ثقافة

عدنان دهيش .. ضوء يبحث عن الإنسان داخل الطبيعة

بعين ثالثة تترجم ما يعجز عن قوله

 

في الأماكن الجميلة ذات الطبيعة الساحرة، أينما وجه المصور عدسته فإنها ستنجح في التقاط جزء من الجمال المحيط بها. وهذا ما يفعله الموسم السياحي في ظفار كل عام، سباق لا ينتهي من الصور الفوتوغرافية، حيث يصبح التميز في اقتناص اللقطة أمرا صعبا وتكرار المشهد تحديا جديدا. لكن عدنان بشير رمضان دهيش ابن المكان الذي تنفس هواءه وشرب من مائه أربعة عقود، والمحمل بالحكايات والذكريات يلتقط صورا للمكان -وإن كان نفس المكان- بروحه قبل عدسته.
أدرك عدنان دهيش أن التصوير هو ما يريد حين شعر لأول مرة بما يمكن أن تفعله الكاميرا متجاوزة حدود تجميد الصورة إلى ما هو أبعد، فيقول: 'البيئة في ظفار مليئة بالجمال، لكن ما شدني أكثر هو الإنسان البسيط وعلاقته بالمكان. لم يكن الأمر مجرد انبهار بالبيئة، فأنا ابنها الذي اعتاد الجمال وشب عليه، لكن الأمر في حقيقته نبش وبحث عن ذاكرة تُروى عبر الضوء والظل، أعتبر نفسي راويا وشاهدا في آن واحد. ابن المكان من الداخل، وناقل للعالم من الخارج'.
عن اللحظة التي يعتبرها عدنان دهيش فارقة أو مفصلية في مسيرته كمصور، أشار إلى أول مرة عرضت له فيها صورة - شيخ كبير تحتضنه الإبل وتقبله بينما يبتسم لها بهدوء مستشعرا حبها له- أثارت إعجاب الناس ودهشتهم، مع هذه الصورة شعر عدنان كما يصف أنه كمن أمسك بالخيط، فكانت تلك لحظة فاصلة في مسيرته الفوتوغرافية، معتبرا الكاميرا عينا ثالثة تترجم ما يعجز عن قوله إلى صور ومشاهد ولحظات.
على غرار صورة الشيخ والإبل، التقط دهيش صورا كثيرة للإبل إلى جوار أصحابها، فسألناه: أ تبحث عن التشابه أم عن الفارق في مثل هذه الصور؟ فقال: 'أبحث عن الاثنين معا، التشابه في الملامح القاسية والهادئة، والفارق في الروح الإنسانية التي تنعكس على الحيوان. الإبل ليست مجرد دابة، إنها مرآة لصاحبها'. وعن اعتباره الإبل موضوعا فوتوغرافيا يهتم به، قال إنه ليس موضوعا عابرا، وقال: 'الإبل تحمل ذاكرة جماعية، ملامحها وصبرها تشبه أهل ظفار. تصويرها يعني توثيق جزء من روح المكان والناس'.
في الحديث عن تصويره لموسم صيد السردين، وما يشده فيه أكثر، لفت دهيش إلى وفرة البحر حيث الآلاف بل الملايين من الأسماك في صورة تقدم توازنا بين عطاء البحر وتعب الصيادين.
وعن موسم الصرب وخطلة الإبل، وصناعة التوازن بين حركة القطيع والصورة الثابتة هذه المرة، أشار إلى أن التوازن يأتي بالصبر وانتظار اللحظة التي تتحول فيها الفوضى والتزاحم إلى لوحة متناغمة، إلى أن تحين لحظة ضغط زر الكاميرا وإيقاف الزمن في الوقت المناسب.
تتكرر مواسم صيد السردين، وخطلة الإبل، والصرب وغيرها من المواسم التي يكون فيها عدنان دهيش حاضرا سنويا، فهل يرى في هذه المواسم السنوية تكرارا بصريا، فأجاب بـلا، وقال: 'كل موسم يحمل ضوءًا جديدا ووجوها أخرى ومشاعر متغيرة. لذلك أراه جديدا كل مرة'.
تصور أعمال عدنان دهيش جانبا من الأزياء التقليدية في محافظة ظفار إلى جانب بورتريهات لأهل المحافظة المحملة بالكثير من الحكايات والقصص التي يبحث عنها دهيش عند رجل عاش رحلة طويلة في البحر، أو امرأة تحمل في ابتسامتها ذاكرة أجيال، وحسب تعبيره: 'أحيانا ألتقط الهوية الجمعية، وأحيانا القصة الفردية'، مؤمنا أن الصورة تحفظ زيا تقليديا مهددا بالاندثار، أو فنونا رحل ممارسوها وبقي منهم قلة، واعتبر الصورة متحفا بصريا حيا، ووثيقة تقاوم النسيان وتمنح الزي/العادات/القصص حياة أطول. وفي تصويره لفرحة العيد بولاية طاقة، تلخص الصورة الواحدة ما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، فكان حرصه على الإمساك باللحظة عند تكبيرات الفجر، والإمساك بروحانية المناسبة، واقتناص وجوه الأطفال التي تختصر الفرح، أمرا مهما يواظب عليه مرتين كل عام.
في الموسم السياحي المنتظر كل صيف، سألنا عدنان دهيش عن الكيفية التي يتجنب فيها أن تصبح مناظر الخريف مجرد بطاقات سياحية، فقال: 'أتجنب ذلك عبر البحث عن الإنسان داخل الطبيعة، طفل يركض تحت المطر، أو امرأة تجمع الأعشاب. بذلك يتحول المشهد إلى قصة حية لا إلى بطاقة جامدة'.