عمان الثقافي

افتتاحية: الجوائز الأدبية ومشكلة القراءة

 

تسوق الجوائز الأدبية الذائقة بقدر ما تحتفي بالإبداع. وهنا يكمن الخطر؛ حيث توزع الجوائز صكوك الجودة للقراء ودور النشر والموزعين وتصبح «القيمة» قابلة للتسعير. تبرز كتب بعينها إلى الواجهة، إلى واجهة الجوائز أو واجهة المكتبات وقوائم الكتب الأكثر مبيعا. ثم يصبح أغلب القراء أسرى لنتائج هذه الجوائز أو تلك التفضيلات. والغريب أن أغلب دور النشر تجد نفسها هي الأخرى واقعة في فلك ما تريده الجوائز وما يمكن أن يصبح ضمن قوائم الأكثر مبيعا.. يحدث هذا على حساب الكتب المختلفة التي قد لا تجد لسبب أو لآخر جاذبية كبيرة لدى القراء في ظل التفضيلات الحالية ولا تجد من باب أولى مكانا في منصات الكثير من الجوائز في العالم العربي.

تصوِّر الجوائز نفسها بوصفها رافعة للكتاب الجيد. قد يكون هذا الأمر صحيحا.. ولكن جزئيا، فأثرها على المبيعات ملموس جدا، والكثير منها يقفز إلى قوائم أكثر الكتب مبيعا بمجرد وصولها إلى أي قائمة من قوائم الجوائز الطويلة أو القصيرة، لكن السؤال المهم في هذا المشهد هو أي نوع من «الجودة» يستحق المكافأة؟ تتعرض لجان التحكيم للكثير من الضغوطات بين النصوص التي تكسر السائد وتُربك السوق، وبين النصوص «المطمئنة» التي ترضي الرعاة وتوسّع الانتشار. يميل الميزان في الغالب إلى النصوص التي تجد قابلية للتسويق؛ ولذلك تبدو النبرة واحدة، والموضوعات مكررة إلى حد التناسخ. وتغيب الكثير من المواضيع التي تكسر السائد وتعمل على بناء أجناس جديدة وخارجة عن السياق المعتاد.

تحتاج بنية الجوائز إلى مراجعة دقيقة وبشكل خاص لأهدافها، ما هو هدفها خاصة وأن أغلب الجوائز في العالم العربي لا تكون ممولة من دور النشر ولا من القطاعات الخاصة وإنما ممولة من الدولة نفسها وهذا لا يضعها تحت ضغوط التمويل ما يعطيها أريحية كاملة في توجيه مسارها نحو الجودة والقيمة بعيدا عما يطلبه السوق.. ومع الوقت ستصنع هذه الجوائز تحولا عميقا في الذائقة القرائية العربية. وبإمكانها أن تختار لجانها التحكيمية في معزل عن ضغوطات النوع والتسويق لصالح الإبداع نفسه.