أفكار وآراء

أوروبا الخاسر الأكبر في حروب المعادن النادرة

ترجمة: قاسم مكي

حروب التكنولوجيا بين الغرب والشرق ليست جديدة؛ فخلال الحرب الباردة تنافست الولايات المتحدة وحلفاؤها بضراوة مع الاتحاد السوفييتي في استكشاف الفضاء وأنظمة التسلح. ومؤخرا احتدم التنافس بين الولايات المتحدة والصين. وللمفارقة؛ هذه المرة غالبًا ما ستكون أوروبا الخاسر الأكبر.

أسست الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها «لجنة تنسيق ضوابط الصادرات متعددة الأطراف» في عام 1949 لمنع الكتلة الشرقية من الحصول على التقنية الغربية التي قد تعزز قدراتها العسكرية والاقتصادية. ازداد تأثير اللجنة بقدر كبير في ظل رئاسة رونالد ريجان بفرض حظرٍ على بيع المعالجات الدقيقة والحواسيب وتقنية استخراج النفط لبلدان حلف وارسو.

وفي الفترة من أواخر السبعينيات أوجدت الاختراقات التقنية الغربية فجوة استراتيجية لا يمكن تجسيرها مما أسهم في انهيار الاتحاد السوفييتي.

اتّبعت الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة استراتيجية شبيهة ضد الصين بالحد من تصدير الرقائق الدقيقة المتقدمة والآلات المصنِّعة لها، لكن الصين خلافا للاتحاد السوفييتي يمكنها الرد بفرض قيود على العناصر النادرة وتقنية معالجة المعادن. وفي هذا الشهر وسَّعت بكين قيودها على 12 من جملة 17 معدنًا نادرًا بدعوى «حماية المصالح الأمنية الوطنية». حتى مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم كانت كلُّ من أوروبا والولايات المتحدة تؤكدان أهمية المعادن الحيوية لتعزيز الانتقال إلى الطاقة الخضراء.

والآن يعبِّر مسؤولو قطاع صناعي آخر عن الخشية من الخطوة الصينية. الصناعات الدفاعية في الغرب قلقة؛ فالصين لديها قبضة محكَمة على إمدادات العديد من المكونات المفتاحية والضرورية لتقنية المسيرات والدبابات والغواصات أو الصواريخ.

في الأسبوع الأول من المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية في يونيو هذا العام تبادل الطرفان حوالي 800 صاروخ تقريبا. وكان كل صاروخ يحتوي على ما بين اثنين إلى عشرين كيلوجراما من العناصر النادرة بما في ذلك عنصران هما الديسبورسيوم والتيربيوم الخاضعَان الآن لقيود التصدير الصينية. واستنادًا إلى تقديرات محافظة من البيانات المحدودة يعني هذا أن كمية تتراوح ما بين 1.6 إلى 16 طنا متْريّا من العناصر النادرة قد تبخرت في تلك المواجهة خلال 7 أيام.

أداء أوكرانيا الاستثنائي مؤخرا في حرب مسيَّراتها ضد روسيا كان معتمدا تماما تقريبا على المكونات الإلكترونية والمغناطيسية المستوردة من الصين. وأوكرانيا الآن أقل انشغالا بوصول الأسلحة الأوروبية في الوقت المحدد وأكثر قلقا بشأن تدفق الواردات التقنيَّة من الصين.

خلال السنوات الثلاثين الماضية أصبحت الصين قائدة للعالم في معالجة معظم المعادن الخام الـ 54 التي تصنفها هيئة المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة (الهيئة الجيولوجية الأمريكية) كمعادن حيوية للصناعة الأمريكية بما في ذلك للقطاع الدفاعي. وحاليا تستطيع الصين معالجة أي معدن تقريبا بتكلفة أرخص بنسبة 30% من منافسيها.

لكي تتمكن الحكومات الغربية من منافستها في ذلك سيلزمها تقديم دعومات لصناعتها.

وفي حين توظف الصين احتكارها للعناصر النادرة كرافعة تأثير تستخدم واشنطن نفوذها للحد من حصول الصين على أقوى المعالجات الدقيقة (على الرغم من أن الأغلبية العظمى منها تُنتَج مادّيا بواسطة شركة تي اس ام سي في تايوان). القيود الأخيرة التي فرضتها بكين على تصدير العناصر النادرة والمنتجات التي تحتوي عليها تقع ضمن إطار أوسع للحرب التقنيّة بينها وبين الولايات المتحدة. فكلا الحكومتين تعتقدان أن من يكسب السباق في الصناعات المفتاحية وخصوصا الذكاء الاصطناعي وتقنية الصواريخ وحوسبة الكوانتم والروبوتات والمسيرات سيتمتع بميزة حاسمة في المنافسة الاقتصادية والعسكرية خلال الثلاثين سنة القادمة.

لكن مجموعة من خبراء الصناعة والأكاديميين توصلت في مؤتمر حول المواد الخام الحيوية عقد في فييَنَّا مؤخرا إلى أن أكبر الخاسرين في كل هذا ليس الصين ولا الولايات المتحدة ولكن أوروبا.

ربما تدير أمريكا ظهرها لطاقة الشمس والرياح، لكن تقنيات الطاقة المتجددة مركزية في أهميتها لِهُويَّة أوروبا في القرن الحادي والعشرين. كانت شركات أوروبا رائدة في إنتاج الطاقة من الشمس والرياح والسيارات الكهربائية تزيد حصتها في صناعة سياراتها بالتدريج، لكن الصين الآن تهيمن على كل هذه الصناعات الثلاث إلى جانب إنتاج بطاريات الليثيوم.

وفي حين تعكف الولايات المتحدة على إعادة بناء صناعة العناصر النادرة الخاصة بها على مهل وتمارس نفوذا على منتجي المعادن الحيوية الأخرى كمخزونات الليثيوم الضخمة في أمريكا الجنوبية إلا أن أوروبا بالكاد تشارك في هذه السباقات.

صحيح أعدت بروكسل خطة استراتيجية للمواد الخام الحيوية، لكن محاولات استغلال مواردها المعدنية الرئيسية واجهت مقاومة سياسية قوية من جماعات المحافظة على البيئة.

اعتماد أوروبا المزدوج على الخدمات الرقمية الأمريكية وعلى صناعة معالجة المعادن الحيوية الصينية يجعلها ضعيفة إلى حد كبير أمام الضغوط الخارجية. إلى ذلك؛ استثمار الاتحاد الأوروبي في صناعات التقنية الرفيعة الرئيسية مدعاة للسخرية عند مقارنته بالتريليونات التي تضُخّها الصين والولايات المتحدة في هذا القطاع. وإذا كانت بروكسل عاجزة عن حشد جهود الدول الأعضاء قريبا سيظل الاتحاد الأوروبي مفتقرا باستمرار إلى الصين أو الولايات المتحدة أو إليهما كليهما.