أفكار وآراء

إذا كان ترامب يريد جائزة عن اتفاق غزة فلماذا لم يبرمه مبكرا؟

ترجمة - أحمد شافعي -

بعد الكثير من صور الموت والدمار، يا لها من راحة عذبة إذ نرى صور البهجة، لقد انقسمت شاشات قنوات الأخبار في العالم يوم الخميس الماضي بين احتفالات في غزة واحتفالات في إسرائيل، فكانت مشاهد التهليل والتصفيق هنا مرآة لها هناك، وكأنما يؤكد ذلك أن الشعبين أرادا منذ أمد بعيد أن تنتهي هذه الحرب، ولم يرد أغلبهم أن تخاض من الأساس.

ولم تكن الصور غريبة، فقد رأينا نسخة منها في يناير عندما أثار إعلان وقف إطلاق النار ابتهاجا عظيما، ولم يستمر ذلك إلا إلى منتصف مارس، حينما انتهكت إسرائيل الاتفاقية واستأنفت قصف غزة في واقعة يجدر بها أن ترشِّد الأمل الراهن وتكون له نذيرا، لأننا نعرف أن الأمور يمكن أن تنهار في أي لحظة، ومع ذلك، فحتى أعظم متشائمي المنطقة دراية يسلّمون هذه المرة بأن الاتفاقية تبدو قابلة للدوام.

فكيف تحققت ومن يستحق الثناء عليها؟ في الغالب يكون مثل هذا الفتح نتيجة تغيير كلا الطرفين لموقفيهما، بقدر متساو بشكل ما. للوهلة الأولى، قد يبدو وكأن هذا هو ما حدث فعلا، فحماس قد ضعفت بوضوح، إذ قضت إسرائيل على قادتها ونالت من أهم أنصارها أي إيران، وضمن دونالد ترامب من الدول ذات النفوذ على حماس -أي قطر وتركيا ومصر- أن تدفع المنظمة إلى القبول. (وفعل ذلك باستعمال أدوات تنفرد بها الولايات المتحدة فوافق مثلا على اتفاقية دفاع مع قطر تمنح الدولة الخليجية مستوى حماية مماثلا لأعضاء الناتو).

ومع ذلك، وبرغم بذل أنصار بنيامين نتنياهو أكبر جهودهم للإيحاء بغير هذا، فإن حماس لم تضطر إلى تغيير موقفها تغييرا كبيرا. فقد تدعو خطة ترامب المؤلفة من عشرين نقطة الجماعة إلى وضع سلاحها، لكن حماس لم تلتزم بذلك وما من إشارة إليه في اتفاقية وقف إطلاق النار الراهنة المحدودة نسبيا والتي توصف بأنها المرحلة الأولى من الاتفاقية.

لقد قالت الجماعة منذ البداية إنها سوف تسلم الرهائن الذين تحتجزهم فور موافقة إسرائيل على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وعلى أن تسحب في النهاية قواتها من غزة وتنهي الحرب. ومن المؤكد أن الانسحاب سوف يتم في مراحل، لكن هذه الخطوات الثلاث هي ما وافقت عليه إسرائيل بصفة عامة. ومثلما قال لي ميشيل ميلستين العقيد السابق في مخابرات الجيش الإسرائيلي الذي يعد بصفة كبيرة أهم محلل إسرائيلي لحماس: «فلنواجه الحقيقة، حماس لم تغير على أي نحو جذري مواقفها الأساسية».

بعبارة أخرى، التحول الكبير إنما طرأ على موقف إسرائيل. فقبل أيام قليلة من كشف ترامب النقاب عن خطته في البيت الأبيض ونتنياهو بجواره، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول في الأمم المتحدة بنيويورك إن الحرب لن تنتهي إلا بالدمار التام لحماس. وها هو الآن قد وافق على اتفاق يترك حماس حيثما هي. وها هو قبل بما كان يعده من قبل غير مقبول. فما الذي حمله على ذلك؟

الإجابة الوجيزة هي أن دونالد ترامب استعمل أخيرا كامل قوة مكتبه وأعلن نهاية الحرب. وأوضح لنتنياهو بلا أدنى لبس أن صبره قد نفد، واثقا في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس له من ملاذ آخر. على مدى السنتين الماضيتين، أظهر نتنياهو ازدراءه للجميع -بمن فيهم أصدقاء إسرائيل وحلفاؤها التاريخيون- فلم يبق معتمدا على أحد غير ترامب. فإن قال رئيس الولايات المتحدة إن الحرب يجب أن تنتهي صار لزاما أن تنتهي. ومثلما قال ترامب نفسه لنتنياهو: «إسرائيل لا تستطيع أن تحارب العالم».

يذهب أغلب المراقبين إلى أن ترامب قرر استعمال قوته بعد هجمة إسرائيل الفاشلة في التاسع من سبتمبر على فريق حماس التفاوضي في الدوحة. إذ اعتبر ترامب ذلك إهانة شخصية. ولم يكتف بتنبيه نتنياهو إلى أن إسرائيل كانت تخطط لقتل الأشخاص الذين تحتاج إليهم في مناقشة الاتفاق، بل لقد فعلت ذلك على أرض ذات سيادة في بلد بينه وبين نتنياهو علاقات شخصية ومالية.. وتذكروا أن القطريين أهدوا إلى ترامب طائرة يستعملها استعمال الطائرة الرئاسية. فكان ذلك غطرسة من نتنياهو، وشأن زعيم للمافيا حينما يتعرض لإساءة من محاولة اغتيال أحد شركائه في التجارة، قرر ترامب أن الوقت حان لتذكير رئيس وزراء إسرائيل بمن هو الزعيم حقا.

انتبه الرئيس الأمريكي أيضا إلى الاحتجاجات الصاخبة في الشارع الإسرائيلي، إذ طالب الشعب هناك بإنهاء الحرب، والغضب العالمي الذي تسبب فيه تدمير إسرائيل لغزة، وقدّر أن التوسط في اتفاقية لوقف إطلاق النار سوف يجلب له المجد الذي يتوق إليه برغم زعمه دائما أنه يزدري الرأي العام الدولي. وناهيكم بجائزة نوبل للسلام التي يشتهيها ويراها كنزا ثمينا يراوغه حتى الآن. وهكذا هي قوة رئيس الولايات المتحدة التي لا يكاد يقرر استعمالها حتى تتراص القطع كلا في مكانها.

فهل ذلك إذن يجعل من ترامب بطل الساعة؟ خير لمن أسرفوا في معارضته على مدى العقد الماضي أن يتقبلوا الأمر ويثنوا حيثما يجب الثناء. لقد استعملت قدرته على الضغط ولي الأذرع، وسيطرته على مجال الانتباه العالمي، وقوة شخصيته، وقد استعملت جميعا في هذه الحالة لتحقيق غرض نبيل هو إيقاف القتل وتحرير الرهائن.

لكن أي إعجاب يجب أن يتقيد بحقيقة واحدة قاطعة. لقد كان بوسع ترامب أن يفعل هذا قبل وقت بعيد. فحينما رجع إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير، كان اتفاق لوقف إطلاق النار، شبيه كثيرا بالاتفاق الحالي، قائما. وحينما تحرك نتنياهو لخرق ذلك الاتفاق في مارس، كان بوسع ترامب أن يستعمل نفوذه ويرفض، لكنه بدلا من ذلك منحه الضوء الأخضر، وما أعقب ذلك، بطرق كثيرة، كان ستة أشهر من الحرب التي كانت لترامب القدرة على إيقافها، لكنه اختار ألا يفعل ذلك.

بالطبع، ينطبق مثل هذا الانتقاد تماما على نتنياهو نفسه. والحق أن الجرم أكبر، لأن اتفاقا شبيها للغاية بالذي وافق عليه هذا الأسبوع كان معروضا منذ مطلع يونيو 2024، لكنه رفضه، ورفض أمثالا له بعده، مقررا في كل منعطف أن مصالحه الشخصية والسياسية تتحقق على أفضل نحو باستمرار الحرب. صحيح أن جو بايدن يستحق اللوم على عدم استعماله قوة الولايات المتحدة للمطالبة بوقف الحرب (برغم أن وضعه كان أصعب من وضع خلفه، ولو كان السبب في ذلك هو أن دونالد ترامب ليس مهددا بظهور دونالد ترامب في الأفق واعدا نتنياهو بشروط أفضل). لكن مسؤولية نتنياهو عميقة.

وحتى لو أنكم رجعتم إلى الفرصة التي تبددت في مارس، فكروا فقط في كل ما ضاع. الأنفس الفلسطينية التي أزهقت في غزة منذ ذلك الحين، الجوع الذي حدث لإغلاق إسرائيل طريق المساعدات. ومن وجهة نظر إسرائيل هناك الرهائن الذين اضطروا إلى احتمال سبعة أشهر إضافية في الأسر، والجنود الذين لقوا حتفهم في القتال، وتدمير موقف إسرائيل -في ما يتعلق بالمساعدات بصفة خاصة- حتى تحولت إلى بلد منبوذ في العالم.

يقول ميلستين: «إنها كارثة حقا، لأننا نبدو كمن قام برحلة طويلة للغاية ليجد نفسه في نهاية المطاف في النقطة التي بدأ منها». ويمكنكم أن تصدروا حكم إدانة مماثلا على حماس، فقد كان بوسعها أن تنهي آلام غزة قبل وقت بعيد بإطلاق سراح جميع الرهائن.

وها نحن نرى أن ترامب لم يحصل على جائزة نوبل، ليس في العام الحالي على أي حال. ولو أنه يريدها بحق، فواضح تماما ما ينبغي عليه أن يفعله. عليه أن يبقى مشاركا في الشهور والسنين القادمة كما كان مشاركا خلال الأيام العشرة الماضية. فكل نقطة في نقاط اتفاقه العشرين تحتوي توترات عالقة كفيلة بأن يتحطم الأمر كله.

وفي المقام الأكبر، عليه أن يركز على نتنياهو، متنبها لخطر أن يركن نتنياهو إلى ما تم الاتفاق عليه ولا يمضي إلى ما ينبغي أن يحدث لاحقا. وانتبهوا إلى قول أحد حلفاء نتنياهو «ما من مرحلة ثانية». لا يجب أن يتسامح ترامب مع هذا. عليه أن يواصل الضغط، ومنع نتنياهو من أي من ألاعيبه المعهودة. ولو أن ترامب يريد جائزة سلام حقا، فما من سبيل آخر.

جوناثان فريلاند كاتب رأي في صحيفة ذي جارديان