روضة الصائم

الرزق

هلال بن عبدالله الخروصي - من مسببات التوتر الرئيسة في الحياة العملية هي الخوف والقلق على الرزق. فالرزق وطلب الرزق من أكثر القضايا التي تشغل بال الناس، وتأخذ حيزاً من تفكيرهم وأفكارهم وسعيهم في الحياة. وحقيقةً لن نفلح في علاج هذا المرض إلا بالعودة إلى الأصل الأصيل وهو الإيمان بالله العظيم، والتوكل على الله، وتفويض الأمر إلى مالك مفاتيح الأرزاق. المال وحده يسبب الهم والغم والقلق الكبير الذي لا نهاية له، وقد يكون أحد يعمل في وظيفة لا يحبها ولا يخلص العمل فيها، ويستمر لأجل الراتب فقط، فهذا بحد ذاته شعور يومي مستمر مؤلم على مرور الأيام، سيكوّن قائمة من الأمراض العضوية والنفسية الخطيرة ابتداءً من الصداع وانتهاءً بالقلب والسكري والسرطان. التعلق بالمال في قلوبنا هذا أمر بجانب أنه خلاف للتعاليم الربانية، فإنه مجلب للحيد والتنافس غير محمود، وتغيب عنا معاني الدعاء والتوكل على الرزّاق. «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖهَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚسُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ». والمتأمل في سنة الحبيب المصطفى رسولنا الكريم العظيم يؤكد خبر السماء ومدلولات الكتاب قائلا: «أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته». ما لم يكن موضوع الرزق عقيدة جازمة قاطعة في قلوبنا، نلجأ الى الباري صباحا ومساء بالرزاق العليم أن يوسع رزقنا وأن يفتح علينا من فضله، هنا تكون الحياة سعادة وجمالا، لا هم ولا غم، شعور بالرضى الداخلي الذي تطمئن معه النفس. سُمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ». في هذا الحديث حجة صريحة للحياة الكريمة المطمئنة والتي مدارها هم الآخرة، هذا القانون الكوني العجيب في حياة ملؤها القلق والتوتر ما دامت الحياة الدنيا هي أكبر هم. ولن يهنأ عيش إنسان يعيش وراء المادة وتغيب عنه الأبعاد الأخروية ما لم يكن هناك تعلق بخالق الأرض والسماوات، ونؤمن أن الله هو الرزاق وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ذو القوة المتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطانا» الحقيقة الغائبة في الحياة هي أن العبد مطلوب بالعمل والإنجاز أما النتائج بيد الله وهذا هو التوكل الحقيقي، فالمتوكل يسدده الله ويفتح عليه ويوفقه ويحميه. قال تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا». وقد ينظر البعض إلى المال بنظرة ثانوية، إلا أن المال والرزق من صميم العقيدة الإسلامية التي لا تهنأ حياة إنسان ما لم يستوعبها، وهناك تساؤل عجيب عند الكثيرين من الناس. أيكون الإنسان صالحا مؤمنا وكذلك غنيا؟ ،هل هناك تناقض بين الإيمان والصلاح والغنى؟ هذا التساؤل طرح منذ عهد السلف الصالح ، سُئل أحد الأئمة والعلماء العارفين، أيكون المؤمن غنيا؟ قال نعم شريطة إذا زادت لا يفرح، وإذا نقصت لا يحزن. فالمعنى إن الزهد والقناعة الصادقة ألا ينشغل قلبك بالمال وجمعه وطرق إنفاقه، حتى يشغلك عن أداء الحقوق والواجبات وما افترضه الله، فيكون المال في يدك لا في قلبك وعلامة ذلك ألا تفرح فرحا مطغيا إذا زاد وألا تحزن حزنا يائسا إذا نقص. «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» أن تكون غنيا وهذا أمر محمود، ولكن إذا زاد لا يطغيك وإذا نقص لا يحزنك وتصاب بالتوتر والانهيار والاكتئاب. كما قال ربنا تبارك وتعالى: «لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم». قوانين الله في الرزق: شكر النعم: قال الله تعالى «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ». شكر الله عز وجل على النعم صباحا ومساء من أهم مفاتيح الرزق، فنعم الله علينا تترى ولن نستطيع أن نحصيها أبد الدهر. «وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها» ، «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» الإنفاق في سبيل الله: (ما نقص مالٍ من صدقة). الإيمان والتقوى: قال الله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ». وقال أيضا: «وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا». صلة الرحم: «من سرّه أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصلْ رحمه». الاستغفار: الاستغفار من العلاجات الفعّالة والأسباب الجبارة لجلب الأرزاق. قال تعالى: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا » إنها قوانين ربانية تكسبك الأمن والأمان وتريحك من هم الرزق مع العمل والتوكل على الله.