رأي عُمان

في المعنى الحقيقي لزيارة جلالة السلطان لبيلاروس

 

تشكل زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى جمهورية بيلاروس إضافة جديدة إلى مسار التحول الاستراتيجي الذي تتبناه سلطنة عُمان في بناء الشراكات الاقتصادية الجديدة في لحظة عالمية تشهد تغيرات جوهرية في شكل العولمة وسلاسل الإمداد ومعادلات الطاقة والتكنولوجيا. وهذه ليست المحطة الأولى في هذا التحول الذي بدأت تتشكل معالمه في السنوات الأخيرة، ولكنها حتما محطة مهمة لاعتبارات كثيرة تتعلق بالموقع الجغرافي والاشتغالات الاقتصادية في بيلاروس.

وتسعى سلطنة عُمان بشكل جاد وحثيث نحو تنويع مصادر الدخل، وتوسيع شبكة الشراكات بعيدا عن الارتهان لمحور واحد، وتحويل الجغرافيا البحرية والموقع المتوسّط بين آسيا وإفريقيا إلى نفوذ اقتصادي ودبلوماسي قادر على تحقيق عوائد ملموسة وقابلة للقياس. بهذا المعنى يمكن قراءة الزيارة ووضعها في سياق المشروع الأكبر الذي يعمل عليه جلالة السلطان المعظم وهو إعادة بناء الاقتصاد العماني وتنويع مصادر الدخل وترتيب خرائط المصلحة العُمانية على قاعدة براغماتية تحمي الاستقرار وتخلق قيمة مضافة للاقتصاد.. يحدث ذلك في ظل ثوابت السياسة العمانية والحفاظ على قيمها الراسخة التي لا مساومة عليها.

وتمتلك جمهورية بيلاروس قوة إنتاج صناعي وتكنولوجي في فضائها الأوراسي، وهي، أيضا، بوابة تُمكن من بناء سلاسل توريد بديلة في قطاعات عدة بينها القطاعات الزراعية والصناعات الدوائية والتكنولوجيا متوسطة التعقيد، والتي يمكن الاستفادة من بناء شراكات لتوطينها في المناطق الصناعية العمانية أو عبر سياسة التصنيع المشترك بين البلدين. وتدرك بيلاروس أهمية هذه الشراكات مع عُمان التي تمتلك موقعا جغرافيا مغريا للدول المصنعة إضافة إلى الموانئ والمناطق الصناعية والمناطق الحرة ناهيك عن سهولة وصول منتجاتها إلى أسواق الخليج وشرق أفريقيا والهند وآسيا. وهذا التداخل بين «قدرات الإنتاج» و«قدرات العبور» هو جوهر المعادلة الاقتصادية التي تُبنَى عليها الشراكات بين البلدين.

أما على المستوى السياسي، فإن العلاقات تبنى بين البلدين على أسس من الدبلوماسية الهادئة التي تفضلها سلطنة عُمان والتي أصبحت صفة ملازمة لصورتها الذهنية مع دول العالم. والشراكة السياسية التي تبنى على مثل هذه القيم والمبادئ تنتج ثقة قابلة للتراكم والتطور، وتتحول مع الوقت إلى أصول سياسية يستثمرها الطرفان عند الحاجة عبر تنويع قنوات الحوار، وتطوير التعاون التقني والأمني إضافة إلى إدارة اختلافات العالم الراهن بعيدا عن الاصطفافات الحادة.

أما في السياق الثقافي فإن المساحة كبيرة جدا لبناء تعاون كبير بين البلدين سواء في مسارات التعليم أو الفنون والترجمة وهي مسارات قابلة للرسوخ أكثر من غيرها لأنها تبنى على أسس إنسانية أكثر ديمومة.

بهذا المعنى يواصل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع مختلف دول العالم وهو يتحرك عبر رؤية سياسية واضحة وفهم عميق للتحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم خاصة في ظل التغيرات التي طرأت على العولمة وسلاسل التوريد ونظرة العالم لمصادر الطاقة التقليدية والطاقة البدلية. وتنعكس هذه المكاسب على البناء العميق في عُمان سواء في التغيرات البنيوية على الاقتصاد أو فتح الاستثمارات أمام المستثمرين الدوليين أو على مستوى التغيير العميق في فكرة الاعتماد على النفط باعتباره المصدر الأول للدخل.