الاحتيال الإلكتروني والاقتصاد الرقمي
الاثنين / 6 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 20:52 - الاثنين 29 سبتمبر 2025 20:52
الاحتيال الإلكتروني بمفهومه البسيط هو نشاط إجرامي تستغل من خلاله التكنولوجيا المتطورة في ممارسة الخداع على الأشخاص، وتصيّدهم في عملياتهم المالية في الإنترنت باستخدام أساليب متنوعة وطرق غير قانونية عبر توجيه رسائل للضحايا تزعم أنها صادرة من جهات موثوقة وبنفس الطابع الرسمي للجهات الموثوقة؛ بهدف سرقة بياناتهم البنكية والشخصية. وغالبا تكثر هذه الأساليب الاحتيالية في المعاملات البنكية التي تستغل الجانب النفسي والعاطفي للأفراد، وتوهمهم بالثراء اللحظي ما يجعل آثار الاحتيال الإلكتروني وانعكاساته على أفراد المجتمع عميقة تترك جروحا نفسية ومشاعر سلبية تؤدي إلى الاضطراب في ممارسة الحياة اليومية وفي تعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية؛ خاصة إذا كانت الجرائم الإلكترونية سببا في فقدان الحلم الذي رُسِم من تحقيق الثراء المتوقع للأفكار الاستثمارية التي ينتهجها المحتال أداة في إقناع الضحايا بالموافقة على العمليات المالية الوهمية.
رغم التحذيرات المستمرة التي تقوم بها الجهات الرسمية في سلطنة عُمان في وسائل الإعلام والتواصل عن الاحتيال الإلكتروني بهدف التوعية والتثقيف من مخاطره ومخاطر الجرائم الإلكترونية عموما، إلا أنّ تهاون البعض في أخذ المواد الإعلامية التوعوية بمحمل الجد والتقيّد بها ساعد في وقوع أكبر عدد من الأشخاص في فخ الاحتيال الإلكتروني من خلال تنوّع الطرق والأساليب التي ينتهجها المحتالون لاستهداف ضحايا الجرائم الإلكترونية التي ما زالت تمثّل خطرا ماديا ومعنويا على أفراد المجتمع؛ خاصة بعض الأشخاص المندفعين في قراراتهم للوصول إلى مرحلة الثراء في أقل فترة زمنية.
في رأيي ليست المشكلة وحدها مرتبطة بالجانب التوعوي وحسب؛ فالأشخاص مدركون لاحتمالية تعرضهم للاحتيال الإلكتروني خلال القيام بالعمليات المالية مع أطراف لا تربطهم علاقات استثمارية معهم سابقا، لكن أعتقد أن الجانب التوعوي يتطلب جهدا كبيرا في تغيير قناعات البعض بأن الثراء لا يمكن الوصول إليه دون جهدٍ ذاتي وعملي. وفي رأيي أنه من السهولة تغيير هذه القناعات؛ كونها تكتسب بالمعرفة والتجارب التي إذا غُرست في أفراد المجتمع ستصبح سلوكا ثم ممارسة صحية تحد من الاحتيال الإلكتروني وجرائمه التي تتوقع شركة Cybersecurity Ventures أن تبلغ خسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية بنهاية العام الجاري نحو 10.5 تريليون دولار بنسبة ارتفاع تقدّر بـ15% سنويا مقارنة بعام 2015م.
إن الاحتيال الإلكتروني خطرٌ يهدد مستقبلنا ومستقبل أطفالنا ما لم تتضافر الجهود وتتكامل للحد من هذه الآفة التي أصبحت مصدرا للخوف من التكنولوجيا الحديثة، وأدت إلى فقدان في ثقة الجمهور بالتجارة الإلكترونية التي تمثل عصب الاقتصاد الرقمي وتطوّره ونموّه؛ خاصة في ظل ما تشهده المنصات الإلكترونية مثل الانستجرام من عروض وهمية لبعض المنتجات والسلع والخدمات التي وقع ضحيتها عدد من الأشخاص ما يهدد استقرار نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بدأت في توظيف التكنولوجيا الحديثة في ممارسة أعمالها ونموّها واستدامتها؛ إذ «تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن حوالي 60% من الشركات أغلقت أبوابها بعد تعرضها لهجمات إلكترونية؛ بسبب عدم قدرتها على تحمل الخسائر».
أحد الأسباب الرئيسة التي ما زالت تساعد على الاحتيال الإلكتروني هي انعدام الشفافية بين الأفراد عند إغرائهم بالأرباح المالية المتوقعة من الاستثمار الوهمي؛ لظنهم أن إخبار الآخرين عن الاستثمار وفوائده ربما لا يحظى بتأييد البعض أو التشجيع عليه ما يحبطهم ويفوّت عليهم فرصة الربح السريع.
وأعتقد أن سبب انتشار هذه الآراء والتوجهات بين أفراد المجتمع هو أن البعض أصبح لا يشارك رأيه الآخرين بمعنى أنه يستقي رأيه من وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوي آراءً متعددة وربما مشجعة على الوقوع في الاحتيال دون علم الأفراد، وتساعدهم على الانعزال عن المجتمع واتخاذ القرار الأحادي مستندين إلى زملائهم في الواقع الافتراضي، ومستبعدين مشورة زملائهم وأقرانهم على أرض الواقع طامعين بالنقلة النوعية الإيجابية المتوقعة في الحالة المادية.
إنّ انتشار الاحتيال الإلكتروني يستدعي اتخاذ جهود أكبر لحماية بيانات المستخدمين، وأن تكون مؤسسات القطاع العام والخاص قادرة على التنبؤ والاستجابة سريعا لحالات الاحتيال الإلكتروني؛ لضمان عدم تأثير الاحتيال الإلكتروني على الاقتصاد الرقمي وتطوّره ونموّه، وعدم تأثر منظومة التحول الرقمي عموما، وضمان حماية البيئة الرقمية ما يحد من الفرص المتاحة أمام المحتالين لممارسة أنشطتهم الخبيثة الضارة بالبيئة الرقمية؛ لذلك نحن بحاجة إلى تطبيق مزيدٍ من الإجراءات التنظيمية التي تحمي بيانات المستخدمين، وتحد من تعرضهم للاحتيال مثل: مخالفة الجهات التي لا تلتزم بالأمن السيبراني، وتمكّن المحتالين من الوصول إلى البيانات الشخصية للمستخدمين.
والهاجس الأكبر أن تستمر عمليات الاحتيال الإلكتروني والنصب على الأشخاص في عمليات الشراء إلكترونيا وفي الاستثمار ما يؤدي إلى انعدام الثقة بالتحول الرقمي في المعاملات المالية وفي الاستثمارات؛ خاصة مع تعرض البعض لعمليات نصب واحتيال من قبل بعض الشركات الوهمية.