ثقافة

أستعير فماً شعرياً لأقول ما يعجز عنه الإنسان العادي

الشاعر السوادني عمار حسن سعد الدين:

 

-الجوائز منحتني عبوراً إلى قلوب جديدة وبقاع بعيدة.
-لا أتعجل إصدار ديواني الثاني.. أمهل قصائدي لتتوهج.
-'على شفة الحلم'.. وليدي الأول ومتحفي الحي.
-النص المسرحي أدب خالد.. والرديء لا يخلد في التاريخ.
-الأنثى هي الوطن.. والسودان يسكنني في ملامحها وأغنيتها.
يكفي للمرء أن يخوض حديثًا عن الساحة الشعرية العربية حتى تُستعرض في ثنايا الحديث أسماء شعرية تركت أثرًا وإعجابًا في نفس المتحدث، وهذا ما حدث ذات يوم إذ تحدثت أنا وصديق سوداني عن أمسية شعرية أحياها الشاعر المصري هشام الجخ ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وعرجنا بالحديث عن تجربة شعراء السودان، ومنهم محمد عبدالباري، والشاعر عمار حسن سعد الدين وغيرهم.
كان الحديث عن بعض النصوص التي علقت في الذاكرة، كلٌ يعرف الآخر بشاعر وكيف ملك الحضور بروعة البيان وحسن البديع، لتمر الأيام، ويعود اللقاء بالصديق السوداني الذي بادرني بضرورة الالتقاء بـ عمار حسن سعد الدين، فكان اللقاء رائعا بروعة الإهداء 'على شفة الحلم' الديوان الأول له، فما أن تتصفح هذا الإصدار حتى تكتشف عن موهبة جديرة بحمل سيرة ذاتية حافلة، فشارعنا 'عمار' حاز سبعة جوائز في مسيرة شعرية تعتبر يافعة، إذ فاز بجائزة شاعر شباب العرب التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة بالعراق، وجائزة أحرار نوفمبر الشعرية الكبرى بالجزائر، كما تأهل إلى القائمة القصيرة لجائزة عبدالله بن إدريس الثقافية بالمملكة العربية السعودية، ونال جائزة منتدى بيت الشعر بالخرطوم، إلى جانب جوائز أخرى.
ويمتاز عمار حسن سعد الدين بحضور فاعل في المشهد الثقافي، فقد مثّل السودان في عدد من المهرجانات والملتقيات الشعرية العربية والدولية، من أبرزها مهرجان الشارقة للشعر العربي، ومهرجان الخرطوم للشعر العربي، ومهرجان أفرابيا، ومهرجان أحرار نوفمبر بالجزائر، وملتقى النيلين للقصيدة العربية، فضلًا عن مشاركاته المتعددة في الفعاليات الأدبية التي تحتفي بالقصيدة والنص العربي في عواصم عدة.
وإلى جانب ديوانه الأول، والوحيد إلى حد الآن، 'على شفة الحلم' عن دائرة الثقافة في الشارقة، شارك الشاعر عمار بنصوصه في عدد من الإصدارات الجماعية، من بينها ديوان الخرطوم الأول وديوان قصائد النخبة في مسابقة عبدالله بن إدريس الثقافية، وكتاب 'الثورة الجزائرية المجيدة في الشعر السوداني' الصادر عن سفارة السودان بالجزائر.
ولا يقف نشاطه عند الشعر فحسب، بل يمتد إلى المسرح والإعلام، إذ يشغل منصب مدير الإعلام والعلاقات العامة ببيت الشعر في الخرطوم التابع لدائرة الثقافة بالشارقة، إلى جانب مهامٍ أخرى.
هذا أقل ما يمكن أن يقال عن الشاعر عمار حسن، الذين خرج اللقاء به بهذا الحوار، فإلى ما سُئلَ، وإلى ما قال:
• هل كتبت شعرا ذات مرة لتقول ما لا يمكن قوله بالواقع؟
-كل الذي يقال بالشعر بالنسبة لي لا يقال بالواقع، وإذا وجدت إلى الواقع سبيلا فإنه سينزف الكثير من عاطفته، ما قد يفقده ملامحه وهويته، لذا كلما شعرت أن الذي بداخلي يكبر عن فم الإنسان العادي، أستعير له فماً شعرياً ليتحرر من بشريته الضيقة.
•إذن تلجأ إلى الرمزية، كيف تصف إدراك المجتمع للرمزية، وهل تعتقد أن رسالتك وصلت؟
-أميل في أغلب كتاباتي إلى رمزية الصور والمشاهد، التي وإن لم يوفق المتلقي في فهمها بشكل كامل، فلن يفوته الشعور الذي دسسته له، وهذا أقصى ما أصبو إليه، أن يشعر المتلقي أكثر من أن يفهم.
•في رصيدك عددٌ من الجوائز على مستوى الوطن العربي،، ماذا يعنيه لك ذلك؟
-الجوائز الدولية تخرجك من قالبك المحلي، لتلبسك ثوباً دولياً، والشاعر بطبعه مقسم الروح بين أوطان كثيرة، ويرى في خياله الشهي أن كل الأراضي بساط مجازه، والسماوات سقف قصيده، لذا فالجوائز أسهمت في وصولي لبقاع جديدة وقلوب مورقة وهذا ما يؤثر لها.
•بصراحة،، هل كتبت نصًا شعريًا بهدف المشاركة في مسابقة؟
-هذا السؤال يطرق عندي بابًا آخر، أنا أؤمن أنه يجب على الكاتب والشاعر أن يخلق له روتينًا كتابيًا ليستمر بوحه وتدفقه، وحتى لا يستسلم للدنيا وهي تحاول جاهدةً دفعه عن هذا الطريق، وعلى ذلك فأنا أنتهز المسابقات تحدياً مع نفسي لأكتب، دون الرضوخ للأعذار، حتى وإن لم أشارك في المسابقة أصلا، ولكنني أحتفي بولادة نص جديد.
•لديك نصوص شعرية عديدة لا زالت مبعثرة ولم تحوها دفتا ديوان؟ ماذا تنتظر حتى تصدر ديوانك الثاني؟
-أريد لديواني الأول أن يأخذ حظه من التوهج والتغني في قلوب الناس، ولكن هذا لا ينفي أنني بصدد تجهيز ديوان آخر، يلحق بأخيه الذي سبقه، ولكني أسير على ذلك النهج متمتعاً ومتروياً.
•'على شفة الحلم'، اصدارك الخاص الأول، ماذا يعنيه لك ولادة ديوان؟
-هذا وليدي الأول، ولك أن تشعر بكبر مقام الولد الأول في نفس والده، كيف لا وأنت أبو السمي 'عمار'، 'على شفة الحلم' خرج بعد مخاض وحرب، وقد حمل داخله ملامح سنين متناثرة، ودموع خفية، وحب كثيف، لذا سيظل تذكاراً لي، ومتحفاً حياً.
•تشارك في أمسيات عديدة، أهناك نصوص تفضل إلقاءها على الجمهور بدلا من توثيقها في ديوان، وهل هناك نصوص تستبعد القاءها على الجمهور؟
-اختيار القصائد التي تلقى على الجمهور، هذا فن كبير يجب على الشاعر تعلمه والتنبه إليه، قد تقرأ نصًا في العراق، فينفجر نجاحاً ويترك على الجدران شظايا تذكر ولا توجع، وقد تقرأ نفس النص في تونس مثلاً، ولا يكاد صوتك يخرج من ثغرك، ولا تحتفي به السماء هناك، فقراءة الجمهور وتحديد مايشبههم، هو الطريق الذي أتخير به ماينشد وما يترك لخيال القارئ.
•سمعت أنك تخوض تجربة الكتابة المسرحية، الأمر يدفعني الى إثارة الجدلية في (أدبية) النص المسرحي، البعض يراه أدبيا والبعض الآخر لا.. ماذا عنك؟
-أنا أؤمن تماماً أن النص المسرحي أدبيٌ من الطراز الرفيع، لأنه لو لم يكن كذلك لما وجد له مكانًا بين الخالدات في التاريخ، الأشياء الرديئة قد تُحدث زخماً كبيراً، ولكنها لا تخلد في التاريخ أبدا.
•الإبداع الشعري مقيد بقوالب وزنيةٍ وقافيَّةٍ، والنص المسرحي مجرد منها،، هل تحاول التحرر من سطوة الوزن والقافية في نصك المسرحي، الذي لا بد وأنه يميل إلى اللغة الأدبية؟
-الوزن موسيقى تمنح الشعر القدرة على التمايل والرقص، فعندما أكتب المسرح، أحتفظ بموسيقى داخلية، لا تقيدني بسياج، بل تسمح لي أن أعزف متكأً على مشاهدها الدرامية، وعواطفها المتقدة. ولأن للمسرح سلطة الوصول الأكبر للجمهور، فيجب أن يولد بهيأة جاذبة ومغرية.
•حدثنا عن النص المسرحي، والهدف من كتابته؟
-هو نص فلسفي درامي، يتحدث عن الجانب الآخر من حياة الناس، يتناول قضايا كبرى برؤية طفولية وحكيمة في آن واحد، وكم أحب التحدث عن المسكوت عنه، دون السقوط في دائرة الإتهام، أنوي إذا وفقت المشاركة به في محفل عربي ثقافي كبير.
•في الكثير من قصائد 'على شفة الحلم' تخاطب القصيدة، وكأنها ملجؤك.. إلى أي حد تؤمن بالقصيدة؟
-الشاعر بلا قصائده يموت! فما ظنك بمنقذة الحياة؟
أنا أكتب القصيدة أولاً لأحيا، لأحكي لصديقي مالا أستطيع البوح به، لأتحدث بأفواه الحيارى والمرهقين والمشتاقين، أنا لا أكتب عني فقط، بل عن عوالم تسكنني.
•لمَّحت للمرأة السوادنية في شعرك الغزلي، ولم أجد وطنية سودانية صريحة في ديوانك،، لماذا؟
-الأنثى ياعزيزي هي الوطن، لذا كلما تغزلت في الأنثى السودانية، أعبر من خلالها إلى النيل في جريانه، إلى السُمرة وهي تدفق ذهباً خالصاً، إلى الأرض في اتساعها، إلى الحقول وهي ترسم وجه البلاد، السودان يسكنني في كل شيء، لذا أذكر بلادي بروح الحبيبة، القريبة، الشقية، المتمنعة، التي أعشقها وإن جارت وظلمت.
• 'بريد من المنفى'.. أهي لسان حالك؟ ما هو تعريفك للمنفى وانت تعيش في بلد عربي؟
-للشاعر منفى يسكن داخله، وإن عاش بين أهله وفي وطنه، هي غربةٌ تخيرته قبل أن يتخيرها، وفردوسٌ في روحه يسعى إليه، ويهرب له، كلما شعر أن هذا العالم لا يشبهه.