عُمان الاقتصادي

افتتاحية: الوجه الجديد للمُدن

 

أعادت السنوات الأخيرة تعريف مفهوم النمو الحضري والعمراني ليتجاوز فكرة التوسع المادي في المباني والطرق، ويعيد الاعتبار إلى البعد الإنساني والمعرفي للمدن بوصفها منظومات حية تُعيد تشكيل نفسها وفق التحولات السلوكية والرقمية والبيئية التي يعايشها الإنسان اليوم.

ونقول «أعادت» لأن الإنسان منذ الحضارات الأولى لم يبنِ الجدران لحماية المساكن فحسب، بل لاحتواء النظام السياسي والاجتماعي الذي يعيش في داخله، ففي المدينة الإغريقية «بوليس» لم تكن الغاية من التخطيط تأمين المأوى، بل تعليم الفضيلة وصوغ شخصية الإنسان الاجتماعي، وكذلك في مدينة أوروك ببلاد الرافدين، والتي تُعد أول مدينة في التاريخ نحو عام 3500 قبل الميلاد، والتي قامت على مرتكزات السلطة والقداسة، يتوسطها المعبد وتحيط بها الساحات العامة في تجسيد لفكرة فلسفية مفادها أن المدينة انعكاس أرضي للنظام الإلهي.

واليوم، ندخل مرحلة جديدة من التحول، تتراجع فيها مفاهيم المركزية التقليدية لصالح مدن أكثر مرونة واستدامة، فأنماط العمل الهجين والنقل المستدام والمدن منخفضة الكربون لم تعد قضايا تخطيطية، بل محركات رئيسية لإعادة توزيع النشاط الاقتصادي وموازين الجاذبية السكانية. ويرى الخبراء أن المدن التي ستقود المشهد الاقتصادي العالمي خلال العقد القادم ليست بالضرورة العواصم العملاقة، بل المراكز المتوسطة والإقليمية القادرة على التكيّف مع التغيرات المناخية والتكنولوجية والديموغرافية. وتشير تقديرات معهد ماكينزي مثلا إلى أن نحو نصف النمو الاقتصادي العالمي خلال الأعوام القليلة القادمة سيأتي من المدن الصاعدة، خاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وفي ضوء هذه التحولات، يخصص ملحق عُمان الاقتصادي عدده التاسع لمناقشة الوجه الجديد للمدن، من خلال قراءة معمقة في التقارير العالمية والحوارات المتخصصة التي تتناول إعادة تعريف العمران بوصفه رافدًا اقتصاديًا وإنسانيًا ، ويركز العدد على قضايا التخطيط الذكي، والاستدامة، ودور التقنيات الحديثة في تحقيق ذلك إلى جانب مقالات اقتصادية منوعة أخرى تقرأونها في الصفحات القادمة.

رحمة الكلبانية محررة الملحق