أفكار وآراء

ما لا يقوله رجال ترامب لإسرائيل

ترجمة: أحمد شافعي -

نشهد في هذه الأيام ظاهرة فريدة من نوعها: هي المسيرة الأمريكية الأولى لـ»مجالسة الأطفال». يتفاوت مجالسو الأطفال أولئك في المؤهلات والخصال، لكنهم يشتركون جميعا في مهمة واحدة، وهي منع الانتهاك الإسرائيلي، أو حتى التدمير الإسرائيلي، لوقف إطلاق النار الهش في غزة. فمنذ نهاية الحرب، لم تمض أيام قلائل دون وجود مبعوث واحد على الأقل لدونالد ترامب على الأرض. حتى أن الأسبوع الماضي وحده قد شهد أمثال جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وجيه دي فانس وماركو روبيو، إذ جاءوا جميعا للقيام بواجبهم.

وتحرص إسرائيل على إبقائهم مشغولين. ففي غضون أيام قليلة شنت سلسلة هجمات على غزة بعد مقتل اثنين من جنود الجيش الإسرائيلي، فأدت تلك الهجمات ـ بحسب ما ورد من تقارير ـ إلى سقوط عشرات من القتلى الفلسطينيين. وقد دعا العديد من الوزراء إلى استئناف الحرب، وأجاز الكينيست قرارا برلمانيا بضم الضفة الغربية. وتراوح رد الفعل الأمريكي ما بين الرفض والرفض الحاد.

غير أنه إدارة ترامب تبدو، في أكثر من مشهد، أشد تركيزا على الحفاظ على المرحلة الراهنة العصيبة من وقف إطلاق النار منها على التقدم إلى المرحلة التالية: وهي مرحلة إعادة تأهيل غزة. وعندما يتعلق الأمر بذلك، يبدو أن الولايات المتحدة لديها مطامح ولكن ليست لديها خطط ملموسة.

في الوقت الراهن، ليس من الواضح متى سوف تتولى الجهة الحاكمة الدولية السلطة فعليا، ومثل هذا ينطبق على القوة الأمنية المخطط لها، بل وينطبق على هوية الجنود المشاركين فيها. في يوم الثلاثاء، قال جيه دي فينس إن الولايات المتحدة لن تفرض على إسرائيل تشكيل القوة الأجنبية. لكن في حال استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في رفض البديل تلو الآخرـ مثلما فعلت مع المقترح التركي هذا الأسبوع ـ فماذا يكون العمل حينئذ؟ وهناك أيضا السؤال العكسي: من الذي سيحدد أن القوات التي تفضلها إسرائيل مهتمة من الأساس بالمهمة؟

وثمة سؤال غامض بالقدر نفسه، هو المتعلق بالوقت الذي سوف يستغرقه نزع سلاح حماس.

فقد قال جيه دي فينس هذا الأسبوع إن «أملنا في الإدارة هو أن القوة الأمنية الدولية سوف تتولى الآن زمام المبادرة في نزع سلاح حماس»، وأضاف أن «هذا سوف يستغرق بعض الوقت». وعزز ترامب حالة اللايقين هذه بقوله في حوار مع شبكة فوكس نيوز يوم الأحد إنه لا وجود لـ«جدول زمني» صارم لنزع سلاح حماس.

ومن ثم، على المستوى النظري، فإن الأفراد المجهولين في القوة الدولية التي لم تتشكل بعد قد يدخلون غزة بينما مقاتلو حماس لا يزالون يسيطرون على السلطة. فهل سيواجهون كيانًا حاكمًا أم سيواجهون حركة حرب عصابات؟ وما هذه غير حفنة قليلة من الأسئلة المطروحة. وقد يسأل آخرون عن مصير الفلسطينيين العاديين في ظل الوضع القائم، مع استمرار حماس في استهداف خصومها السياسيين والمنشقين.

لقد أبرزت الأحداث الأخيرة مجددا أوجه القصور في التغطية الإعلامية الإسرائيلية لجانبي الحدود مع غزة؛ فكل وسيلة إعلامية ترمي إلى دراسة جميع زوايا انتهاكات حماس لوقف إطلاق النار. وبصفة عامة، سيطرت على جميع العناوين حقيقة مماطلة حماس في إرجاع جثامين الرهائن الإسرائيليين القتلى.

على النقيض من ذلك، لم يلق الضحايا المدنيون في غزة من جراء الضربات الإسرائيلية اهتماما يذكرعلى الإطلاق. وانظروا مثلا إلى الهجمات الانتقامية التي أعقبت حادثة رفح يوم الأحد حيث لقي جنديان إسرائيليان مصرعهما. في حين أفادت السلطات في غزة بوفاة أربعة وأربعين، انتقد معلقون في التليفزيون الإسرائيلي «الرد الضعيف» الذي استهدف البنية الأساسية فقط.

وليس في هذا شيء جديد. ففي عطلة الأسبوع الماضي، اتهم مكتب الإعلام في غزة إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار مع حماس سبعا وأربعين مرة منذ تفعيل الهدنة، وقتل ثمانية وثلاثين فلسطينيا وإصابة مئة وثلاثة وأربعين آخرين. بدا الزعم غير ذي شأن لأغلب البرامج الإخبارية الإسرائيلية، إذ غاب عنها ببساطة. وتضمن ذلك تقارير عن مصرع أحد عشر فردا في أسرة فلسطينية على يد قوات إسرائيلية يوم الجمعة الماضي.

قالت وكالة الدفاع المدني في غزة إن الأسرة كانت تحاول الرجوع إلى بيتها في حي الزيتون بمدينة غزة حينما تعرضت الحافلة التي كانت تقلهم لضربة بزعم تجاوزها «الخط الأصفر» الذي يعين حدود المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. ذلك الخط الأصفر غير مرئي للعين البشرية ولا يظهر إلا على الخرائط وفي الوثائق الرسمية، وهي غير متاحة طيلة الوقت للناس العاديين في القطاع.

حتى تلك الواقعة لم تحظ بذكر في الإعلام الإسرائيلي. أشارت قناة 13 الإخبارية إليها إشارة عابرة في موقعها على الإنترنت، ونقلت عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله إنه بعد رصد مركبة مشبوهة، أطلقت القوات طلقات تحذيرية باتجاهها، «لكن الحافلة واصلت التقدم باتجاه القوات على نحو مثّل تهديدا وشيكا لهم، ففتحت القوات النار لإزالة ذلك التهديد، بما يتواءم مع الاتفاقية»، ولم يشر المتحدث إلى وقوع خسائر في الأرواح.

في ظل هذا التناول الإعلامي، لا عجب في أن كثيرا من الإسرائيليين يشعرون أن حماس هي وحدها الملومة على خرق وقف إطلاق النار. وهذا التصور يتسبب في خطر تأجيج النداءات المطالبة بنهج أشد عدوانية تجاه غزة.

وفي مرحلة ما، قد تكون عاجلة لا آجلة، لن يظل كافيا أن يلعب جميع رجال ترامب دور معلمات الحضانة، فيقولون لإسرائيل ما الذي لا ينبغي أن تفعله. بل سيكون لزاما عليهم أن يقولوا لها ما يجب أن تفعله، وأن يحددوا طريقة فعله بالضبط.

روي شوارتز محرر وكاتب مقالات في صحيفة ها آرتس

الترجمة عن صحيفة ذي جارديان