إشراقات

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

 

رجل مسافر صلّى عدة أيام بخلاف القبلة دون علمه بذلك، مع أنه قد تحرّى القبلة عن طريق أحد البرامج، ثم استعلم بعد ذلك من أصحاب المكان بأن الجهة التي كان يتوجه إليها -ظنًا منه أنها القبلة- ليست صحيحة. فماذا عليه فيما فات من الصلوات؟

لا شيء عليه فيما فات، بما أنه قد اجتهد وتحرى القبلة واستعمل شيئًا من هذه التطبيقات، فصلّى بناءً على اجتهاده وتحريه؛ فلا حرج عليه ولا إعادة عليه، ولكن ينبغي له أن يتثبت من هذه التطبيقات التي يستعملها. وللأسف الشديد هناك بعض التطبيقات التي يظنّ المستعملون أنها تطبيقات إسلامية للقبلة أو للقرآن الكريم أو لشيء من البرامج التي يحتاجون إليها، ولكنها برامج خبيثة صنعها عدونا.

وفيما يتعلق بالمصحف الشريف، فالأمر أقل بكثير؛ ومراحل تمحيصه والتدقيق عليه أشدّ وأحزم. ولكن بعض التطبيقات المتعلقة باتجاه القبلة وبعض النصائح والإرشادات هي تطبيقات مسمومة خبيثة؛ فينبغي الحذر واستعمال التطبيقات الموثوقة الصادرة عن الجهات المختصة والجهات الرسمية.

فمن المستغرب أن يكون تطبيق لتحديد اتجاه القبلة ويُظَلُّ عليه أيامًا، اللهم إلا إن كان قد استعمله للمرة الأولى ثم بنى على استعماله. أما الغالب فإن هذه التطبيقات تعيد تموضع الإحداثيات بنفسها. وهذه مناسبة للتنبيه أيضًا؛ فقد رأيت كثيرًا من المشتغلين ينبهون على ما يتعلق بتطبيقات أو برامج الذكاء الاصطناعي، إذ هي الآن أشد خطرًا من حيث عدم دقتها في مثل هذه القضايا، ولذلك فإن استعمال ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي لمثل هذه المقاصد لا بد أن يُحاط بمزيد من التبيّن والتثبت والمقارنة والرجوع إلى المصادر، وأيضًا تغذية منصات الذكاء الاصطناعي بالمعلومات الصحيحة حتى لا تتكرر هذه الأخطاء.

وللأسف لا توجد هناك جهة معينة يمكن أن تنبه على هذه البرامج بنوعياتها أو مسمياتها، وكنت قد اقترحت هذا في مجمع الفقه الإسلامي، وكان هناك تفهّم، وأظنّ أنهم نقلوا الفكرة إلى بعض الأقسام أو الجهات المختصة في المجمع؛ فعسى أن ترى النور قريبًا. بعض التطبيقات اليوم أصبحت موجهة إلى المسلمين في غرب إفريقيا، فأصبح القرآن الكريم فيها ليس برسم المصحف، وإنما بلغاتهم ولهجاتهم المحلية، وهي دعوة خبيثة أريد لها، ولها مستجيبون؛ فأخذوا يقرؤون القرآن بتراجم وبغير رسم المصحف.

ومن ذلك أيضًا ما يتعلق بكتابة المصاحف على غير رسم المصحف، فهذه أيضًا موجودة، وقد تكون في بلداننا قليلة وغير منتشرة لوعي الناس ورفضهم لمثل هذه التطبيقات وتمييزهم لها، بل تكاد تكون غير معلومة، لكن إخواننا المسلمين في غرب إفريقيا يعانون منها، فلابد من الحذر من مثل هذه التطبيقات.

هل ثبت هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا تطييب موتاكم فإنهم يتزاورون»؟ وهل يلتقي الأموات بمن سبقوهم، أم أن هذا خاص بالشهداء فقط؟

الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا تطييب موتاكم فإنهم يتزاورون»، لم يثبت عنه، بل هو حديث ضعيف، ومنهم من قال إنه موضوع، ويبدو أنه ضعيف جدًّا. وقد ورد بألفاظ أخرى مثل: طيّبوا أكفان موتاكم أو أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون أو فإنهم يشهدون ويتزاورون فيها، غير أن جميع هذه الروايات ضعيفة.

وأما مسألة تزاور أرواح الموتى، فقد وقع فيها خلاف مشهور، فهناك من يقول إنه لا دليل على تزاور الأرواح وتلاقيها، وهناك من يرى أن الأرواح تتلاقى وتتزاور، ويستشهدون لذلك بعموم النصوص ولا يخصونه بالشهداء فقط، إذ ورد في شأن الشهداء أنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، فعمّم بعض العلماء هذا الحكم على عموم المؤمنين. واستدلوا أيضًا بما جاء في روايات نزع أرواح المؤمنين، وأن ملائكة الرحمة تصعد بها فتتلقاها أرواح المؤمنين، فيسألونها عن أحوال من خلفهم: ما صنع فلان؟ وما فعل فلان؟

وقال فريق ثالث: إن ذلك خاص بالشهداء فقط. وبذلك صارت الأقوال في المسألة ثلاثة: الأول عدم التزاور والتلاقي مطلقًا، والثاني القول بوقوع التزاور والتلاقي لعموم المؤمنين، والثالث أنه خاص بالشهداء.

والذي يظهر أن الأسلم في هذه المسألة هو التوقف، لأنها مسألة فرعية متعلقة بعالم البرزخ والغيب، والاعتقاد فيها ينبغي أن يكون مبنيًا على أدلة قطعية واضحة. ومع أن هذه القضية ليست من أصول الاعتقاد، إلا أنه إذا قُبلت فيها أحاديث صحيحة، فلا بد أن تكون متفقًا على صحتها، ودلالتها نصًّا في الموضوع. وعليه، فإن الأسلم التوقف، والله تعالى أعلم.

ما حكم استخدام أسلوب التعجب في أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته: ما أعظمك، ما أكرمك، ما أحلمك؟

أولًا: لنقرر المسألة فيما يتعلق بأفعال الله تبارك وتعالى بصفات الأفعال، فهذا مما لا خلاف فيه أبدًا. وأما ما يتعلق بصفات الذات، فهي محل خلاف عند أهل العلم، بين من وسّع وبين من ضيّق. ولا يظهر أن في التوسعة حرجًا؛ لأن المقصود هو إظهار عظمة الله تبارك وتعالى بأسلوب التعجب المعهود عند العرب.

وهذا لا يتنافى مع صفات الجلال والكمال لذات الله تبارك وتعالى، بل فيه تأكيد لما ينغرس في النفس من إجلال له جل وعلا وتعظيم لصفاته الذاتية. ومنهم من أدخل جانب اللغة في هذه المسألة، فرأى أن اشتقاق أفعال التعجب له شروط من حيث صيغة الفعل وكونه جامدًا وعدد حروفه في الجذر. لكن القرآن الكريم -كما أشار السائل- جاء فيه: أسمِع بهم وأبصِر، على خلاف القياس، وهي تشهد للقائلين بجواز التعجب فيما يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى الذاتية.

وبناءً على هذا، وعلى أن المقصود هو الإجلال والتعظيم له تبارك وتعالى في ذاته وصفاته وأسمائه، فلا يظهر مانع، والله تعالى أعلم.

بما أن الكثير من الجمهور ليس مختصًا في جانب العقائد، فما معنى صفات الذات وصفات الأفعال؟

صفات الذات هي ما يتعلق بذاته جل وعلا، كالحياة والقدرة والعلم. فهذه صفات ذاته، أي أن الله تبارك وتعالى لا يزال متصفًا بها؛ فهو جل وعلا حيّ، قدير، عليم، قادر. وتسمى صفات ذات لأنها ليست متعلقة بأفعاله سبحانه وتعالى. أما صفات الأفعال فتتعلق بأفعاله جل وعلا، كالإحياء والإماتة والرزق وغيرها من صفات الأفعال التي لها آثار، لا من حيث النظر إلى كونه جل وعلا قادرًا عليها، وإنما من حيث حدوث هذه الصفات وإحداثها. فهو يحيي ويميت، ويبسط الرزق ويمنع الرزق ويقدّر، فهذه مما يفرّق به بين صفات الذات وصفات الأفعال.

إذن، المقرر في الجواز عند البعض هو عدم المنع. ويراد بصفات الذات نفي أضدادها عنه تبارك وتعالى؛ فهو جل وعلا حيّ لأنه لا يصح أن يوصف بغير الحياة، ويوصف بالقدرة لأنه لا يجوز في حقه تعالى أن يوصف بما يقابل هذه الصفة وهو العجز، وهكذا صفات العلم والكلام وصفات الذات، فإنه يراد نفي أضدادها عنه سبحانه وتعالى. فذاته جل وعلا كافية لانكشاف هذه الصفات له جل وعلا، وليست أمرًا خارجًا عنه سبحانه.

صفات الأفعال يمكن أن يتصف بها، فهو محيي ومميت. ومع أن الإحياء والإماتة صفتان متقابلتان، إلا أن الله تبارك وتعالى يتصف بهما. وهو في كل أحواله منزه عن النقائص، متصف بصفات الجلال والكمال، لكن لها أثرا في الخارج، لا من حيث اتصافه جل وعلا بالقدرة عليها، وإنما من حيث حدوثها وإحداثها. فهو يرزق في وقت، ويبسط الرزق في وقت، ويقبض في وقت، يرزق البعض ويمنع عن البعض، وهكذا.

وصِفة الكلام: باعتبار نفي صفة الخرس عنه تبارك وتعالى أو العجز عن الكلام فهي صفة ذات، وباعتبار الإيحاء فهي صفة فعل. وهذا مما وقع فيه أيضًا كثير من المتكلمين الذين ظنوا أن صفة الكلام لا يمكن أن تنصرف إلا إلى صفات الذات، وهذا غير صحيح. فإنه إذا نظر إلى صفة الكلام باعتبار القدرة، فهي كغيرها من صفات الذات، وإذا نظر إليها باعتبار نفي الخرس عنه تبارك وتعالى فهي صفة ذات، إذ لا يجوز أن يوصف بضدها سبحانه وتعالى. وأما إذا نظر إلى الإيحاء وما يحدثه الله تبارك وتعالى من وحي يتنزل على أنبيائه ورسله أو على من شاء من خلقه، فهذه من صفات الأفعال.

وكذا الحال كما يقال: إن الله تبارك وتعالى يرزق عباده، فهو متصف بصفة الرزق، فهو الرازق والرزاق. إلا أن هذا الرزق الذي أحدثه الله تبارك وتعالى لعباده لا يمكن أن يوصف إلا بأنه محدث مخلوق من عند الله. وكذلك الحال فيما يتعلق بفهمنا لصفة الكلام، إذا نظرنا إليها باعتبارها صفة فعل لا صفة ذات.

فينبغي أن تكون الصورة واضحة، والكلام بهذا مطّرد إلا عند من قلّد ولم يقبل الحق، ولم يقبل هذا التمييز الذي حارت فيه الألباب، وأتوا فيه بالعجائب. فهذا لا شأن لنا بهم. لكن فهم هذه القضية وفهم هذه الصفة مطّرد على هذا المنوال، والله تعالى الموفق.