ثقافة

الخطاط منير الشعراني يحرر الحرف من قوالبه في معرض "إيقاعات خطية"

 

أقيم مساء أمس بالنادي الثقافي معرض فني بعنوان 'إيقاعات خطية' للفنان والخطاط السوري منير الشعراني، وذلك برعاية معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية، بحضور سعادة محمد بن سعيد البلوشي وكيل الإعلام ونخبة من المهتمين بالفنون البصرية والخط العربي ومجموعة من الفنانين التشكيليين.
ضم المعرض أكثر من خمسين لوحة خطية للفنان والخطاط السوري منير الشعراني، الذي يعد أحد أبرز المجددين في فن الخط العربي المعاصر، إذ قدم من خلال أعماله رؤية جمعت بين جماليات الحرف وروحه التأملية، وتعيد اكتشاف العلاقة بين النص والمعنى وبين الشكل والمضمون، في إطار بصري حديث يستند إلى تراث الخط العربي العريق.
وتنوعت اللوحات المعروضة بين نصوص دينية وصوفية وفلسفية وشعرية، اشتغل فيها 'الشعراني' على توظيف الحرف ككيان نابض بالمعنى وليس الاكتفاء به كعنصر زخرفي، حيث تتوازن التكوينات الخطية بين الانضباط الهندسي والانسياب الروحي، لتعبر عن تجربة فنية تتجاوز الزخرفة نحو ما يمكن تسميته بـ'فكر الخط'.
وتبرز في تجربة 'الشعراني' نزعة واضحة إلى تحرير الحرف من القوالب الكلاسيكية، عبر بناء بصري يعيد تعريف الجمال العربي في لغة تشكيلية معاصرة، دون أن يفقد الخط جوهره الروحي أو بعده الجمالي الأصيل، كما تعكس اللوحات حضورا متفردا للحكمة والنص المضيء في حوار بين العين والعقل وبين البصر والبصيرة.
وقد لاقى المعرض تفاعلا واسعا من الزوار الذين توقفوا طويلا أمام تفاصيل الحروف المشكّلة في فضاء اللوحات، مستشعرين الإيقاع الداخلي الذي يصوغ الحرف ككائن حي ينبض بالصفاء والدلالة ويعيد للخط العربي مكانته في المشهد التشكيلي المعاصر.
وبعد انتهاء الجولة في المعرض والاستماع إلى شرح الخطاط لتفاصيل اللوحات الخطية المعروضة، ألقى الأستاذ الدكتور محمد بن علي البلوشي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي كلمة استهلها بالتأكيد على أن الأمسية هذه بمثابة دعوة لإيقاظ المعنى من سباته، وفتح نوافذ على سر الجمال الخفي في الحرف العربي حين يتحول من صوت إلى رؤيا، ومن لغة إلى كيان من ضوء وروح، وأن الخط العربي ليس حبرا على ورق، بل طريق نحو المطلق، تتصالح فيه الرؤية مع العبارة، ويتحول الحرف فيه إلى نبض للحرية والجمال.
أضاف 'البلوشي': تجربة 'الشعراني' تجربة مجددة في الخط العربي جمعت بين الفلسفة والجمال وبين التأمل والتقنية، وبين التراث والحداثة، حيث استطاع أن يجعل من الخط العربي فضاء للتفكير وساحة يتفاعل فيها الجمال مع الفكر والأصالة مع الحداثة والروح مع الجسد، وأن الخط العربي لم يكن يوما وسيلة للكتابة فقط، بل هو مرآة للروح التي ترى في الجمال طريقا إلى المطلق، وفي الحرف معراجا نحو المعنى، وأن أعمال 'الشعراني' تجسد هذا المفهوم عبر إيقاعات بصرية تنبض بالمعنى، وتحول الحروف إلى موسيقى للعين وابتهال بالحبر لا بالكلمات.
وأشار 'البلوشي' إلى أن ما يميز تجربة 'الشعراني' تتميز في أنه تحرر من القوالب النمطية للخط العربي، معتبرا أن الحرف فكرة قبل أن يكون شكلا، ومعنى قبل أن يكون تزويقا، مشيرا إلى أن كل لوحة من لوحاته هي مرآة لقلق الإنسان الحديث وحنينه القديم، وإيمان عميق بأن الجمال قادر على إنقاذ الإنسان من قسوة العالم، وأن كل لوحة هي جسر بين الخط العربي والفن المعاصر، وبين التراث البصري العربي والحداثة العالمية، معتبرا أن فلسفة الفنان تقوم على الحرية، تلك التي تتجلى في كل امتداد للحرف وفي كل توازن بين السطر والفراغ، فالخط عنده فعل مقاومة للجمود واستدعاء لذاكرة الجمال في وجه النسيان.
واختتم رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي كلمته بالتأكيد على أن استضافة الفنان السوري منير الشعراني تعبر عن تقدير النادي لتجربة جعلت من الخط العربي مساحة للتأمل والفكر ورؤية للجمال بوصفه معنى متجددا لا شكلا جامدا، مشيرا إلى أن هذا المعرض يفتح من جديد السؤال الأزلي: كيف يمكن للجمال أن يعيد إلى العالم المضطرب توازنه وروحه؟.
وفي الختام قام معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري راعي المناسبة بتقديم هدية تذكارية للخطاط منير الشعراني تقديرا لعطائه الفني وإسهاماته البارزة في تجديد فن الخط العربي المعاصر.