مدى توافق اتفاقية سيداو مع مبادئ الشريعة الإسلامية
الأربعاء / 8 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 22:03 - الأربعاء 1 أكتوبر 2025 22:03
تقوم المجتمعات على إعطاء مواطنيها المساحة المعقولة، للقيام بوظائفهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. تعمل الدولة جنبا بجنب مع مواطنيها لتحقيق ذلك والوصول إلى مستوى عالٍ من الرفاهية والتنمية. مع استقراء المجتمعات النامية والأوضاع الثقافية والاجتماعية فيها نجد هناك مفارقات غير منطقية بين نسبة توظيف النساء مقارنة بالرجال. فعلى حسب إحصائية حديثة عام 2023 بلغ معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في الدول العربية 19.8%، وفي المقابل وصل معدل توظيف الرجال إلى 74%. مما يقودنا إلى طرح تساؤل مهم في هذا السياق عن أسباب التفاوت الصارخ بين الجهتين، التي لا شك أنها تضر على الرفاهية الاقتصادية، ولكي نواجه هذه المشكلة فإن من أبسط النقاط هي إعمال المساواة في الفرص الوظيفية بين الجنسين.
نتيجة لما سبق، تطرح في الآونة الأخيرة مطالبات للمساواة في الفرص الوظيفية بين الجنسين ويستند البعض على اتفاقية سيداو التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979م والتي تهدف إلى القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي نصت على أهمية إلغاء التمييز بين الجنسين في المجال الاقتصادي. الجدير بالذكر أن سلطنة عمان صادقت على هذه الاتفاقية مع التحفظ على بعض بنودها، لكونها تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية.
يستعرض هذا المقال، إشارة لبعض مواد هذه الاتفاقية ومدى تلائمها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
في مستهل الحديث، إن الشريعة الإسلامية كانت سبّاقة في تحقيق المساواة العادلة، فالقرآن الكريم ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخِلقة والتكليف، والثواب والعقاب، مثل قول الله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. إلا فيما اختصت به النساء عن الرجال لطبيعتها. ومن المؤكد أن ترفض المجتمعات الإسلامية اتفاقية ذات عقلية لا تتناسب مع مفاهيم الدين الحنيف. وليس من المنطقي، أن تنعكس على المجتمعات العربية دون أدنى دراية بالثقافة العربية والدينية. وفي مثل هذا السياق تعرضت الدول المتحفظة على بعض مواد هذه الاتفاقية لضغوطات من أجل إلغاء هذه التحفظات دون الالتفات إلى أن هذا الأمر قرار سياسي يعود للدولة نفسها في الموازنة بين التزاماتها الدولية وهويتها الدستورية.
وأشارت المادة الأولى من الاتفاقية على سبيل المثال إلى أهمية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل بغض النظر عن الحالة الزواجية للمرأة. وفي ذلك، وجب أن نضغ خطوطا حمراء حول معنى صرف النظر للحالة الزواجية للمرأة عند ممارستها لأي فعل مجتمعي. وباستقراء هذه المادة، يتبين أنها تشير إلى فصل الولي عن قرارات المرأة بشكل مطلق. وتكرر الإشارة إلى ذلك في مواضع عدّة. وهذا ينافي مفاهيم الشريعة الإسلامية التي أرادت من وجود الولي الحماية والكفاية للمرأة. فمن الضوابط الرئيسية للولي في الإسلام أن تعمل المرأة وفقا لموافقة الزوج أو الولي فإذا لم يأذن لها فيجب الطاعة وهو ملزم بالإنفاق عليها.
أضف إلى أن المادة (16) تطرقت إلى مواضع تنفي مسؤولية الولي على المرأة؛ ففي البند (ب) ينص أن المرأة لها الحق في حرية اختيار الزوج وعدم إبرام العقد إلا برضاها الحر الكامل. مؤكدة أنها الوحيدة من تملك القرار في إبرام عقد الزواج دون رضا الولي في ذلك. وهذا ما يتعارض تماما مع شروط انعقاد الزواج في الإسلام، فمن الشروط الأساسية هي إذن الولي في ذلك. فعن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نكاح إلا بوليّ»، وعن قول عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل ثلاثاً». ولما لعقد الزواج من مقاصد متعددة على مستوى الأفراد أولاً ثم المجتمع، من تحقيق الاستقرار والطمأنينة وغيرها، وإنشاء أسرة متماسكة على خُلق رفيع. فمن الواجب أن لا يكون للمرأة القرار لوحدها دون مشاركة من له الولاية عليها في الأمر. لتقديم النصيحة والمشورة المناسبة قبل الإقدام على خطوة مهمة.
والمتأمل في عقد الزواج يجد أن الدين الحنيف اشترط أن يعقد الزواج كذلك بوجود شاهدين وبالنظر لهذا الشرط فإنه يؤكد مدى أهمية هذا العقد ووجوب أن يتحقق الإشهار لما للعقد من قيمة اجتماعية سامية، على عكس المعاملات المالية التي قد تعقدها المرأة فلا يتطلب الأمر للشاهدين ولا الولي إلا إذا كانت بطبيعة الحال قاصرة أو مصابة بجنون.
وعلى صعيدٍ آخر، نصت المادة (15) من الاتفاقية أن المرأة والرجل متساوون أمام القانون، مما يشير إلى واحدة من المواضيع التي أثارت جدلاً دولياً ومعارضات، بأن المرأة العربية لا تتساوى مع الرجل في الميراث مما يعني انتهاك إلى مبدأ المساواة في القانون عند توزيع الميراث حسب وجهة النظر المغايرة. إلا أن الإسلام له فلسفة اجتماعية مختلفة في هذا الجانب، ففي بعض الحالات قد تحصل المرأة على نفس ميراث الرجل تماماً، مثل الأب والأم لهما السدس في حالة وجود ابن للمتوفى. وقد ترث المرأة أكثر من الرجل في حالات أخرى، فقواعد الميراث لا تقوم على قاعدة واحدة فقط وهي أن المرأة ترث نصف الرجل. بل إن هناك عدة قواعد تعتمد على الحالة الاجتماعية للمرأة والرجل. قبل تقسيم الميراث بينهم. فالإسلام لا يضع قواعده بمفاهيم غير منصفة لطرف دون آخر، إنما يبحث للإنصاف لجميع الأطراف بغض النظر عن الجنس.
خلاصة القول: إن ما تم تناوله في هذا المقال يهدف إلى إعمال المساواة العادلة التي تتناسب مع أفكار الدين الحنيف، لا مساواة مطلقة حتماً ستضر بالجنسين وتؤدي إلى تفكيك أدوار كل جنس في المجتمع، مما سيؤثر سلبا على تماسك المجتمع وقوته.
شذى بنت علي العبرية باحثة في الشؤون القانونية والسياسية