتقاء بالخدمات المقدمة، وتحقيق الاستدامة للموارد المالية، وتعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين في أداء الجهاز الإداري للدولة، وعلى الرغم من وجود دوائر للتدقيق في مختلف الجهات الحكومية، إلا أن هذه الدوائر تختص بالتدقيق المالي أكثر من اختصاصها بمراجعة الأداء الإداري، كل هذا يؤكد ضرورة حوكمة الجهاز الإداري للدولة وبما يُسهم في تحقيق مزيد من النزاهة في أداء مختلف الجهات الحكومية.