فضفضة سردية
زياد خداش
الأربعاء / 22 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 19:30 - الأربعاء 15 أكتوبر 2025 19:30
1
من أين يأتي كل هذا القلق المروع حين أنهي قصة قصيرة؟ وأذهب بعدها للنوم، وأفاجأ بسؤال سبقني إلى فراشي، سؤال يشوي عظمي تحت اللحاف : هل كان يمكن أن تكون القصة أفضل؟ وأنهض إلى مكتبي كالملسوع، أحذف صورة وأبدل عبارة وأحفر عميقا تحت شخصية، ثم أعود زاحفا إلى النوم، فإذا بأسئلة أخرى تنتظر رقبتي. يا الله، أية لعنة هي الكتابة! أية ورطة!
2
أحيانا يحدث هذا : أنزل من مكوك النص حافي القدمين بجروح خفيفة، نصف عار على الأرض، بعد كل نص أنهيه، أو أتوهم أني أنهيه، تلك هي غيبوبة الإبداع المتعبة اللذيذة التي يعرفها المبدعون فقط، ثمة دوخة تشبه تلك التي تحدث عندما كنا نترك أنفسنا نسقط عن شجر الصنوبر في طفولاتنا الراحلة، على أرض من تراب أحمر، حتى ترتج مؤخراتنا الصغيرة، لكي نحصل على طعم بطولة صداقة الشجرة والأرض معا. ذلك هو سر الكتابة امتلاك السماء والأرض معا في قبضة واحدة.
3
كذبة كبرى أن أكون خارج النص وداخله، داخل النص هو حقيقتي المدوية، خارجه زياد الكذاب والمرائي. النص الذي أكتبه ويغسل حياتي هو امرأة تركض تحت المطر، وهذه المرأة هي نفسها النص، لا شيء يعادل تلك المتعة اللاهبة التي تكويني حين أنهي نصاً أحشد فيه خيولي المحبوسة، وأطلقها في عيون السهول، امرأة ومطر وركض سماوي هو تماماً هذا النص.
4
الكتابة مصل لسموم العالم، لن ننجو منها إلا بالكتابة وأنا أرثي كل شخص لا يكتب، وهذا طبعا ليس دعوة للناس كلها حتى تكتب، لكني لا أقدر على تصوّر شخص يعيش حياته متلفعا بالمنطق والواجبات البيتية والتسوّق من «المول»، الكتابة خلق وحالة علوية، ومن لا يكتب/ يخلق، سيظل عبدا للمنطق، للامعنى.
5
أكتب القصة بمزاج الذاهب إلى نزهة صغيرة خلف البيت، تخاف القصة من الرحلات البعيدة، تخاف الوحوش الضارية وأصوات الغابة الغامضة، هي تكتفي بأزهار خفيفة تقطفها في مساءات الشحوب واللهفة والقلق.6
القصة لا تستوعب التاريخ ولا تحبه، التاريخ أيضا غير معجب بالقصة، الرواية تتحمل ذلك، بين التاريخ والرواية حالة تفاهم وحب ومن المحتمل أن يكونا انخرطا في الحياة يوما ما، وطأة التاريخ أثقل مما تتحمله القصة. القصة بنت صغيرة في الثانوية العامة ذكية بعيون براقة لكن حزينة دوما، ويدين هشتين تلك الهشاشة الذكية والناعمة، تحب بهمس وتنتظر حبيبها الغامض بشفافية وهدوء . لا يهمها تاريخ المكان الذي تنتظر حبيبها فيه ولا يدخل في صلاحيات قلبها أن تحاول تحليل تاريخ الحب ورموزه العالميين، هي تنتظر بصمت فحسب.
7
أفكر دائما كم مرة أجبرت شخصية من شخصيات قصصي على النطق باسمي؟ الهي هل هذا حدث فعلا؟؟ سأموت لو حدث ذلك.
8
كم مرة كتبت عن امرأة أحببتها ردحا من الحسرة والاغتراب، كم مرة صفيت الحساب معها، وأدنتها، وكرهتها، تاركا منطق الفن وصدقه وقانونه؟ هل حدث هذا؟ يا ويلي.
9
كم مرة فكرت بقارئ لئيم ينتظرني على مفترق مكتبة، ليقرأ كتابي الجديد، ويرعب يومي؟ هل هذا طبيعي؟ صار لديّ 12 كتابا قصصيا، حصلت على جائزة الدولة، ووصلت إلى قوائم قصيرة في جوائز مهمة، وحتى هذه اللحظة ما زلت أرتعب من القارئ اللئيم الذي حفظني عن غيب ويترصد ترهلي السردي؟ هل فعلا أنا مترهل سرديا؟ آه أيها الطفل الذي في داخلي: أكبر أكبر أرجوك؟