أعمدة

أدونيس وغيلان العلوي

قبل أيام، وصلتني رسالة -يبدو أنها متداولة في رسائل الواتساب- لرأي نقدي حول أدونيس من الدكتور قائد غيلان العلوي، في مقالته المعنونة «أدونيس... عجز إبداعي يتخفّى وراء الغموض»، والتي نُشِرت بتاريخ 8 أكتوبر 2021 في موقع نشوان نيوز، وأرى أن رأي الدكتور غيلان ينتمي إلى المدرسة النقدية المحافظة التي ترى أن أدونيس تجاوز الشعر إلى التنظير والغموض الفارغ، متجاهلًا بذلك القيمة التاريخية، والفكرية لمشروع أدونيس الذي لا يمكن إنكار أثره في تطور الشعر العربي الحديث، فوصفه غيلان بأنه وهم إعلامي قائلًا: «هو مجرد ظاهرة إعلامية ضُخِّمت كثيرا حتى على الشاعر نفسه، تضخّمت وتعالت على الناس وعلى نفسها، إنه شخصية تستثمر الضجيج، وتتكئ على مجد وهمي لا يمكن أن يتحوّل إلى إبداع حقيقي.

أدونيس صنيعة إعلامية لمّعته المجلات الحداثية مثل مجلة شعر ومواقف، وغيرهما من المنابر التي نصبت نفسها محاكم تفتيش على الشعر والشعرية، وتحكّمت بأمزجة الناس وأذواقهم زمنا ليس بيسير».

لا أنكر انزعاجي الشديد، ووقوفي عند الطريقة الجائرة في تسطيح أدونيس وسحقه، وكأنه استبعاد تام له من المشهد الثقافي، فبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه كمفكر، أو كشاعر حداثي، تبقى حقيقة أنه ظاهرة ثقافية مركبة تستحق القراءة لا الإلغاء والتحقير بالنقد اللاذع من معارضيه، فالبنية الشعرية عند أدونيس، حتى وإن لفّها الغموض شيئا ما من باب أن البيت الشعري حمّال أوجه، فهي ليست فارغة تماما.

نحن كقارئين للشعر ومتذوقين، نقدّس كل ما يحمل رؤى تصويرية، وحسا لغويا جاذبا، فما بالكم بشاعر يجمع بين البُعد الفكري، والتجربة الجمالية، والمقاربة بين التراث والمعاصرة كأدونيس! غيلان يزعم في مطلع مقاله أن جائزة نوبل لن تصل إلى أدونيس كما لم تصله حتى اليوم!، ولكن نوبل ليست دليلا قاطعا على التفوق الكامل!، ولم يحصل عليها عظماء سابقون مثل تولستوي، وغاندي، وبورخيس، ومحمود درويش، وطه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، فلِجائزة نوبل معايير أخرى غير المعيار الإبداعي، علمًا بأن أدونيس حاز على جوائز مرموقة مثل جائزة غوته، وتُرجمت أعماله إلى لغات كثيرة، ونُشرت بشكل عالمي متسع، مما يدل على حضور حقيقي وثابت تجاوز به العالم العربي.

يقول أدونيس: «التصوف من وجهة نظري يقوم على العناصر التالية: أولاً. أن الواقع شامل، لا حدود له، غير مقيد، إنه ما يظهر لنا، وما هو غير مرئي ومخفي، ثانيًا.

ما هو مرئي ومعلن لنا ليس بالضرورة تعبيرًا فعليا عن الحقيقة، ربما يكون تعبيرا عن جانب سطحي عابر سريع الزوال من الحقيقة؛ لكي يكون قادرا على التعبير عن الواقع بصدق، يجب على المرء أيضا أن يسعى لرؤية ما هو مخفي، ثالثًا. الحقيقة ليست جاهزة مسبقة الصنع... ونحن لا نتعلم الحقيقة من الكتب! يجب البحث عن الحقيقة، واستكشافها، وبالتالي، فإن العالم ليس عملا مقضيا، إنه ومضات مستمرة من الوحي، والإبداع، والبناء، وتجديد الصور، والعلاقات، واللغات، والكلمات، والأشياء»، وضمن الأبيات الشهيرة له ما قال فيه: «لا أحدَ يُصغي إلى أحد الكلُّ يصرخُ في صحراءِ ذاته».

عند هذا، أميل إلى القول إن هجمة الدكتور غيلان على أدونيس هي هجمة متطرفة تسعى إلى نسف الشخصية وتحجيمها ولا تخدم النقد الأدبي في شيء.