هل الإنسان العربي حر؟
الثلاثاء / 7 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 19:50 - الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 19:50
الحرية في بُعدها النظري كما أراها هي علاقة الفرد بالكلمة، وبالسلطة، وبالمجتمع. وتحكم هذه العلاقة عدة عوامل: الهدف، والشجاعة، ثم القانون. والفرد هنا تنطلق منه الحرية وتنتهي إليه بمعنى أنه صاحب القرار فيما يفعل وصاحب النتيجة معا. ولكنه في المقابل يحتاج إلى بيئة تشرّع له مساحة للتعبير الهادف الذي لا يرتكز على الهدم؛ حيث يؤسفني أن أرى الإنسان في الواقع العربي المعاصر يعيش تناقضات حادة. ففي حين أنه يعاني من تضييق على مستوى حرية التعبير، وحرية التجمّع الثقافي، وحرية انتقاد السلطة تجد هناك محاولات إصلاحية ناتجة عن الحراك المجتمعي الذي ينتهي إلى الدمار والتخريب، وقد تصل إلى هدم عام للبنية التحتية في بعض الدول. ومن جانب آخر؛ فإن التقاليد والعرف والقبيلة تصوغ منظومة قيم تحدد إطارا لسلوك الفرد في ممارسة الحرية تحميه وتمنحه هُوية ووزنا أحيانا، وتتحول إلى قيد ثقيل في أحايين أخرى.
فالإنسان العربي ليس حرا بالمعنى المطلق، ولا هو مستعبدا بالكامل. ولكنه يقع متذبذبا بين المفهومين عندما يُمنع من قول الكلمة تجده يفرغها في قصيدة أو لوحة أو حتى نص ساخر. وبهذا يقصي نفسه من السياسة محتجبا بالفن والأدب والفكر ليصل صوته. لذا نجد الحرية في العالم العربي مشروع نضال شاق ومستمر.
ومن هنا أرى بأن العربي نصفه حر ونصفه الآخر مقيّد بسلسلة طويلة من الانتماءات للعرق، للقبيلة، للتاريخ، وللسلطة التي «غالبا» لا يؤتمن جانبها. فمن وجهة نظري تبدأ المشكلة عندما تُصبح ثقافة السلطة مَدا يرسّخ الثابت بلا تمحيص، ويكفّر في المقابل أي اختلاف والذي يمثّل المتحوّل. و«الثابت» هنا كما عرّفه أدونيس في كتابه الثابت والمتحول هو ما يُعتبر من المسلّمات التقليدية التي يُعتقد أنها فوق أي مشروع للغربلة أو النقاش. أما «المتحوِل» فهو ما ينبغي أن يخضع للنقد والتأويل والتجديد. وفي أحد لقاءاته أشار إلى أن سياسة تغيير الأنظمة نزولا عند رغبة الشعوب هي ليست حلا؛ لأن إصلاح النظام وحده لا يكفي إذا لم يتغيّر المجتمع ثقافيا وفكريا. وهي عملية معقدة قد تمتد إلى مسافات زمنية طويلة. المشكلة كما أراها، تكمن في أن الفرد العربي لا يزال عبدا لموروث فكري قديم. ولا يزال ينتمي نفسيا إلى ثقافات ترتبط بزمن غابر. ما أريد الإشارة إليه هو أن الإنسان العربي اليوم يسعى لاقتناص الحرية، ولكنه لا يزال مقيّدا ببعض قيود تتمثل غالبا في: البيروقراطية، والفساد، وضعف الخدمات. وسيستمر في الدوران بذات القيود ولن يملك الطاقة الكافية للتفكير في ذاته وحريته إذا لم تتحول سلطة الدولة وسلطة الأعراف المجتمعية من سلطوية إلى رعوية اجتماعية حاضنة للفرد؛ ذلك أنه منشغل على الدوام في توفير لقمة عيشه، وتلميع الواجهة الاجتماعية له.
وحتى أوجز الحل؛ أعتقد أن ما ينقص المواطن العربي اليوم هو تحديث منظومة التعليم للتحرر من القمقم الفكري الموروث. واحترام ذاتية الفرد في تقديم الخدمات العامة مثل الصحة، والتعليم، ومكان الإقامة وغيرها؛ فبذلك يبتعد الفرد عن الغرق في الصراعات الروتينية حول حقوقه، ولا يشعر بالاستنزاف الكبير أمام احتياجاته الرئيسية.